باسم يوسف … حطيئة هذا الزمان

08:01 صباحًا الأربعاء 16 يناير 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

باسم يوسف

لا يزال الإعلامي باسم يوسف يمارس هوايته في منافسة أكثر الأسماء تداولا على محرِّكات البحث، وهي محركات تعمل أحيانا بالفحم فتسود لها الوجوه، وتدار بالكهرباء فتنقطع ومعها الأنفاس، وبالديزل ـ إن وجد ـ فتسرع في اقتفاء أثرها وأن تسأل عن هذا الرجل، الذي جمع المصريين ليلة السبت، مثلما جمعت أم كلثوم العرب ليلة الجمعة، وجمع علي ومصطفى أمين الغلابة ليلة القدر، وجمع محمود ياسين بسيدة الشاشة فاتن حمامة، قبل أن تطير الحمامة فيسخر منها شعب تعود إن لم يجد من يسخر منه أن يتناول مأساته بمسخرة شديدة، ومن هؤلاء سلسل الساخر الأكبر محمود السعدني، الكاتب الصحفي أكرم السعدني.

 تحت عنوان  تصدر غلاف دورية (صباح الخير) الأسبوعية، باسم يوسف هو خطيئة هذا الزمان، يكتب السعدني عن ظاهرة باسم يوسف:

 “صحيح أن لكل بنى آدم نصيبا من اسمه فهاهو الولد باسم يوسف يرسم البسمة على شفاه أهل مصر وأمة العرب من محيطها إلى خليجها، والحق أقول إننى أحببت هذا الولد بعد عداوة، فقد كان يقدم فى قناة   On Tvبرنامجا ثقيل الظل لم أكن أضحك له بقدر ما كنت أشعر بأنه هو الذى ضحك علىَّ وسرق وقتى دون فائدة تذكر، وأهل مصر دون خلق الله هم أخف الناس دما وأكثرهم ظرفا وأقدرهم على السخرية وعملية إضحاك الناس فى بر مصر أمر شديد الصعوبة، لأنك عندما تبيع الماء فى حارة السقايين فعليك أن تكون متفردا متميزا موهوبا من شعر الرأس حتى أظافر صوابع أقدام سعادتك، وبالصراحة اللى فى زماننا قليلة أنا أحسست أن هذا الباسم يوسف من خلال قناة On Tv هو من طبقة المستظرفين الذين يدعون الظرف، دون أن يملكوا أدواته، وأنه كما علمت يعمل طبيبا للقلب المفروض أن يداوى أوجاعه، فإذا به يوجع قلوبنا ويدميها من ثقل ظله الذى كنت أظن أنه – ثقل ظله – ليس له مثيل فى الكون”.

 ويبدو أن فترة غياب باسم يوسف عن الشاشة، لم تكن سوى للبحث عن صيغة فريدة لتقديم (البرنامج)، فهذا الفتى الذي عرفناه في البداية على شاشة اليوتيوب، شاهد الحلقة الأخيرة من برنامجه على الإنترنت أكثر من مليون مشاهد، وهو عددٌ يفوق تعداد من شاهدوا بعض الإعلاميين والإعلاميات طيلة ربع قرن، وقد ظهر التحول الكبير في أداء وشكل (البرنامج)، حتى أن السعدني يرصد هذا التحول:

 “عندما خلع باسم يوسف من المحطة الأولى وانتقل إلى محطته الجديدة فإذا به يتحرر على ما يبدو من قيود كانت ويتخلص من معوقات وينطلق فى دولة الظرفاء والساخرين، أو إن شئت الدقة نضع النقاط الثلاث فوق الساخرين فستجده منهم، بل أولهم فهو ساخر – مع الأخذ فى الاعتبار رجاء وضع الثلاث نقاط فوق حرف السين – من طراز فريد يمضى وقتا عظيما فى عملية الإعداد وهى العملية التى تستلزم عقلا نابها يقظا على رأى أستاذى الأكبر مفيد فوزى يربط أحداثا بمواقف وكلمات وعبارات ومقاطع من أعمال فنية بحيث يستطيع أن يقوم بأعظم عملية نقد سياسى وفنى واجتماعى دون أن تضبطه فى الوضع مخطئا أو مخلا بشرف المهنة أو خارجا عن الآداب العامة”.

 ويشبه السعدني في مقاله عن باسم يوسف بأن هذا الإعلامي النابغة نهج هذا نفس استراتيجية الشاعر الحطيئة صاحب أخبث عقل بين الشعراء وأقذع نقد وأبلغ تصوير، وهجا الجميع، حتى أنه خرج فلم يصادف أحدا فجن جنونه ثم رأى بئرا فمال فيها طلبا لبعض الماء فرأى صورته على صفحة الماء فى البئر فسخر منها:

 “استفتح باسم يوسف برنامجه على هجاء شديد لصاحب المحطة وللعاملين بها، وعلى رأسهم واحد عامل ثورى قوى فجاء باسم بشريط مصور «لأخونا» الثورى وهو يؤكد  أن حسنى مبارك هو أعظم واحد وأجدع واحد وأشجع واحد جاء منذ أيام محمد على، وحتى يومنا هذا! ولكن.. وقبل أن يهجو باسم هؤلاء قام أولا باستخدام طريقة الحطيئة فهجا نفسه وسخر من ذاته وقال إنه ما جاء إلى هنا طلبا للمال، ثم تظهر على الصورة «سرة» فلوس تتساقط منها الجنيهات الذهبية، وكأنه أراد أن يعلنها للجميع أن أحدا حتى بمن فى ذلك شخصه هو غير معصوم من النقد، ولهذا ربما اكتسب باسم يوسف ثقة الناس وحبهم وفوق ذلك اعترافهم به واعتمادهم له كأحد الساخرين الكبار فى دولة المشاهير، لكنه ليس ساخرا على الورق، إنما هو ساخر تليفزيونى تماما مثل كائن بحرى فهو يتنفس ويعيش ويجتهد ويبدع ويتألق أمام الكاميرا، واليوم يعد باسم يوسف فعلا وقولا وحقيقة واقعة مداويا لأوجاع القلوب فإذا كان قد أمضى السنوات السبع فى كلية الطب فذهبت هباء فإنه أدرك ضالته المنشودة وأمسك بأول الخيط الذى سينتهى به إلى هدفه الأسمى ومراده الوحيد وأمنيته الغالية فى شفاء خلق الله من أمراض العصر.. العصر الذى نعيش فيه.. وعلى رأس هذه الأمراض مرض الكآبة التى حلت على مصر وعششت فى أنحاء الوطن وأثقلت على الناس أجمعين من فقراء وأغنياء وبسطاء ومحتاجين وعلماء وفقهاء وكبار وصغار، لقد أصبح باسم يوسف أحد الشخصيات التى حولها توحد أهل مصر ويا عم باسم أقول لك يا سيدى الفاضل لا تؤاخذنى لأننى حكمت عليك فى البداية هذا الحكم الظالم فكلانا معذور.. أنت كنت فى أول الطريق تبحث عن معالمه حتى تبين لك فاهتديت إلى الصواب وأنا تعجلت الأمر وغاب عن بالى مثل عربى عظيم المعنى علمنى إياه أحد أعظم الساخرين فى تاريخ أمة محمد أبويا الولد الشقى السعدنى الكبير طيب الله ثراه، عندما قال لى عن الصراع الذى نشأ بين جورج سيدهم والضيف أحمد وسمير غانم وظل لسنوات طويلة يتبادل فيه دور الريادة مرة الضيف رحمه الله ومرة جورج عافاه الله وشفاه، بينما سمير بعيد يعيش فى منطقة ضبابية لا يبدو معها أنه سينفذ ذات يوم إلى الصفوف الأولى، لكن كما قال السعدنى: المليح يبطئ.. أى أن الفرس الأصيل فى بداية السباق يأتى متأخرا لأنه ينظم جهده ويرتب أنفاسه لكى ينهى السباق فى المقدمة.. وهكذا يا سيدى الفاضل الباسم الساخر.. حطيئة هذا الزمان.. هكذا كنت وأتمنى لك أن تبقى!”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات