الشاعر الكوري (تشو أو ـ هيون): قِدِّيسٌ يُحَلقُ بَعيدًا

09:08 مساءً الخميس 17 يناير 2013
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تبدو اللحظات التي جمعتنا بالقديس الشاعر تشو أو ـ هيون لا تُنسى أبدًا. فهذا الشاعر المولود في العام 1932م أصبح راهبًا بوذيا سنة 1958، وبدأ مسيرته الأدبية في 1966، ليكون اليوم واحدًا من الأسماء المرموقة في عالم الأدب. نال تشو أو ـ هيون عدة جوائز رفيعة في كوريا، فحصل عام 2007 على جائزة تشونج شيونج الأدبية عن كتابه (قدِّيس يُحلقُ بعيدًا)، وهو الآن مدير معبد (بائيكتام) في شمال غرب كوريا الجنوبية، حيث زرناه، وهو يلقب في المعبد (ماناك)، واسمه البوذي (موسان).  

أهداني الشاعر الكبير نسخة من كتابه، تلك الأشعار التي يمكن أن تبدل حياة بأخرى، وتصنع عالمًا من الحكمة يعيش بها المرء، حين يقرأ، وحين يتذكر، وحين يتأمل.

الديوان ترجمه من الكورية إلى الإنجليزية تشانج سو كو الذي نشرت ترجماته عن الشعر الكوري في دوريات مثل:Chicago Review, Poet Lore, World Poetry (w. w. Norton), Poetical Cat (Farrar Straus Giroux Curios Cat (The Metropolitan Museum of Art, New York), Sending the Ship Out to the Stars (Cornell University East Asia Series),the Columbia Poetry Index (Columbia University Press).

وقد فاز تشانج سو كو بجائزة الشعر، جائزة جونج ـ مون الأدبية، جائزة الشعر المختارة من قبل الشعراء، وجائزة ترجم الأدب الكوري الحديث في كوريا. كما فاز أيضا بالجائزة الكبرى في مهرجان  Lucian Blaga الدولي للشعر في رومانيا.

في الديوان تعريف بنمط الشعر الذي يعتمده القديس الشاعر تشو أو ـ هيون بقلم: بارك تشول ـ هي، يحمل عنوان (شعر “سيجو” في الأدب الكوري)، ومنه أقتطف  السطور التالية قبل أن أنقلكم إلى المختارات:

يعد “سيجو” نوعا شعريا له تاريخ هو الأطول في الأدب الكوري، حيث تمتد جذوره إلى الشعر الكلاسيكي الكوري وقد تطور من جيل إلى آخر ليكون الشكل الأنسب والأكثر استخداما في التقاليد الشعرية لدى الشعب الكوري.

يقدر اكتمال شكل “سيجو” في نهايات المرحلة الأخيرة من عهد مملكة كوريو، بتاريخ عمره 800 سنة على الأقل. خلال هذه المسافة الزمنية ، هناك اعتقاد بأن أعمالا كثيرة كتبت بطريقة “سيجو” ـ ولكن ـ كان هناك ما يقرب من 4500 عمل مدون قبل احتلال اليابانيين لكوريا وضمها في العام 1910. وعلى الرغم، من أن هذا الرقم قد يوصف بالضخامة، وبالنظر بعين الاعتبار إلى التاريخ الطويل لهذا النوع الأدبي، وهو ليس قليلا مقارنة بالأنواع الأخرى من مؤلفات الأدب الكوري الكلاسيكي. بهذا المعنى، ينظر إلى “سيجو” كجزء من التيارات الأدبية الرئيسة في الأدب الكوري. والأكثر من ذلك، فإن “سيجو” أصبح النوع الأدبي المهيمن في عهد مملكة تشوصون حيث أن معظم الأعمال تنتمي لتلك الحقبة.

كان “سيجو” محور تاريخ الشعر الكوري لأنه كتب باللغة الكورية في زمن كتبت به القصائد باللغة الصينية. والأكثر من ذلك، وبغض النظر عن التاريخ الطويل للشعر لكوري، فإن “سيجو” وحده ظل يستخدم على نحو متواصل  منذ العهد الأخير لأسرة كوريو بينما نجد أن أشكالا شعرية أخرى عديدة تأتي وتذهب. لذلك فإن “سيجو” ينظر إليه كأهم الأشكال الشعرية الكورية وأوحدها، نسبة إلى لتقبله للذائقة العاطفية الجمالية للشعب الكوري.

أصل “سيجو” كشكل شعري ليس معروفا تماما، ولكنه يفترض أن يعود بجذوره إلى تقليد الشعر الكوري. فقد ظهر شكل “سيجو” الشعري نتيجة للتطور أو التغير لشكل الأغنيات الشعبية الكورية، التي تسمى (هيانجَّا)، أغنيات السكان الأصليين لأسرة مملكة شيلا. تتكون أغنية (هيانجَّا) عادة من زوجين من الأبيات الثنائية، وقد تصل إلى خمسة أزواج، في كل زوج أربع إيقاعات كورية، وكل إيقاع كوري به ثلاثة، أو أربعة أو خمسة مقاطع؛ ومن ثم تكون (هيانجَّا) ما بين 4 إلى 10 أسطر طولا.

بالمقابل، فإن قصيدة “سيجو” لها ثلاثة أسطر تتوزع بين بداية، ووسط، وخاتمة ـ وفي كل سطر هناك العدد نفسه من الإيقاعات الكورية مثلما وجد في أغنية (هيانجَّا)، مع وجود خلاصة ونقلة شعريتين في السطر الأخير. لهذا، فإن الخاصية المميزة لشعر “سيجو” موجودة في التركيز الفائق للعاطفة في السطر الثالث. والأكثر من ذلكن فإن (هيانجَّا) ذات العشرة أسطر يمكن أن تقسم إلى ثلاثة مجموعات؛ الأولى ثمانية أسطر تضم في مجموعتين، والسطرين الأخيرين في مجموعة واحدة ـ وهي حقيقة بأن ذلك يمكن أن يحسب ضمن تقسيم “سيجو”  إللا ثلاثة أسطر. وتبعا لذلك، فإن لدى “سيجو” التركيز العاطفي نفسه لغنائية (هيانجَّا) ذت السطور العشر متحدة في ثلاثة أسطر فقط، ويخدم السطر الثالث للأول “سيجو”، معادلا شعريا للسطرين التاسع والعاشر للأخيرة (هيانجَّا). ومن هنا، نجد أن “سيجو” تم تنقيتها بإيجاز مع تصوير شعري أكثر مرونة وكثافة، مع استخدام خاتمات أكثر وضوحًا عما في (هيانجَّا). أيضا، سنجد أن شكل السطور الثلاثة، له أهمية قصوى ، خاصة حين يؤخذ بالحسبان لحن الوزن الشعري لكل سطر، حيث أن أجزاء “سيجو” المؤسسة من أغنية كانت تنشد. لهذا، فإن المقاطع الثلاثة أو الأربعة للإيقاع الشعري الكوري تتموضع بدقة لطول الأنفاس لدى من يغني “سيجو”.

أصل كلمة “سيجو” يعني (أغنيات الزمن)، أو الأغاني الشعبية لحقبة معينة؛ ومن هنا، فالكلمة تمثل مصطلحًا موسيقيا أكثر من كونها إصطلاحا شعريا ـ تمت نمذجته بالتأكيد على الوظيفة الموسيقية أكثر من التوظيف الشعري. وبالرغم من أن أغنيات “سيجو” لها إيقاع من ثلاثة أو أربعة مقاطع طولا، هناك استثناءات عرضية مثل إيقاع من مقطعين بدلا من ثلاثة، أو ثلاثة بدلا من أربعة. ولكن يبقى عدد الإيقاعات الكورية في كل سطر دائما ما يكون مساويا لسطور القصيدة الكورية العصرية. لهذا، فإن السطور التي تضم ثلاثة أو أربعة إيقاعات تشكل الإيقاع الأساسي للشعر الكوري الكلاسيكي. ولكن، في مسألة “سيجو” تكون الاختلافات طفيفة بين سطر له ثلاثة إيقاعات وآخر له أربعة. لذلك يبقى “سيجو” شكلا شعريا قصيرًا يجسد العاطفى الجمالية للشعب الكوري.

كانت الخمسينيات من القرن الماضي مرحلة وضح فيها تأثير شعر “سيجو” المعاصر، لأن الحرب الكورية التي بدأت بالغزو الشيوعي لكوريا الجنوبية، وضعت الشعب الكوري مباشرة تحت وطأة محنة العذاب والموت. وبسبب تلك الحرب الدموية، بدأ وعي شعري جديد، ومذاقات لطرائق شعرية جديدة، جرت وطورت. وتعد قصائد الشعراء جيونج أون ـ نيونج، ويي جون ـباي، وتشو أو ـ هيون (صاحب هذا الديوان) وكيم جي ـ هيون نماذج تطابق تلك الطرائق المعاصرة.

وقد أصبح وتشو أو ـ هيون وكيم جي ـ هيون، على وجه الخصوص، الشاعرين الأبرز لهذه المرحلة. وقد عبر وتشو أو ـ هيون عن فلسفته البوذية في أشكال شعرية بديعة، بينما فتح كيم جي ـ هيون  حقلا جديدا من “سيجو” باستخدام منظور استفاد من المشاعر والأفكار الحقيقية. وينحو “سيجو” كيم بين المتقابلات القطبية للإيمان والقنوط، بينما يطأ تشو ممرًا يصل بين الأزمة والتطهر.

 

قدِّيس يُحلقُ بعيدًا

 

اليوم، هذا اليومُ الواحدُ،

هذا اليومُ الواحدُ المسمَّى باليوم،

سِربُ ذباباتِ النهار،

يضَعْن البيضَ، وينفقن،

القول بألا وجود لشيءٍ يقال،

إذا ما رأينا الشمس مشرقة تمامًا،

قبل أن تغرب.

وعلى الرغم أني لا زلتُ حيًّا،

كمن لا يزال يعيشُ بعد موعد رحيله،

لا أشعر بأنني عشت يومًا من تلك الأيام.

ولو أن الحالَ هكذا،

ليس القديس إلا

سحابة من ذباباتِ النهار تُحلَّق بعيدًا،

ولو عاش ألف عام.

 

 أراقبُ نفسي

 

بينما أجلسُ في قاعة (موجَمْ) للوساطة الروحانية

أراقبُ نفسي.

حشرة زاحفة

تمدِّدُ جسدها وتقلصه.

تلتهم كلَّ شيءٍ،

لتتبرز وتبيض.

 

 

كلماتُ بَحَّار

 

نخلة وحدها تمد يدًا للسَّماءِ،

بكل أصابعها المتقيحة،

تضع حجابًًا على وجهٍ ليست له أذن، أو عنق، أو أنف،

تتدثرُ كي تخفي آثار ابتسامة.

تَحْديدُ الزمن

 

يتوجهُ القرويُّون إلى حيثُ تشرقُ الشمسُ،

ويولِّي الرهبانُ وجوهَهُمُ إلى حيثُ تغربُ الشمسُ،

يمضون جميعًا للأمام، حياة أو موتًا.

عمرٌ

يكادُ يكونُ مداهُ مساحةَ خطوةٍ.

لا يهمُّ كمْ مسافةً يقطعها المرءُ

خطوة واحدة تحدِّدُ الزَّمنْ.

هذا هو جسدي

 

صَعَدْتُ أعاليَ جَبلِ (نامسان)،

راقبتُ الشمسَ وهْيَ تأفلُ غاربةً.

كانت مدينة (سيئول) سربًا

من زبدٍ أحمر داكن يتغرغر.

هذا هو جسدي؛ لم يكن أكثر من مجرد عَلقةٍ

عالقةٍ في ورقةٍ طحلبٍ في هذا السرب.

  

خربَشَاتُ نهايةِ الأسبوع

 

قال عجوزٌ؛

أمضى هنا ليلةَ نهايةِ الأسبوع الماضي،

العالم شبكةٌ خيوطـُها تنتشرُ

مثلَ ريشاتِ مروحةٍ على جناح حشرةٍ“.

على جَسَدي دائرةٌ يُصوِّبون نحوَها السهام،

على جَسَدي نقطة تمثل مَوْخزًا للإبر،

دائرة ذاتُ حُمْرةٍ، هي زرُّ البطْنِ!

ضباب

 

لا سَبيل للتقدُّم،

لا سَبيل للتراجُع.

أنظرُ حولي، فلا أجدُ

إلا سماءً خاوية وجرفًا لا نهاية له.

إنها سخافة:

أن أطوِّفَ طيلةَ حياتي

فقط كيْ أصلَ إلى حافةِ هذا الجرفِ.

يهبطُ الضبابُ حولي ليزيدَ ارتباكي

هذا الجرفُ هنا

حيث يجبُ أن أحطَّ الرحالَ لذاتي أخيرًا

بالحياةِ والموتِ معًا.

إنه عبثٌ:

أنَّ كلَّ ما قبضتُ عليهِ طيلةَ حياتي

ليس سوى الضباب.

 فزَّاعات

 

ألوِّحُ بيديَّ، حتى لأسرابِ الطيور التي تحلقُ بعيدًا،

ألوِّحُ بيديَّ، حتى للمارِّين بي،

نحن الفزَّاعاتُ التي تبتسمُ وهي تَعْمَلُ

في حقولِ أرْز الآخرين.

أقفُ بساقين منفرجتين فوق ضفافِ حقل الأرز

في سنواتٍ حصادها سخاء،

وفي سنواتٍ حصادها ضنين،

ناظرة إلى حقل الخريف،

حقلي أو حقل سواي،

لا أتقاضى أجرًا،

وأقول أنا الفزاعة البسَّامة.

رغم قول البشر إني فزاعة،

يحدث حين أفرغ رأسي، وأفرد ذراعيَّ،

أن كلَّ شيءٍ، حتى السَّماء،

يأتي إلى فضائي الحميم.

عقل

 

في الأيام الخوالي، كان هرقلُ،

رغم أنَّهُ يرفعُ السَّماءَ والأرضَ،

لا يستطيعُ أن يرفعَ أو يُخفضُ

عقله.

ذلك العقلُ الذي كانَ، ربَّما،

أوْهَى من حَبَّةِ خَرْدَلْ.

الراهب الشاعر يرحب بالمبدعين أعضاء آسيا إن

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات