أشرف أبو اليزيد في حوار مع (روز اليوسف) : نعيش مرحلة مخاض عسير لولادة ثانية للأمة المصرية

02:32 مساءً الجمعة 18 يناير 2013
خالد بيومي

خالد بيومي

كاتب من مصر، صحفي بمؤسسة روز اليوسف، القاهرة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أشرف أبو اليزيد؛ رئيس تحرير (آسيا إن)

نشرت جريدة روز اليوسف هذا الحوار مع رئيس تحرير (آسيا إن)، وهو الحوار الذي أجراه الكاتب الصحفي المصري خالد بيومي، وننشره هنا كاملا:

 كيف تتأمل بعين الاديب ما يحدث في مصر الان؟

 ما يحدث في مصر هو مرحلة مخاض عسير لولادة ثانية للأمة المصرية، هذا بلاغيا، ولكن على أرض الواقع نقول إن المصريين يحاولون استعادة القيمة التي أفقدتهم إياها سنوات التعسف بحقوقهم. المصريون ـ على أرض هذا الوطن ـ هم أصحاب مشاريع كبرى، تنظر للخريطة، منذ فجر التاريخ، فتراهم بنوا الأهرامات، وشيدوا العمائر الفريدة، وشقوا قناة السويس، وعبروها في 6 أكتوبر، وأنشأوا مترو الأنفاق، جنبًا إلى جنب مع تصدر المشهد الإبداعي ـ منذ فجر التاريخ ـ في الآداب والفنون. هم صناع حضارة، دون مبالغة، وما يحدث الآن هو بحث كل مصري عما فقده. عن مكانه في الدستور، عن موقعه على خريطة الحقوق، عن مكانته في المجتمع، ويبحث بالمثل عن حضوره في أقاليمه العربية والإفريقية والدولية. مرحلة البحث تتجاذبها قوى، تدعم الشعب ليصل إلى ما يصبو إليه، وأخرى تريده أن يرتد، حتى لا يكشف تجارتها البائرة القادمة من المجهول.

  هذه اول حالة انشقاق بين طوائف الشعب المصري منذ فجر التاريخ .. برأيك على ماذا تعول ؟ وما المخرج ؟

 أنا لا أراه انشقاقا قدر ما أوصِّفه بالاستقطاب. يعتمد القطبان على ما لدى أنصارهما من قيم وتكوين، بمعنى أن الجماعات التي تقول إنها تأتي باسم الشريعة، وتحمي الدين الإسلامي، وتريد أن يدخل شعب مصر الإسلام، وأن ينعم بالاستقرار، هي جماعات تلعب على أوتار التفكير البسيط لدى مواطن قد يصدِّق ذلك فعلا. الجماعات الدينية تدعو هؤلاء البسطاء إلى الجنة في الآخرة، وكأنهم ملكوا مفاتيحها، بينما التيارات الديمقراطية تنادي بالجنة في الدنيا دون أن يعارض ذلك حساب الآخرة. التيارات الديمقراطية تنادي بالحقوق الواجبة، والشرائع الغائبة، هي ـ بالفعل ـ تؤمن بأن ما ينقصنا كثير. فارق كبير بين أن تدغدغ المشاعر كذبا، وتحتال بالرشوة من أجل أن تقول إنك حامي القيم والأخلاق والدين، أو أنك تخاطب العقل، من أجل أن تدفعه إلى دوائر التنوير.

 في حال رحيل الاخوان … ما هو البديل ؟

 في حين أن الإخوان، ومن على شاكلتهم، ينادون برحيل من لا يعجبه، فهذا أمر لا تطلبه التيارات المدنية ولا تتمناه. الفكرة الأمريكية المتطرفة التي جاءت على لسان جورج بوش (من ليس معنا فهو ضدنا) هي فكرة قميئة، تقتل ولا تحيي، تفرق ولا تجمع، تهدم ولا تبني. مصر بحاجة إلى مشروعات كبرى، ليس منها تقليد مملكة وهابية، أو اقتفاء خطى إمارة طالبانية. أرى أن البقاء لمن يريد أن يقدم مشروعات لنهضة حقيقية، غير مزيفة، غير شعاراتية.

أليس بين الإخوان من درسوا العلوم؟ لم لا يقدمون مشروعات لتبني إصلاح مجال الزراعة في مصر؟ نريد من الإخوان أن يستخدموا علماءهم في العلم، وألا يستخدموا دعاتهم إلا في الإصلاح (بدلا من وبال الشتائم الذي ينهال من قنواتهم، حتى أصبحت تلك هي لغة الدين والمتدينين)، وألا يستخدموا مهندسيهم إلا في البناء.

 البديل عن الإخوان في الإخوان أنفسهم، أن يفعلوا ما تقوم به التيارات المدينة في رعاية مشروعات الوطن والحفاظ على حقوقه. ليس على الشعب أن يعاني 80 سنة أخرى حتى يغفر له الإخوان ما نالهم من نظم أضرت المصريين جميعا، المصريون لم يرتكبوا إثما، لكي يكفِّروا عنه، هذا ما يجب أن يعرفوا الإخوان، وهذا شرط البقاء لهم: التعايش وعدم إلغاء الآخر وتقبل الأقليات بكامل حقوقها. حاسبوا الآخرين كبشر، فلستم آلهة يا إخوان.

 تكتب الشعر والرواية والرحلات والسيرة الذاتية والاطفال وتمارس الصحافة والترجمة .. كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟

 قد يُنظر إلى الأمر ـ شكليا ـ على أنه تناقض، أو تضاد، أو مزاحمة، ولكن المتتبع لتلك الكتابات يرى بينها توازنا، إنها مثل الأواني المستطرقة، يرتفع الكم في أحدها فيقل الكم في الآخر، كان الشعر الأكثر غزارة في فترة، ثم ها هي الكتابات السردية، وما لا يستطيعه أدب الرحلة يمكن أن تقدمه الرواية. أكتب بحب، سواء كان ذلك شعرًا أو استطلاعا أو رواية، لذلك أجد نفسي فيما أكتبه. في أكثر من عشرين كتابا صدرت لي ستجدني في الصفحات، أنا أكتب مثلا أسبوعيا ـ منذ 3 سنوات ـ مغامرات ماجد على طريق الحرير، لأنني أريد للأطفال أن يعيدوا اكتشاف ذلك الدرب الثري، تاريخا وثقافة وحضارة، وفي الترجمة لا أنقل عن الإنجليزية إلا ما أريد أن يشاركني فيه القراء.

 ألا يمثل ذلك تشظيا في الموهبة؟

 يمكن أن تتحدث عن الموهبة في السن المبكرة، أيام الصفوف الأولى، والتكوين بين سنوات الثانوية والجامعة، أما بعد الموهبة فتأتي الخبرة، وتنضج التحولات، وتلك هي التي تصوغ خيارات الكتابة. إن مقالا لي في مجلة (العربي) قد يطالعه مليون قاريء وقارئة، وكتابا في الترجمة صدر ضمن سلسلة مرموقة مثل كتابيّ  قد يقرأه 20 ألفا، ورواية قد لا يقرأها سوى عدة مئات، هذا التلقي نفسه يحدد اختياراتك، لأنك إذا كنت قادرًا على صياغتها فأنت تختار. لذلك تجمع كتابة الرحلات عندي بين الفنون جميعا، فيها ترى حبي للعمارة، وعشقي للسفر، وتأثري باللآداب الأخرى، واحترامي للآخر المختلف، كما ترى ـ مثلا ـ باحثا يجمع المثل الشعبي والحكايات التقليدية ويترجم. أعتبر أدب الرحلة خلاصة أضع فيها كل شيء، أحيانا أكتب قصائد وأضمنها في تلك الرحلات.

على طريق الحرير، في قرية قرب كاشغر، شينجيانغ، الصين

 كتابك (طريق الحرير) هل هو حنين الى ماض عريق أم دعوة للاتجاه شرقا؟

 طريق الحرير هو اسم جامع لخطوط القوافل المنقولة برًّا من وإلى الصين. ومن المصادر الصينية يمكننا العثور على عدة خطوط رئيسية أولها الطريق الذي كان ينطلق من تشانغآن (شيآن حاليا) حتى يصل إلى مدينة كاشغر في أقصى شمال غرب الصين، بمنطقة شينج يانج، قرب الحدود مع باكستان وقرغيزيا وأوزبكستان وأفغانستان والهند.

وكانت واحة دونهوانغ التي تقع عند ملتقى خطوط المواصلات بين الصين والغرب، تعتبر همزة مواصلات بين الصين وآسيا الوسطى وغربي آسيا وأوربا. أما كاشغر فكانت تعرف بدرة طريق الحرير لما فيها من واحات وارفة الظلال غنية بشتى الإنتاجات. الطريق الذي يبدأ في كاشغر كان ينطلق باتجاه الغرب متفرعا إلى خطين آخرين يدخل أحدهما  في وادي فرغانة، ثم يمر بسمرقند وبخارى حتى مرو (مدينة ماري بتركمانستان حاليا)، أما الآخر فكان يجتاز هضبة البامير ويخرج من قلعة البرج الحجري ويمر ببكترا حتى مرو أيضا. من المدن المحطات الرئيسية على طريق الحرير سمرقند وبخارى ومرو. استمر هذا الطريق 16 قرنا، وكتابي ( طريق الحرير) موسوعة ثقافية مصورة، هي الأولى في اللغة العربية، تقدم مدنا ومعالم، وآدابا وفنونا، وأعلاما وممالك، ازدهرت على هذا الطريق.  وهي ليست حنينا بقدر دعوة لإعادة اكتشاف العلاقات الإنسانية، حتى دول العالم بدأت في إحيائه لكي تنهض اقتصاديا، وبدأت تركيا وأوروبا تشاركان إقامة طريق الحرير الحديدي، وهو قطار يبدأ في باريس، وينتهي في بكين.

 الرئيس مرسي استهل جولاته الخارجية بزيارة الصين والانفتاح على ايران .. ما رأيك؟

 في كل بلدٍ بالعالم هناك ما يفيد مصر، مثلما به ما لايصلح لها. أتمنى أن تتجه كوكبة من خبراء مصر إلى دول العالم الناهضة في آسيا، والمتقدمة في أوربا، يسألون كيف خططت ألمانيا للخروج من أزمتي الحرب العالمية الثانية، وأزمة توحيد الألمانيتين، يسألون كيف أصبحت كوريا الجنوبية على ما هي عليه من تقدم في أربعة عقود وحسب، يسألون الاقتصاديين ويسألون العلماء وخبراء المجتمع والتربية.

 ما سر ولعك برائد السوريالية سلفادور دالي؟

 هو الولع بفنان شامل: رسام وكاتب ومبتكر وكاتب سيناريو. سيرته الذاتية التي أملاها على مدى عشرين عامًا وترجمتها، فضلا عن كونها نموذجا للسيرة الذاتية المبدعة، فهي نموذج للثورة والإصرار. لا أرى في قوله (لستُ سورياليا، أنا السوريالية) غرورًا، وإنما دعوة للجميع أن يقدموا جديدًا في مجالاهم. يجب أن يكون كل منا سلفادور دالي في حياته، به من الثورة جنون، ومن الإبداع ذروة، ومن المثابرة نصيب أكبر، ومن الحب طوفان، كما كان هو يكن لزوجته جالا. بالمناسبة البعض يربط بين اسم إيميلي وبين سلفادور دالي، ولكنني من عائلة (الدالي)، لذلك الرابط مع ابن قطالونيا رابط في حب الفن، ولم يكتشف بعد رابط عائلي!

في كوريا الجنوبية

 أنت كثير السفر والترحال .. ماذا أفادك السفر في تجربتك الابداعية؟

 نحن بحاجة إلى السفر لإعادة تقييم ذواتنا، وإعادة اكتشاف أنفسنا. السفر جمَّاع تجارب الشعوب. ستضيء لك رحلات إلأى الشرق جوانب عليك خافية، ستدرك  أنك لست وحدك في هذا العالم، ومن ثم عليك بالحوار معه، وفهمه، والتواصل الذي سيفيدك بالتواصل مع المختلفين معك في وطنك. السفر أيضا مهم حتى داخل الوطن، ومن قراءتي لكتابات الشيخ مصطفى عبد الرازق عن رحلاته داخل مصر أقول إننا أيضا بحاجة للسفر داخل مصر.

هذا السفر هو الذي يضخ صوره وتجاربه في مداد الكتابة. سيبدأ ربما بالرحلة، ولكنه لن يتوقف فيتوهج في قصيدة، أو يتجسد في رواية، أو يتألق في سيرة ذاتية. عليكم بالسفر ففيه شفاء من شيزوفرينيا الأنا المعزولة عن الآخر، والعازلة له.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات