فيلم (أرجو): حلقة جديدة في سلسلة البطولات الأمريكية الوهمية

03:18 مساءً الإثنين 21 يناير 2013
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في طهران وتحديدا يوم 4 نوفمبر /تشرين ثاني 1979 قام حرس الإمام الخوميني الثوري إبان قيام الثورة الإسلامية في البلاد والإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي قاموا بإقتحام مبني السفارة الأمريكية في طهران وخطف جميع رعاياها الدبلوماسيين والذين بلغ تعدادهم 52 دبلوماسيا وقتل الحراس  وإنزال العلم الأمريكي من على مبنى السفارة , وقام الحرس الثوري الإيراني والذين أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية أنهم عناصر من طلبة الجامعة ومن الثوار الشعبيين الإيرانيين الكارهين للولايات المتحدة الأمريكية في حين أنهم وفي حقيقة الأمر كانوا من حرس الخوميني الثوري يرتدون الزي المدني ,حتى أن الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد كان أحد المشاركين في عملية الإقتحام وهو يفخر بهذه البطولة المبكرة في سجله الثوري , تحفظت الحكومة الإيرانية على الرهائن الدبلوماسيين وأخفتهم لمدة 444 يوما مما ترتب عليه قطع العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران .

على خلفية هذه الأحداث قدم المخرج والممثل الأمريكي بن أفليك Ben Affleck  فيلم أرجو  Argo من إنتاج شركة وارنر بروس Warner Brothers , والذي طرح في الأسواق في شهر سبتمبر / أيلول من العام الماضي 2012 , الفيلم الذي حاز على جائزة الجولدن جلوب خلال الحفل السبعين لتوزيع الجوائز الذي تنظمه سنويا جمعية المراسلين الأجانب في هوليود في 13 يناير /كانون ثاني من العام الحالي 2013 , وقد حصل الفيلم على جائزة أفضل مخرج وجائزة أفضل فيلم درامي , وهو من تأليف / كريس ثيريو , ويشارك أفليك في البطولة Bryan Cranston , John Goodman …. والفيلم هو التجربة الثالثة لبن أفليك  40 عاما في الإخراج … ويقدم أفليك فيلمه < أرجو > كرؤية سينمائية لحادثة إختطاف الرهائن الدبلوماسيين في طهران , إذ لابد أن تكون المخابرات الأمريكية هي الأكثر دهاء والتي لابد وأن يكون لها الغلبة دائما حتى لو لم يكن ذلك قد حدث بنفس الصورة على أرض الواقع ….

فيلم الإثارة الأمريكي < أرجو > مقتبس قليلا وبتحريف عن شهادة عميل المخابرات الأمريكي Tony Mendez ويحكي كيف تمكنت المخابرات الأمريكية < سي آي إيه > من إنقاذ 6 رهائن أمريكيين بناءا على الخطة التي وضعها العميل منديز المختص في مهمات الإنقاذ وهي تتمثل في إنشاء مشروع مزيف لتصوير فيلم سينمائي كندي في طهران ويقوم العميل المخابراتي بتهريب الأمريكيين على أنهم جزء من طاقم الإنتاج بمساعدة بعض المصادر الموثوق بها في هوليود ويصل منديز إلى طهران لتنفيذ العملية على أنه مساعد الإنتاج في هذا الفيلم الكندي , ويتمكن 6 أمريكيين من الفرار إلى مقر السفير الكندي بطهران وتصدر الأوامر للمخابرات الأمريكية بإخراجهم من الجمهورية الإيرانية …

تتصاعد وتيرة الأحداث بمرور الوقت حيث تقترب قوات الأمن الإيرانية من كشف الحقيقة بينما رؤساء منديز في السي آي إيه  والبيت الأبيض لديهم شكوك متصاعدة حول العملية برمتها , ولكن وكالعادة لابد أن ينتصر الأمريكان مهما كان تعدادهم قليلا وإمكاناتهم محدودة .. سواء أكانوا أحرارا أم أسرى …. هذه هي العقيدة الأمريكية التي طالما حاولوا تقديمها في السينما كصورة ذهنية متكررة البطل الأمريكي الخارق الذي لا يهزم أبدا ولعلنا نتذكر سلسلة أفلام رامبو من بطولة سلفستر ستالوني , وأفلام المدمر من بطولة  آرنولد شوازنجر وسلسلة أفلام المهمة المستحيلة لتوم كروز … وغيرها

أثار هذا الفيلم غضب وسائل الإعلام الإيرانية التي رأت أن جائزة الجولدن جلوب هي إحتفالية سياسية في المقام الأول وقررت إنتاج فيلما سينمائيا ترد به على أكاذيب واشنطن ودعايتها الكاذبة مع مطلع العام الفارسي الجديد والذي يبدأ يوم 21 مارس / آذار من كل عام  وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية < مهر > ولتصحيح الصورة المشوهة التي قدمها الفيلم وسيكون الفيلم الإيراني بعنوان <الموظفون العامون > وهو من بطولة الممثل والمنتج الإيراني < آية الله سليمانيان > والذي حصل على موافقة مركز الفنون الإيراني , وأوضح أن الفيلم يدور حول قصة 20 رهينة أمريكية يقوم الثوار الإيرانيون بتسليمهم للسفارة الأمريكية في طهران .

لم تتقبل الإدارة الأمريكية هزائمها الكبيرة والمتتالية على أرض الواقع فقررت أن تستبدلها ببطولات وهمية زائفة تحمل الكثير من المبالغات غير المقبولة والمخالفة للحقيقة جملة وتفصيلا ولعل هزائمها وخسائرها القريبة على أرض العراق وأفغانستان خير دليل على ذلك  وقد ساقت مبررات كاذبة لغزو العراق بعد حصار قاتل لأبناء الشعب العراقي تحت دعوى أنهم يصنعون أسلحة نووية , تماما كما غزت أفغانستان تحت مسمى مكافحة الإرهاب وقد ألحقت بها القوات الحكومية والمقاومة الشعبية هزائم متتالية لم تعترف بها الإدارة الأمريكية.

وحتى الهزيمة الكبرى على أرض فيتنام والتي طالما صنعت عنها أفلاما تمجد البطولات الأمريكية وتخلق أبطالا وهميين يدافعون عن الحق والعدالة والإنسانية حتى أنهم يضحون بحياتهم من أجل المستضعفين ومهما تواجد الأمريكي بأي مكان بالكرة الأرضية فهو حتما صاحب حق ورسالة حتى انه يعرف مصلحة البلاد التي يستعمرها أكثر من أهلها ..  لا ينسى الأمريكان هزيمتهم المخزية على أرض الصومال تلك البقعة الإستراتيجية في القارة الإفريقية  1992 أثناء عمليتهم الإستعمارية التي حاولوا إلباسها ثياب الأمم المتحدة  والقوات متعددة الجنسيات والتي أطلقوا عليها إسم < إعادة الأمل > والتي شكلت فضيحة كبيرة بعد أن سحل المقاتلون الصوماليون الجنود الأمريكان في الشوارع بعد أن أسقطت قوات الرئيس الصومالي وقتئذ ( محمد فارح عيديد )  طائرتيين أمريكيتين من طراز بلاك هوك ووقع أحد طياريها في الأسر .

يتجاهل البيت الأبيض دائما ملف حقوق الإنسان ويتجنب الحديث عن المعتقل الأكثر ظلما وقسوة في العالم جوانتنامو الذي تستخدمه الإدارة الأمريكية للقضاء على آدمبة كل من يخالف سياساتها في المنطقة تحت مسمى الإنتماء لتنظيم القاعدة أو في إطار حربها المزعومة على الإرهاب الذي تحاول بصورة فجة ان تلصقه بكل ماله علاقة بالإسلام .

وهكذا تقدم لنا هوليود من خلال فيلم ( أرجو ) حلقة جديدة من إنتصارات الولايات المتحدة الأمريكية التي خلقتها وصدقتها , حتى أن المواطن الأمريكي يعيش حياته اليومية متوهما أنه حقق هذه البطولات التي أدمن مشاهدتها في دور السينما .

One Response to فيلم (أرجو): حلقة جديدة في سلسلة البطولات الأمريكية الوهمية

  1. hsanat el hakim رد

    21 يناير, 2013 at 9:30 م

    مقال رائع أستاذة فاطمة دائما أنت متألق صديقتي العزيزة

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات