2020 – الفصل الثاني

10:23 صباحًا الأربعاء 23 يناير 2013
محمد البرقي

محمد البرقي

كاتب و مدون من مصر .. له العديد من الأعمال المنشورة و الإلكترونية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
فصل 2 
( لا تدينوا لكي لا تدانوا. لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون.وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم.  ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك.واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. ام كيف تقول لاخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك)
صوت حركة برّة,لازم تتشكك في كل حاجة..خمس سنين من الحياة دي تخليك شكاك حتى في نفسك.
كنت بأقرأ في الانجيل , لحظات سكينة مع نفسي و المقاومة كلها نايمة برّة..
إسمي (بيتر منير جاد الرب) 27 سنة كنت بأشتغل في محل ساعات بتاع جدي قبل ما كل ده يحصل, قبل ما يبقى الساعات مالهاش قيمة قوي حتى الوقت نفسه.

 

ناس كتير فقدت إيمانها, او حتى ما بقيتش تفرّق بين اللي ممكن تؤمن بيه من اللي لأ, حتى أنا نفسي ماكنتش ملتزم..لكن الكوارث ليها تأثير من 2 على الناس..
يا إما تفقدها إيمانها و تهزّه بشدة, يا إما تنقلها للتمسك بِيه.
كان حظي حلو لما لقتني المقاومة و نقلوني لبيت الامان ده من 3 سنين. كان إحدى غارات الـ (ساك) على مكان مش بعيد عن هنا كان إسمه المعادي زمان قبل ما كل مناطق (مصر) تبقى شبه بعضها.
كنت انا الناجي الوحيد من حي وعيلة و قرايب معروفة بتكتل المسيحيين فيها, القتل كان من غير وضوح افتكرناها في الأول ابادة طائفية..حصل مشاكل, لكن مع الوقت اكتشفنا الحقيقة.
اكتشفنا حقيقة (ساك) و إنها مايفرقش معاها كتير بتؤمن بإيه..إنت غير اللي نجوا و لازم تنتهي لان هي دي مهمتهم.
( يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك.وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين اخيك.  لا تعطوا القدس للكلاب.ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير.لئلا تدوسها بارجلها وتلتفت فتمزقكم)
صوت حركة تاني .. المرة دي لازم أتأكد..لمحت الصور على ضوء الشمعة متعلقة على الحيطة..ده اللي فضل من عيلتي..
صور و براويز..حتى الذكريات احيانا بأحس ان التراب غطاها.
دخل (فؤاد) من الباب:
– أخيرا نام.
– مين؟.
– (أمين) , قعدت لحد ما اتأكدت بنفسي, مش ناقص أي كارثة تانية تحصل بسببه و بسبب فضوله. كفاية اللي حصل آخر مرة.
– انت لسة فاكر؟, حاول تعدي..انا و انت عارفين انها مش آخر مرة.
رد (فؤاد) و البسمة على وجهه:
– بس هنستريح لبعض الوقت.
– ههههههههههه.
سكتّ شويّه قبل ما أسأله و أنا بأبعد وجهي:
– تفتكر يا (فؤاد) إنها موجودة؟, في أمل نروحها؟.
– هي إيه دي يا (بيتر)؟.
– انت عارف, (بارادايس)
(بارادايس) هي المكان المغلق اللي عرفوا يحافظوا عليه قبل ما التراب و الرمل يغطيه تماما زي باقي أو معظم البلد, و ينقلوا فيه الناجيين, أو على الأقل قالوا لنا كده..لحد ما فوجئنا بالـ (ساك) بتقتلنا عشان الحكومة تغطي على جريمتها قدام الرأي العام العالمي.
عجزها عن نقل ناس من غير تكلفة, الطبقات اللي قدرت تدفع ثمن الانتقال لـ (باردايس) هي بس اللي فعلا اتنقلت بإتفاقات خاصة. الباقي عبء,تكلفة قتلهم ارخص بكتير من تكلفة نقلهم.
و عشان كده تم تأسيس (ساك) عشان تقوم بالمهمة دي.
جهاز بسيط من رتب قليلة و جنود سابقين له مهمة واحدة,..اقتل اي حاجة تشوفها لحد اخر واحد مننا.
– (بيتر) !.
سحبني من سرحاني صوت (فؤاد) بيناديني:
– تفتكر لو عرفنا نروح؟ هيوافقوا المقاومة؟.
– انت عارف ان مجرد سيرة الموضوع ده ممنوع هنا, مكاننا هنا يا (بيتر) مش في اي حتة تانية, و خصوصا مع الحيوانات اللي سابونا نموت زي الكلاب و راحوا بشركاتهم و فلوسهم التلال على (بارادايس) و في الاخر تقول لي أروح هناك؟, لو بإيدي أروح هناك عشان – بس – اولع فيهم و فيها.
(فؤاد) متعصب و مؤمن جدا بأفكار المقاومة مهما بلغت من الغرابة و العنف, نفسي نثبت ولو لمرة اننا مش مجرد حيوانات بنتباد لأنهم خايفين مننا.
– خلاص يا (فؤاد) ماتاخدش في بالك, اخبار الافراد ايه؟.
– البيت ده فيه 53 شخص تقريبا مؤونة الأكل محتاجة تتجاب المقر القريب ماحاولش يتصل بينا خايف ليكون حصل حاجة!.
– هنبعت مجموعة تستكشف قريب.
اتنهدت و انا بأرد:
– ياريت, مش هنبقى حمل مجاعة كمان!.
– ما تقلقش, اكيد هنتصرف, هأكلم (محمود) بكره و أكيد هياخد قرار سليم.
– ياريت.
– اسيبك عشان تنام, تصبح على خير.
– و انت من اهل الخير.
فتحت الكتاب و بدأت أكمل القراءة تاني..
( اسالوا تعطوا.اطلبوا تجدوا.اقرعوا يفتح لكم.  لان كل من يسال ياخذ.ومن يطلب يجد.ومن يقرع يفتح له.  ام اي انسان منكم اذا ساله ابنه خبزا يعطيه حجرا.  وان ساله سمكة يعطيه حية.  فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسالونه.  فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم ايضا بهم.لان هذا هو الناموس والانبياء)
***
تاني يوم صحيت على صوت ضرب نار, اكتشفت بعد كده انه كان 3 جنود من الـ (ساك) اكتشفوا مكان البيت بس خلصنا عليهم قبل ما يبلغوا حد بمكاننا..لكن ده مامنعش من إننا فضلنا في حالة إستنفار تام لمدة يومين و زودنا الحراسة عشان نتفادى أي هجوم متوقع.
المشكلة إني سمعت هيصة و صوت برّة, لما بصيت من شباك اوضة المبنى القديم اللي تحول من مجمع تجاري لمقر , لقيت جثث الـ3 جنود متعلقة من رجليها و بيرقص حواليها (محمود) و 7 من رجالته المقربين.
رجالة (محمود) هم الاكتر اخلاصا له في المقر و بيسمعوا كلامه من غير نقاش..و كلهم في نفس بنيته الجسدية القوية و في نفس عنفه و صرامته..ممكن أختصر و أقول انهم نسخ منه..
و كان (فؤاد) واحد منهم ..
كنت متضرر من المنظر,رغم انهم اوغاد و كانوا عايزين يقتلونا, بس برضه ماحبتش موضوع الرقص حوالين جثثهم..ده بيفكرني بقبائل وثنية قديمة و حاجات إيماني ضدها..ربنا ما يحبش كده أبدا.
صَحيْت (أمين) اللي كان نايم جنبي و أنا بأتابع الموضوع بهدوء..
– لو القيامة قامت كان ممكن تسيبني أخطف لي حلمين, غير كده مافيش حاجة في العالم تستحق انك تصحيني بدري عشانها,دوريتي بالليل يا (بيتر)!.
– إستنى بس تعالا شوف.
اتسلل جنبي و ضم وجهه لوجهي و احنا بنبص من الشباك في نفس الوقت اللي بدأ فيه المحتفلين اللي برّة يضربوا النار في الهوا.
بعد كده حصل موقف مش هأنساه ابدا..
نشن (محمود) و اللي معاه مدافعهم على رأس الـ3 جثث المتعلقة على العواميد..بدأ الدم يسيل على الأرض و اللي بينزل من رأسهم اللي معالمها اختفت.
(أمين) و هو بيقوم بعصبية:
– ماينفعش نسكت على اللي حصل ده أنا رايح!.
– إستنى يا (أمين) ماتجيبش المشاكل لنفسك ,(محمود) مش بيتهاون في الحاجات دي و ممكن يعتبرك عميل للـ(ساك) بسهولة.
– يعتبرني اللي عايزه انا مش هأفضل اتفرج هنا و هو عمال يحولنا لحيوانات واحد ورا التاني..لو كنت حابب أعمل كده كان ممكن اروح المعسكر التاني!.
– طب إستناني بس.
و جريْت وراه و هو بيخرج من الباب كانه إعصار ما انكرش حماسي بيه لكن القلق غطى على كل حاجة ممكن تحس بيها في اللحظة دي.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات