لم يكن إنزعاج المصريين من خبر الحريق الذى شب فى حديقة الحيوانات إنزعاجاً طارئاً من مجرد نار إلتهمت أشجاراً أو أقفاصاً أو خنقت حيوانات أو دمرت نباتات ، ولكنه من إلتهام و خنق تاريخ و  تدمير وموت تراث ، فكل شجرة و كل زهرة فى هذه الحديقة لها ذكرى و عليها بصمة تاريخ و عبق ماض .

حديقة حيوانات الجيزة ليست مجرد مخزن للحيوانات و مزرعة للنباتات لكنها منبع تراث وحديقة احلام ..

قديماً اطلق عليها لقب جوهرة التاج لحدائق الحيوان فى إفريقيا ، كونها كانت اكبر واعرق حديقة للحيوانات فى مصر و الشرق الاوسط ..

كانت حلماً تشكلت ملامحه فى عقل رجل عشق مصر و ارادها قطعة من اوروبا ، انه الخديو إسماعيل الذى أمر بإنشائها و كان يأمل ان يرى حلمه النور ليواكب حفل افتتاح قناة السويس عام 1869م ، لكن الوقت لم يسعفه و سكنت اعداد الطيور و الحيوانات التى جلبها تمهيداً لإنشاء الحديقة فى قصر الجزيرة وهو الان فندق الماريوت بالزمالك ، لحين إفتتاح الحديقة .

و فى عام 1889 م، اصدر الخديو توفيق ابن الخديو اسماعيل فرماناً بأقتطاع فداناً من حدائق والدته ( الوالدة باشا ) ناحية الاورمان و تحويلها لمخزن للحيوانات وهو الإسم الذى كان يطلق على حدائق الحيوانات عند إنشائها .

و تم افتتاح الحديقة عام 1891م ، وكان يسكنها اندر انواع النباتات والزهور المستوردة رائعة الجمال ..

و من يتأمل نقوش المعابد الفرعونية القديمة يدرك ان المصرى القديم كان اول من فكر فى إقتناء أندر الحيوانات و الطيور حيث كان الملوك يخرجون مع حاشيتهم لصيد الحيوانات و الطيور و يحتفظون بها فى قصورهم ، ولانهم برعوا فى فن التحنيط

زينت رؤؤس الطيور حوائط قصورهم فنكاد نسمع صفير النسور و زئير الاسود المحنطة يتردد صداها على جدران المعابد فى طيبة القديمة .

و فى عصر الحديث ، شهدت القاهرة أول عرض مكشوف للاسود فى عهد مؤسس مصر الحديثة محمد على باشا ، إذ كانت الاسود و السباع توضع فى حفرة كبيرة امام القلعة و كان مشهداً مثيراً يتجمع المواطنون لمشاهدتها و يلقون لها بقطع اللحم من اعلى الحفرة التى اطلق عليها ( مسبعة القلعة )

و من محمد على الجد لفاروق الحفيد ، تظل حديقة الحيوان فى بؤرة الاهتمام على مر الزمان ، ففى عام 1938 ، فى عهد الملك فاروق الاول تم إضافة ثمانية و ثلاثون فداناً لحديقة الحيوان إقتطعت من حديقة الاورمان القبلية ، و لحدائق بالجيزة خصوصية فريدة تتجاور فيها اشرس الحيوانات مع ارق الزهور و اندر  النباتات ، فى تناسق بديع .

و بالحديقة خمس جبلايات خلابة ، اشهرها الجبلاية الكبرى او جبلاية القلعة تسكنها تماثيل مختلفة للحيوانات المنقرضة مثل التماسيح النادرة ، تنساب بينها جداول المياة بخريرها الهادئ و يتدلى من سقفها شعاب المرجان الابيض و كأننا فى مغارة طبيبعية ، ومن معالم الحديقة ايضاً جبلان صناعيان يربطهما جسر معلق من الحديد صممه المهندس الفرنسى الشهير ( فرانسوا ايفل ) الذى صمم برج ايفل بباريس .

 وفى عام 1906 م ، تم انشاء متحف بحديقة حيوان الجيزة سكنت صالاته الثلاث نماذج من الطيور و الزواحف النادرة المحنطة اشهرها تمساح محنط يرجع تاريخه لقدماء المصريين منذ اكثر من خمسة الآف عام و حوت القت به الامواج الهادرة على شاطئ مدينة الاسكندرية منذ اكثر من الف عام ..

Tweet