هل ألقت الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها في مستنقع مالي?

09:36 مساءً الأربعاء 23 يناير 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

هل ألقت الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها في مستنقع مالي?

هل ستلقي لفرنسا بطوق النجاة بعد إنتهاء الحج إلي ميادين الحرب?

أم خل ستنتظر عقب إنتهاء ربيع الإسلام السياسي؟

الطوارق في صحراء مالي

دائما ما أنظر بإستغراب لبراعة بريطانيا في تطبيقها العملي الفريد للمنهج البراجماتي ربما قبل ظهور المصطلح نفسه ؛ و منذ إقرار ” الماجنا كارتا .. وثيقة العهد الأعظم ” و التي دخلت الأن قرنها الثامن فقد نجحت بريطانيا في الحفاظ علي الحد المعقول من القوة و التماسك و الإستفادة من الظروف المحيطة إلي أبعد الحدود بغض النظر عن موقعها بالتحديد ضمن القوى العظمى ؛ فسواء كانت “إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس” أو تقتسم الكعكة مع آخرين ؛ أو تلعب دور الذراع اليمنى و الجاسوس أيضا للسيد الأعظم الجديد المتفرد حاليا .. إلا أنها دائما ما تضمن موقعا آمنا مطمئنا يحفظ لها ماء و جهها مع مسحة من العظمة و الجلال الإمبراطوري الفلكلوري .. علي العكس تماما من فرنسا التي لا تريد الإقتناع أو الإعتراف أنها لم تعد قوة عظمى منذ أن إنتهكتها و هتكتها جيوش النازي في الحرب العالمية الثانية.. و للحق هي لم تصمد كالإتحاد السوفيتي ؛ أو تصمد و تتأمر كبريطانيا .. فقد كان الجنرال ” شارل ديجول ” متواريا في ” الجزائر” المحتلة آنذاك بقواته فيما تحكم فرنسا حكومة ” فيشي ” العميلة للنازي و ربما لولا هبوط الحلفاء في “نورماندي” و إنتصارهم لظلت فرنسا ترزح تحت نير النازي إلي اليوم ..

لكن فرنسا الطموحة المغرورة دائما ما تصر على خوض مغامرات عسكرية تنتهي غالبا بالفشل أو الكوارث على غرار ما حدث ” لنابليون بونابرت ” أو على الأقل إراقة ماء الوجه حتى أصبح التندر ” بالغباء الفرنسي ” في الدراما الأمريكية و الأوروبية فضلا عن الأمثال و المعايرة من الجيران كما حدث من الأتراك قريبا من نوافل القول .. إلا أن فرنسا لم ترعوي أو تكف أبدا عن التظاهر بأنها قوة عظمى من الدرجة الأولى على الرغم من إقتصادها المنهك و إنفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم الذي يعاني أعراض مرض القطب الواحد المنفرد ؛ و إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية بإعتبارها ” قوة عظمى سوبر” لحين إشعار آخر قد جثمت على صدر الكوكب مع حلفائها الغربيين و منهم فرنسا بالطبع ؛ مع قبول على مضض من القوى العظمى الأخرى و التي تأتي في المرتبة الثانية مثل روسيا أو الصين مقابل نصيب مرض من الكعكة الكونية ؛ إلا أن فرنسا لم تقبل أبدا مجرد فكرة أنها لم تعد قوة عظمى من الدرجة الأولى و أنها أصبحت في الدرجة الثانية المتأخرة ربما كانت أقرب إلى الدرجة الثالثة ؛ فضلا عن كونها لم تستوعب بما يكفي فكرة أحادية القطبية من هذه القوة العظمى الفائقة ” السوبر ” التي تتصرف بإستبداد و منطق شرير جشع .. على الجميع التعاطي معه كالدواء المر ؛ و نجم عن حالة عدم الإستيعاب الفرنسية و الأقرب إلى الغباء السياسي الإطاحة ب ” نيقولا ساركوزي ” الذي تصور أنه يمكنه الحصول على نصيب فرنسي من الغنيمة الليبية أكثر مما هو متفق عليه مع القطب الوحيد و الذي لا يتسامح في قواعد اللعبة الكونية التي يسمح فيها لحلفائه بوكالته في بعض المناطق ولكن بشروط صارمة و هذا حديث آخر ؛ و مع قدوم الإشتراكي “هولاند” يبدو أن فرنسا لم تستوعب الدروس الماضية جيدا فتعجلت الذهاب إلى ” مالي” لتساند نظامها ضد دولة الإسلاميين الطوارق في الشمال ؛ و يبدو أن حاجة فرنسا ” ليورانيوم ” مالي و مواردها الطبيعية بالقرب من نفط الجزائر قد أسال لعاب الفرنسيين ..

و على الرغم من الدعم الغربي النظري إلا أن هناك عدة أمور تسترعي الإنتباه ..

قوات العملية العسكرية الفرنسية شمال باماكو

أولها : أن فرنسا التي تساند جماعات الإرهاب الإسلامية في سورية و مواضع أخرى من العالم .. ذهبت لتقاتل ذات الإيديولوجية و نفس الجماعات في مالي ..

ثانيها : هل يكفي 2500 أو 2700 جندي فرنسي لقتال طويل الأمد في تلك الدولة الصحراوية الشاسعة لتنفيذ الخطط الفرنسية .. خاصة و إن فرنسا تمتلك رصيد كبيرا من الهزائم العسكرية في مواضع عدة منها مواضع مماثلة ؛ و هو ما يؤكد أن الحليف الأمريكي قد يظهر و يلقي طوق النجاة في الوقت المناسب و لكن مقابل نصيب مضاعف من الكعكة .. خاصة و أن الولايات المتحدة تكره كل من يقترب من كعكة الطاقة و المواد الأولية خاصة النفط و النظائر المشعة .
ثالثها : ما حدث في الجزائر من الجماعات الإرهابية مؤخرا يمكن تفسيره على أنه عقاب للسلطات الجزائرية على عدم تمشيها الكامل مع التحرك الغربي في مالي حيث أصرت الجزائر على عدم تورط قواتها في أي عمل عسكري مع إقتصار دورها على تقديم الدعم اللوجستي مع تسجيل تحفظاتها على ما يجري في المنطقة .. ؛ و بالطبع لا يمكن لكائن من كان أن يطرح تساؤلا ساذجا عن كيفية عقاب الجزائر ؟ خاصة و أن المشروع الإقليمي لجماعات الإسلام السياسي في المنطقة يحظى بدعم أمريكي غربي مباشر و كل تحرك لهذه الجماعات في إطار ذلك التعاون حتى لو قامت تلك الأطراف بالتمثيلية السخيفة المعهودة حول العداء فيما بينها ؛ و نحن نعيش بجدارة ” ربيع الإسلام السياسي” و ليس الربيع العربي المزعوم في التسمية الغربية تيمنا بتحركات جواسيسه في أوروبا الشرقية في أواخر ستينات القرن الماضي ؛ هذا الربيع الذي بدلا من أن يحج إمرائه من جماعات الإسلام السياسي الإرهابية إلى مكة و يستشهدون في القدس .. يحجون إلى ميادين الحرب في حواضر الإسلام و يعتمرون في نفس الميادين في بقية المدن .. بينما ينحرون الهدي من قرابينهم للطغاة الذين يعبدونهم من دون الله أمام قصر الإتحادية في مصر .
رابعها : أن حديث ” صموئيل هنتنجتون ” عن صدام الحضارات يقفز إلى أذهان العالم من جديد ما عدا العرب الذين تناسوا أن ” تمبكتو” العاصمة المالية أسسها العرب الأندلسيون و أنها دولة إسلامية ترتبط أشد الإرتباط بالحضارة العربية الإسلامية و المغرب العربي ؛ و أن الطوارق الممتدون حتى ” مالي” خرج من بين ظهرانيهم القادة الأمازيغ المسلمون الكبار ” طريف بن مالك ” فاتح ” الجزيرة الخضراء ” و ” طارق بن زياد ” فاتح الإندلس و الذي تسمت هذه الطائفة من الأمازيغ بإسمه ..
خامسها : بعد ماذكرت في النقطة الرابعة .. من المثير للفضول أن يتم تدمير قصر كان مملوكا للقذافي في وسط العاصمة ” تمبكتو” بحجة وجود مسلحين فيه .. ؛ أتوقع أن تغرق فرنسا في مستقنع مالي و تطلب مساعدة أمريكا التي ستلقي لها في الغالب طوق النجاة عبر الناتو .. ؛ فيما سيبقى العرب متفرجون و كل واحد منهم يردد ” و أنا مالي ” ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات