مظاهر الإحتفال بالسنة القمرية الجديدة في الصين

04:01 صباحًا الإثنين 28 يناير 2013
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تسمى آخر ليلة في الشهر الثاني عشر من السنة القمرية الصينية تشو شي. ويعني لفظ “تشو” توديع، ويعني “شي” ليلة في اللغة العربية. إذ تعني عبارة “تشو شي” توديع آخر ليلة في السنة الحالية واستقبال السنة الجديدة القادمة. وفي الصين، يسمى “تشو شي” ب”تشو يه” و”نيان يه”و “نيان سان شي” أيضا.

وتوجد في الصين عشية رأس السنة القمرية عادات وتقاليد شعبية كثيرة. ومنها عادة التنظيف التي لها لها تاريخ طويل. حيث يقوم الناس بتنظيف كامل داخل البيت وخارجه عدة الأيام قبل عشية رأس السنة الجديدة. وعندما يحل آخر يوم من السنة، يضاعف الناس جهودهم لإجراء تنظيف شامل بقصد نبذ البالي وامتصاص الجديد. ويرجع مصدر هذه العادة إلى حكاية قديمة حيث يحكي أنه كان تشوان شيو أحد الأباطرة الصينيين في العهود القديمة له ولد مٌخجل، نشيط في الأكل وكسول في العمل، وكان يلبس أزياء بالية وممزقة في الأيام العادية ويشرب حساء خفيفا جدا. وذات ليلة عند عشية رأس السنة الجديدة، كان جائعا وجمّده البرد حتى مات في ركن الغرفة. لذا، خلال آخر يوم من السنة القمرية، ينتهز الناس فرصة تنظيف شامل لإخراج الملابس البالية والممزقة وفضلات الطعام من البيوت ونبذها قبل حلول السنة الجديدة تعبيرا عن عزمهم عن منع الفقر من دخول بيوتهم.

وبعد التنظيف الشامل، يلصق الناس شعارات عيد الربيع على أبواب بيوتهم ويعلقون الفوانيس فوقها مما يهيئ مناظر العيد. وعندما تحل عشية رأس السنة الجديدة، يتناول عامة الناس عادة مشروبا يسمى توسو، وهو مصنوع من الخمر والماء. ويحكى أنه كان يسكن في كوخ يدعى توسو شخص غريب جدا، وكان يركز أعماله على جمع الأعشاب الطبية من الغابات. وكلما تحل عشية رأس السنة الجديدة، يهدي الدواء التقليدي الصيني الذي يركبه بنفسه إلى أهل قريته. وينصحهم بأن يشربه جميع أفراد أسرهم في أول يوم من السنة المقبلة من أجل إزالة الأمراض والكوارث. كما كان يطلعهم بلا تحفظ على وصفته الطبية، فيسمي أهل قريته هذا الدواء توسو. يا ترى ما هو دواء توسو؟ جاء في السجلات الطبية القديمة، إنه معدّ بجذور الراوند الصيني وجذر البراتيكودى وخمسة أنواع أخرى من العقاقير التقليدية الصينية قادرة على علاج بعض الأمراض والوقاية منها.

ويعتبر تناول الوجبة العائلية في عشية رأس السنة الجديدة عادة تتبعها جميع الأسر تقريبا. وفي هذا اليوم، يبادر كل أفراد الأسرة العاملين في مختلف الأماكن البعيدة والقريبة بالعودة الى بيوتهم ما دام لديهم وقت كاف. حيث يتم لم شمل أفراد كل الأسر، ويجلسون حول مائدة زاخرة بأفخم الأطعمة الشهية ويتناولون وجبة سنوية في جو مفعم بالوئام والتلاحم. 

وتختلف هذه الوجبة العائلية باختلاف مناطق الصين جنوبا وشمالا. ففي جنوبها، تشتمل هذه الوجبة على بضعة عشر طبقا عادة، ومن الضروري أن تتضمن جبن الصويا والسمك لأن ألفاظهما تشبه لفظ رغادة العيش في اللغة الصينية. أما في شمال الصين فمن الغالب تناول طعام الجياوتسي في هذه الوجبة العائلية. ويشارك في إعداده جميع أفراد الأسر حيث يلفّون اللحم المفروم اللذيذ في شرائح رقيقة مستديرة مصنوعة من عجين الدقيق. وبعد تحضيره، يسلقونه في الماء المغلي حتى يصبح ناضجا، ويبهرونه بالتوابل. ثم يجلس جميع أفراد الأسرة حول المائدة ويأكلونه في جو مفعم بالنشاط والحيوية، الأمر الذي يرمز إلى لم الشمل.

وفي عشية رأس السنة الجديدة، يجلب أصحاب العائلات أطفالهم الى بيوت أقربائهم وأصدقاءهم الأعزاء لتقديم الهدايا والمعايدة، ويسمى ذلك كوي سوي في اللغة الصينية بمعنى إهداء العمر. او يدعون الآخرين الى بيوتهم لتناول وجبة ليلية سنوية معا، ويسمى ذلك بي سوي في اللغة الصينية بمعنى توديع العمر القديم، وبعد الانتهاء من تناول الوجبة، يقوم الجميع يتبادلون التهانئ والشكر، ثم يتفرقون عائدين الى بيوتهم، ويسمى ذلك سان سوي. وفي بيوتهم، يجب على الصغار أن يحيوا الكبار، بينما يوصي الكبارها الصغار بنصائح، ويمنحون “عيدية” الى الأطفال والفتيان الذين لم يخرجوا الى المجتمع للعمل بعد، ويتبادلون بعضهم بعضا بالتهانئ، وسمى هذا تسي سوي بمعنى وداع العمر القديم أيضا. وفي هذه الليلة، لا يرغب أحد في النوم، بل يفضلون كل أفراد الأسرة إما مشاهدة البرامج التلفزيونية أو لعب الأوراق ( كوتشينة) مستمتعين بالسعادة العائلية حتى حلول فجر السنة القمرية الجديدة، ويسمى ذلك شوو سوي بمعنى انتظار العمر الجديد.

ويعتبر “شو سوي” نشاطا أكثر شيوعا في عشية رأس السنة الجديدة. وقد كتب الشاعر الصيني لو يو العائش في العهود القديمة في إحدى قصائده بعنوان (( شو سوي )) بيتين جميلين: “يتحمل الأطفال النعاس الثقيل، ويترقبون قدوم السنة الجديدة في ضجيج الليل. ” وخلال هذه الليلة، يبدو الأطفال أكثر الناس سرورا. حتى أن الأطفال الذين يشدد عليهم المراقبة أولياء أمرهم في الأوقات العادية لم يعودوا يتقيدون بشيء، بل يشاركون الكبار في إطالة السهر مسرورين حتى حلول فجر رأس السنة الجديدة في جو من الفرح والمرح بوداع السنة القديمة واستقبال السنة الجديدة.

2 Responses to مظاهر الإحتفال بالسنة القمرية الجديدة في الصين

  1. محب جميل رد

    28 يناير, 2013 at 3:44 م

    موضوع رائع, و إختيار الصور بطريقة فنية و جميلة :)نتمنى المزيد من الإبداع و الإنفتاح على الثقافات الآخرى و بالأخص الآسيويّة.

  2. Sara رد

    22 فبراير, 2013 at 4:10 م

    الموضوع افادني جدا جدا شكراً 🙂

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات