الأديبة اللبنانية غادة علي كلش تخوض غمار الألم

11:25 صباحًا الثلاثاء 12 فبراير 2013
غنى حليق

غنى حليق

كاتبة وصحفية من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت: غادة علي كلش، صحافية وأديبة لبنانية، تكتب بأسلوب خاص، تتعدد أشكاله بين النص والخاطرة. لها العديد من الاصدارات، و في كتابها الرابع ،آخر اصداراتها” عكس الريح ” الصادر بعد “مدارات الروح” ، و”عصافير القضبان”، و”مركزية الأنا”،  تواصل التعبير عن مشهديات الحياة ، وعن تأملات الذات ، بشفافية عالية, وبلغة جادّة وطيّعة في الوقت نفسه. إذ قدّمت فيه  العديد من النصوص الواقعية، وتبدو الحكمة هي المشهد الثابت والمتحرك في هذه النصوص. وقد اعتمدت الكاتبة على الكثير من مشاهد الحياة التي عاشتها وعايشتها في ظروف حياتية متنوعة،تبدأ من مشاهد الحياة العادية وتصل الى الى ذروة الألم الذي يواجهه الإنسان.

في حوارنا مع الكاتبة كلش، نرصد مسار تجربتها الادبية، إنطلاقاً من نتاجها الجديد الذي سيصدر قريباً .

– ما هو الشكل الأدبي لكتابك المنتظر؟

– لا يشبه كتابي الذي أعمل على نشره اليوم، كتبي السابقة. فهو سيكون خالياً من النصوص، ومكتفياً بالشذرات، أو بما يُعرف بعصارات الكلام. وفيه أحْدَث الخلاصات التي تضيء على جوانب عديدة من الوجود، والنفس، والواقع، والفكر، والتصوف، والعاطفة.

– هل من  نماذج يمكنك ذكرها لنا في هذا السياق؟

-أكيد، يمكنني إستحضار العبارات الآتية:الحياة دورة والموت دور./دمعة العين لحظة، ودمعة الروح زمن/ليس كل صيد غنيمة/أنا المَشَّاءَةُ على أرض الوجود، أمشي ولا أجرّ الدنيا خلفي./ • ثمّة قلوب من حرير، إذا تعرّضَت للكيّ الشديد إحترقت، وإذا تعرّضَت للبيع الزهيد إهترأت./ للأكباد في مصافيها أمانة…نحن لا نقرأ صكّها.

– كتابك الأخير ” عكس الريح” قارب ، في القسم الأول منه، تجربتك الذاتية  بنصوص جميلة ومؤثرة، مقتطفة  من واقع العائلة، لماذا لم تعمدي إلى توسيع هذا العمل ليكون رواية؟

– سؤالك في محلّه، وهو يلتقي مع آراء العديد من القرّاء الّذين لاموني على الإكتفاء بالمقتطعات دون السرد المطوّل. لم يكن هدفي من هذا الكتاب، تقديم سيرة ذاتية متكاملة العناصر، إنّما الهدف كان الإضاءة على مشاهد من هذه السيرة… لها في وجداني حفر الألم وزبدة الإختمار. ربّما يكون أسلوبي في الكتابة مختصراً في الكمّ والمضمون. السبب في ذلك يعود إلى شغفي في تأليف الخواطر أو الشذرات التي تتطلّب كلمات أقّل وأفكارا أكثر. وهذا ما حرصت عليه في القسم الأول من الكتاب الذي اندرج تحت عنوان”أيّام من العمر”.إنها أيام إقتطعتها من مراحل وأعوام عديدة مررنا بها في بيت العائلة، مرجعة صداها المسجون في ذاكرة الزمن.

– مع موت أفراد من عائلتك في حالات وأوقات حالكة، كان لك رؤية خاصة  مع مفهوم الموت.كيف تصفين علاقتك بالموت؟

-الموت بالنسبة لي مسألة فكرية ثابتة، ترتكز عندي على مسلّمات الإيمان واليقين بمرحلة الرجوع إلى البارئ عزّ وجلّ. وما حبّي للفكر واشتغالي في بعض كتاباتي على المنحى الفلسفي، إلا مرتكزا مني بغية تعزيز هذا الإيمان وصونه والإحتماء به من سذاجات النفس والحياة. ولي خواطر أقول فيها:” الحياة جمع للفكر والعمل، والموت طرح.”-“ليست ولادتي بداية العالم، وليس موتي نهايته، أبقى أنا هي المسألة.”-“لكي تبلغ مشارف المعرفة، لا تقل في ضميرك أنا موجود، بل قل لماذا أنا موجود؟ “الموت هو محطة اليقين الذي ينقلب عندها قطار الشك.

– ما علاقتك بالخيال ، حين تستحضرين في كتابتك الواقع؟

 إنّ الكتابة عن أحداث واقعية أليمة، باسلوب أدبي صادق وبسيط، لا تحتاج برأيي إلى توابل الخيال. خصوصا أنني كتبت عن موت  ثلاثة من أخوتي في عمر الشباب، وعن معاناتهم مع المرض. لا شك أنّ ثمّة من انتقدني لأنني لم أزوّد نصوصي المقتطعة من الواقع، بشحنات خيالية.. رغم أنني أتعاطى “الخيال” بقوة… لكنني لم أرد أن أكون كاتبة تستغّل المعاناة وآلام الأخرين لتبرز مقدرتها في استيلاد الخيال. الشحنات الخيالية لا مكان لها في بوتقة العذاب،ولا قيمة لها في حضرة الغياب.

– لاحظنا أنك وضعت في كتاب “عكس الريح” شذرة لكل نص كمفتتح له. هل هو شكل جديد تعمدتِ إنتهاجه؟

– نعم، هذه الفكرة راودتني كثيرا.. وهي أن أضع خاطرة تلائم معنى النص وإيحاءاته. فعلى سبيل المثال، عندما كتبت عن تجربة زواج والدي وموقف امي الناضج منه، وضعت خاطرة قلت فيها: “في النفس أودية متداخلة وجبل واحد.”

وعندما وصفت معاملة أمي لزوجة أبي الثانية بشكل طيّب، وضعت خاطرة قلت فيها:”حتى الغيوم السوداء تحمل المطر الأبيض.” وعندما كتبت عن موت اختي رندة إخترت الخاطرة التي أقول فيها:”العمر كالحلم..ما إن  تكتمل صوره، حتى يحين نومه.” أعتقد أن هذا الشكل، لاقى إستحسان القراء، ورفد النصوص بمعان مكملة لها، في البعديْن الإنساني والجمالي معاً.

– “أيام من الرؤية “هو عنوان القسم الثاني من الكتاب. وفيه ذهبت إلى الوجدانيات والخيال، ألم يشكّل هذا الإنتقال بالقارىء من جو إلى آخر، عاملا سلبياً لا يصب في مصلحة الكتاب؟

 -قد يكون كلامك صحيحا.ولكن ما الضير في تعدد أشكال أو أنواع الكتابة؟ الإنسان يعيش دائما في حالات التنوع والتعدد، ولا يعيش في نمط واحد. المسرح متعدد العناصر والسينما كذلك والرسم والموسيقى.لكل نص قارئه، ولكل كلمة مريدها. المهّم أن تصل الكلمة إلى القارىء بصدق، وإلا ستذهب سدى في غياهب النسيان.

– لك مبحث فكري نظري عن الذات البشرية، صدر في العام 2000 بعنوان: “مركزية الأنا” كيف تقوّمين هذه التجربة؟

-اعتقد أن هذا الكتيّب لم يأخذ مداه الرحب، في الساحة الثقافية العربية، وذلك يعود إلى كوني لا أجيد تسويق أعمالي، وإلى كون هذا المبحث يطرح تصوّراً مختلفاً عن كينونة الذات، وعن تحديد دور الأعضاء ومكانتها وسير أعمالها في الإنسان. لكنّ ذلك لن يجعلني أبتعد عن الكتابة الفكرية الصرفة، فأمامي مشروع  لوضع كتاب عن الزمن والحضارة  من خلال رصد خط علاقة الإنسان بهما.وبالتاكيد إن هذا البحث النظري سيتطلب مني وقتاً لا أستطيع تحديده. خصوصاً أنني أنثى، والمرأة بشكل عام لا تجد الوقت المتاح لها، بسبب إنشغالها في أمور البيت ولوازمه المتعددة.

– أنت صحافية أيضاً وتنتجين في الحقل الثقافي، لماذا لا ترتادين المقاهي التي يستكين إليها الأدباء في بيروت، لماذا هذه العزلة؟

-لم أتعمّد البقاء في الظل. بل أميل إلى الإنزواء الإجتماعي بعض الشيء، ولا أحرّك ساكنا في التواصل مع تيارات الحياة في دنيا الأدب. أعمل بضمير في الكتابة عن أعمال الأدباء والشعراء، ولا أطلب من أحد الإضاءة على كتبي.لا أحب تطبيق قاعدة  العطاء من أجل الأخذ بل من أجل الإنتاج وتحديد القيمة المعرفية في الثقافة. حتى لو كانت النتيجة في غير صالحي المتمثّل في شيوع كتاباتي أو في ذيوع إسمي.أنا أحب الوحدة، وأرتاح فيها منذ الصغر، إلا أنني أتواصل مع الأصدقاء ومع الناس بمودة وطيبة.

– هل الكتابة بالنسبة لك فعل حرية؟

-بالتأكيد الكتابة فعل حرية.. وهي حرية لا تتعارض مع إيماني، بل تستند إليه ضمن الشرع. ورغم انني اتناول في كتاباتي قضايا الفكر والموت والأسى والعذاب، الا ان عامل الحرية يتسع في دائرة ظلي وفي محيط عيشي وتفكيري. تعطيني الكتابة الكثير من المعنى الذي يساهم في بناء الخط المستقيم في حياتي، فاسير عليه بانتظام، وأصل الى غايات مريحة. اعتقد ان الكتابة هي ايضاً عامل نجاة، فمن خلال الكتابة نجوت من الوقوع في فقاعات الحياة، ولولا الكتابة لما استطعت افراغ شحنات القلق الهائلة التي تحاصر كياني.

– كيف تقرئين حال الكاتب اللبناني, بشكل عام؟

 للأسف, يعاني الكاتب اللبناني من أزمة مستقبل مهني واجتماعي، في ظل انعدام وجود اتحاد للكتاب اللبنانيين، متماسك البنيان، وافِر القوانين الصحية والاجتماعية. لكي يؤمن للكتّاب والشعراء راحة مادية وصحية في أواخر أعمارهم. فالصراع الذي قوّض أركان هذا الاتحاد منذ ثلاثة عقود، لا يزال مستمراً، ولا ندري ما ستؤول إليه الأمور في الغد المنظور، طالما أن الفوضى هي الغالبة, في هذا المضمار, وطالما أن الحياة الثقافية في لبنان, تغلبها “المحاصصة” هي أيضاً.

حتى على صعيد الصحافة والإعلام، يعاني الكاتب الذي يمتهن الكتابة والعمل في الصحف والمحطات التلفزيونية، من أزمة مستقبل، في ظل الأزمات الاقتصادية القوية التي طاولت وتطاول مؤسسات إعلامية محلية كثيرة، والتي تهدد العاملين فيها بتوقف مصدر رزقهم..

إنه واقع مؤسف بشكل مضاعف. خصوصاً وأن الكاتب والإعلامي اللبناني يتميزان بالمواصفات المهنية والفكرية والفنية اللامعة، ومن المعيب أن تهجر رؤوس الأموال ساحة الفكر والصحافة في لبنان, ولا سيما إذا كانت هذه الساحة قوية الحضور، كثيرة العطاء وواسعة الشهرة. وقد ذكرت هذه النقطة في حوارات سابقة معي، وأكرر ذكرها، نظراً لخطورتها وأهميتها.

2 Responses to الأديبة اللبنانية غادة علي كلش تخوض غمار الألم

  1. طالب الشيخ رد

    15 فبراير, 2013 at 2:00 م

    بالتوفيق والنجاح الدائم انشاء الله استاذة غادة ..وشكرا لهذا اللقاء..الذي عرفنا عليك أكثر وزاد في اعجابنا ومحبتنا لك ..

  2. وردة رد

    15 فبراير, 2013 at 10:00 م

    ليس من عادتي التعقيب على مثل هكذا حوارات .. ففي اغلب الاوقات امر .. اقرأ .. أستفيد و اكتفي بذلك .. لكنك يا غادة ، كلما سنحت لي السانحة و التقيت كلماتك، كلما كان ذلك دافعا لي للتعليق و التعبير بكل صدق عن إعجابي و احترامي الشديدين لفكرك العميق و قلمك الراقي .. شكرا لحضورك بيننا يا مبدعة و ننتظر بكل شغف جديدك سيدتي …
    معجبة بحرفك من الجزائر

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات