الأماكن.. مرة مستعادة

06:02 مساءً الأحد 17 فبراير 2013
محمد سيف الرحبي

محمد سيف الرحبي

كاتب وصحفي من سلطنة عُمان، يكتب القصة والرواية، له مقال يومي في جريدة الشبيبة العمانية بعنوان (تشاؤل*، مسئول شئون دول مجلس التعاون في (آسيا إن) العربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ثمة أماكن تستوطن روحك.. ترتبط بها كأنها جنة القلب.. ينبض بعشق لا تفهمه كلما رأيتها أو زارتها الذاكرة من بعيد.
تكون أجمل عندما تتعتق في قعر روحك آتية من زمن بعيد.. الطفولة تجملها، ومرور السنوات أكثر فأكثر يرتقي بحضورها إلى سماوات روحك.

تكتب عنها مرة بعد مرة، تعتصر رحيقها بتكرار استدعائها حبر الحروف، لا تمل من تذكرها، وتكرار كتابتها بحبر من حنين.
في حياة كل منا أماكن وأماكن.. فيها الذي أرهقنا بملل نشعر بواجب التخلص من تكرار صوره أمام أعيننا.. تشابه مرور الأيام فيه.. اليوم يشبه سابقه ولاحقه.
أماكن تبدو عصية على الحب والبقاء فيها، لكننا لا ندرك أثرها على أرواحنا إلا حين نفقدها.. حينها يلح علينا حنين إليها، قد تكون أماكن الطفولة الأولى.. الحب الأول، الاندهاش الأول.

أحيانا تتجمل الأماكن بالبشر الذين يشاركوننا خطوات الأيام. كلما بعدت زاد طعم الحنين على شفاهنا فتتذكر، نمعن في رؤية النور المنبعث من ثنايا الماضي.. القديم.. الذي لن يتكرر مرة أخرى.
كأنها حالة الفقدان ما يدفعنا للشوق أكثر.. وينبري الحنين نارا قد تلسع حرارتها الروح لكنها كفعلها في الذهب تجلي الأرواح فتبدو ماضية ترتقي مدارج الجمال وجبال التجلي.

هي المدن التي تهبط على هضبات القلب فور أن تهبط إليها، تكتشفها كأنها أنثى تعرفها للتو، وتعشقها من أول خطوة، وتبهرك من أول نظرة.
أماكن للحنين الذي يريح الروح..
أماكن للوجع الذي يقلب مواجع القلب..
أماكن للتذكر.. تحفها عناية الروح في كل حين..

أخرى معدّة فقط للنسيان. تغسل أثرها ما أمكنك ذلك.. لا تريد الاحتفاظ بذرة ما تلتصق بذاكرتك، تحفز روحك على التنكر لها.
أماكن تفتقدها سريعا، أخرى تورق على ساقية كل شريان، هنا التقينا بمن نحب.. هناك فارقنا آخرين.

كل مكان يكتب ذكراه بطريقته.. فارق بين مكان يحفر اثره على جدار القلب. واخر يكتبه على رمل ناعم. تكنسه ريح تمر على تلال الصحراء.. او تمحوه موجة يرسلها بحر غاضب.

في مقابل ذلك.. ثمة أماكن خاملة.. لا تلامس جدار القلب مهما سعيت لإيجاد علاقة بها.. لا تحبها، لا تكرهها، لا تتذكرها، مرورها عابر، كأنك لم ترها عيناك، وإن عشت فيها زمنا، أماكن باردة، جاهزة لتغييبها فورا، حتى النسيان لا تستحقه، هي فاقدة لكل أدوات التعاطي مع روحك، لم تلامس حتى غشاء جلدك.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات