الشمعة الخامسة والثمانون للسينما المصرية

11:59 مساءً السبت 3 نوفمبر 2012
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تشير كافة الدلائل أن فيلم “ليلى” الذى أنتجته عزيزة أمير عام 1927 هو الفيلم الأول فى تاريخ السينما المصرية. وأن المنافسة بين هذا الفيلم وأفلام أخرى من ناحية العرض الأول تتمثل فى فيلم واحد فقط هو “قبلة فى الصحراء” الذى أنتجه وأخرجه إبراهيم لاما.

وكل ما لدينا من مراجع ووثائق مكتوبة عن الفيلم والسينما المصرية بشكل عام تؤكد هذه الأسبقية، باعتبار أن المؤرخين دائماً ما يقومون بتحية أوائل الأشياء، مهما كانت قيمتها.

وفى كتاب “تاريخ السينما فى مصر” الذى كتبه أحمد الحضرى ونشره نادى سينما القاهرة عام 1989، فإن المؤرخ طلع علينا بأن الفيلم الأول فى تاريخ السينما المصرية كان هو “فى بلاد توت عنخ آمون”. وقد تحمس الأستاذ الحضرى لهذا الاكتشاف، وراح يدعمه بقوة شديدة، لدرجة أننا صدقنا هذه المقولة للثقة الشديدة فى جدية الباحث، وقمنا بوضع الفيلم المذكور فى الصدارة فى الموسوعات التى أعددناها حول الأفلام المصرية. ومنها “موسوعة الأفلام العربية” عام 1994، ثم “دليل الفيلم العربى فى القرن العشرين” الصادر عن دار مدبولى مع مطلع عام 2002.

ولكن بمراجعة ما كتبته الصحف فى العشرينات. وما جاء فى الكراسات الدعائية للأفلام فى السنوات الأولى، ثم ما استعان به الباحث نفسه من مراجع، أكدت جميعاً أن فيلم “فى بلاد توت عنخ آمون” ليس أكثر من فيلم أجنبى تم تصويره فى مصر وتمت الاستعانة بسينمائيين مصريين للعمل فى الفيلم أسوة بالعديد من الأفلام الأجنبية العديدة التى تم تصويرها فى مصر على مدى أكثر من خمسة وسبعين عاماً.

وسوف نفرد بعض الردود التى تؤكد وجهة نظرنا فى فصول أخرى من هذه الدراسة، لكننا سنتوقف هنا عند بعض ما وجدناه فى الكتاب المذكور. والتى رأى الأستاذ الحضرى أنها أسباب إيجابية تؤكد وجهة نظره. ونراها نحن اثبات لوجهة نظرنا.

فالسؤال المطروح هو هل كانت هناك مؤامرة من أجل عملية تعتيم ضد هذا الفيلم. ولمصلحة من هذا التعتيم، وحسب التواريخ بأن هناك قرابة ثلاث سنوات بين الفيلمين؟

لمن كانت المصلحة فى التعتيم، أعتقد أنه لا توجد مؤامرة، وأن الفيلم ليس أكثر من فيلم بريطانى ينتمى إلى السينما البريطانية، رغم أن مخرجه إيطالى الجنسية أقام فى مصر بضع سنوات، وليس له تجارب سينمائية أخرى لا داخل القطر أو خارجه، أسوة بالعشرات الأفلام التى أنتجتها فرنسا فى المغرب العربى فى نفس السنوات وأطلق عليها النقاد أنها أفلام استعمارية. ولم يجرؤ واحد بالمرة إلى القول أنها أفلام مغاربية.

ففى الصفحة 170 من الكتاب استعان المؤرخ بما جاء فى مجلة “الصور المتحركة” فى 26 يوليو عام 1923 تحت عنوان “فى بلاد توت عنخ آمون.. أول شريط عن مصر”.

وهناك فرق كبير أن نقول إننا أمام أول فيلم عن مصر، وبين أننا أول فيلم مصرى. كما أن كل ما استعان به الحضرى مما كتب عن الفيلم يؤكد أن فيكتور روستى، حتى وإن كان قد عاش فى القاهرة فهو لم يقدم فيلماً مصرياً، وكل ما لدينا أنه أول فيلم عن مصر. أو يصور فى مصر، وهناك بالطبع فارق فى أن نقول فيلماً مصرياً مثلما جاء الوصف بالنسبة لفيلم “ليلى”.

وما جاء حول الفيلم فى جريدة الأهرام فى 13 يوليو من نفس العام، يعنى أننا أمام فيلم عن مصر، وليس فيلماً مصرياً وبالجملة فإننا نثق “ان نشر هذه الرواية فى البلاد الأجنبية يعود بالفوائد الجمة على مصر والمصريين لأنها ستظهرهم على حقيقتهم لا كما يظهرهم بعض المغرضين فى أوروبا وأمريكا”.

مثل هذا النوع من الكتابة يوجه إلى الأفلام الأجنبية التى يتم تصويرها عن مصر. حيث هناك حساسية خاصة فى إظهار مصر بصورة سلبية دماً فى الأفلام الأجنبية، كما أن مسألة عرض أفلام مصرية لم تطرح قط حول الأفلام التى أنتجت طوال السنوات العشر الأولى فى تاريخ هذه السينما، سواء كان الذين أخرجوها من مصريين أو أجانب، لكنها كانت فى الغالب تجارب متواضعة، حتى وإن تم تصويرها فى باريس ومنها أفلام مثل “أولاد الذوات”، و”ياقوت”.

كما أننا لم نر صورة واحدة للفيلم ونعرف تماماً أن كافة من كتبوا عن السينما لم يذكروا هذا الفيلم الذى هو أشبه بأفلام أنتجتها شركة كوبرا فى الستينات حول الأوروبين الذين يأتون لعمل أفلام عن مصر، والغريب أن هذه الأفلام التى شاركت فيها أموال مصرية وفنانين من مصر قد سجلت دوماً على أنها أفلام غير مصرية، ويمكن مراجعة ما كتب باللغة الفرنسية فى الكتاب السنوى الذى كان يصدره فى الستينات المركز الكاثوليكى للسينما من تحرير فريد المزاوى الذى اعتبر أن أفلام من طراز “كريم بن الشيخ” غير مصرية”.

الآن، فإننى أعتبر أن “ليلى” هو بالفعل الفيلم “المصرى” الأول فى السينما المصرية. وهو عمل اكتملت له كافة أسباب أن يحمل الهوية المصرية، وقد قرأنا عشرات المقالات التى تثبت أولوية السباق بين فيلمين هما “قبلة فى الصحراء” و”ليلى”، حيث قيل إن فيلم إبراهيم لاما قد عرض أولاً، ولكن “ليلى” اعتبر الأول لأن منتجته مصرية، لكن أحداً من الذين أرخوا للسينما المصرية لم ينسب فيلم “فى بلاد توت عنخ آمون” ضمن هذه المنافسة ومنهم الهامى حسن، ومنير محمد إبراهيم، وهما أكثر المعاصرين لنا اهتماماً بالسينما فى تلك الحقبة.

وفيلم “ليلى” ظل دوماً مثار جدل حول انتاجه وتأليفه، واخراجه. فقد جاء فى بيانات حول الفيلم أن القصة من تأليف عدة أشخاص اعتماداً على ما بدأه وداد عرفى تحت اسم “نداء الله”. أما الاخراج فينسب إلى استيفان روستى، بعد أن سحبت عزيزة أمير الفيلم من وداد عرفى عقب أن أخرج بعضاً منه وتركت روستى يكمل الفيلم بعد أن تم حذف بعض مما أخرجه وداد عرفى، ثم حدث خلاف ثانى مع استيفان روستى فقامت بنفسها بتكملة القسم الثالث من الفيلم.

كما أن نفس المتاعب تمت بالنسبة للتصوير، حيث ذكر فى مراجع عديدة أن حسن الهلباوى  قام بتصوير الفيلم فى مراحله الأولى، ومن المرجح أنها المرحلة التى أخرجها وداد عرفى، ثم قام توليو كيارينى باخراج القسم الثانى الذى ينسب إلى استيفان روستى، وعزيزة أمير معاً. ولكننا سنرى أن ضارباً ملحوظاً فى هذه المعلومة وأن كيارينى وحده هو صاحب تصوير الفيلم كله.

أما عن التمثيل فقد جاء كالتالى:

عزيزة أمير (ليلى)

وداد عرفى (الشيخ أحمد)

استيفان روستى (رؤوف بك)

أحمد جلال (سالم)

بمبة كشر (سلمى)

محمود جبر (شيخ القبيلة)

مارى منصور (الممرضة)

حسين فوزى (الكاباليرو دى فرناندس)

أليس لازال (البرازيلية)

أحمد الشريعى (الطبيب)

والفيلم عرض لأول مرة فى يوم الأربعاء 16 نوفمبر عام 1927 بسينما متروبول بالقاهرة، ثم عرض فى الجمعة 10 فبراير 1928 فى سينما محمد على بالاسكندرية.

وقد جاء فى تعليق أحد الباحثين الذى سننقله بعد هذه السطور أنه يتضح من الملخص أن فيلم “ليلى” احتفظ بدومر البدوى أحمد الذى قام بتمثيله وداد عرفى فى فيلم “نداء الله” قبل نشقاقه عن عزيزة أمير، بحيث أنها استبعدت اسم وداد عرفى من الاخراج ومن قائمة ممثلى الفيلم تماماً ووضعت اسم زوجها أحمد الشريعى. الذى قام بدور صغير هو دور الطبيب، بعد اسمها مباشرة.

أما الملخص فيروى أن ليلى تعيش فى قرية بالقرب من سقارة، فى رعاية شيخ القرية بعد أن مات أبوها، وتحب ليلى أحمد البدوى بينما لا تعبأ برؤوف بك الثرى فى محاولاته للتقرب منها.

“ويوجد بالقرب من القرية فندق صغير، يتردد عليه أحمد ليعمل دليلاً للسائحين. وينزل بالفندق عالم الآثار البرازيلى فرناندس وابن أخيه.

“وتتعرض ليلى لمضايقات سالم الشرير، ولكن أحمد ينقذها من بين يديه، وتعجب الحسناء البرازيلية بأحمد ولكنه يتقدم لخطبة ليلى فتطمئن إليه وتختلى به. حتى ينال منها ما يشتهى”.

“وتلاحق الحسناء البرازيلية أحمد ويرافقها فى جولاتها فى أحياء القاهرة، حتى تقنعه بأن يهرب معها إلى البرازيل تاركاً وراءه ليلى فى سقارة، وبين أحشائها ثمرة حبها، تبوح به للبدوية سلمى، وينشر سالم الخبر على رجال القرية انتقاماً لتمنعها عليه، وتلجأ ليلى إلى سلمى البدوية، حت تخطط للهرب بعيداً عن القرية، وأثناء هروبها فىالفجر تصطدم بها سيارة رؤوف بك ويطلب منها الزواج فتقبل، وتضع له فتاة اسمها بثينة، ويعيشون معاً عيشة سعيدة”.

وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين للفيلم، صدر عدد خاص من مجلة لم نستطع التعرف عليها للآن الهاوى الذى كان يجمع الدفاتر الدعائية للأفلام أو ما كتب عن السينما لم يكن يهتم كثيراً بتأريخ المجلات وتواريخها، لكن الوثيقة التى بين أيدينا بالغة الأهمية حيث جاء على لسان المحرر:

“يعرف قراءة هذه المجلة ولا شك وداد بك عرفى أحد واضعى السينما المصرية” وقد قدم وداد بك إلى مصر لأول مرة فى عام 1925، فكان أول مخرج للأفلام المصرية. وعلى يديه تم اخراج أول فيلم مثلته على الشاشة عزيزة أمير، وفاطمة رشدى ومارى كوينى والمرحوم أحمد جلال وبشارة واكيم.. وإليه يرجع الفضل فى انتاج أفلام “السلطان عبدالحميد” ، و”الفاجعة” و”ابراهيم باشا” و”الفاتح” و”بيزنطة” و”مدينة الدم” و”القيصر” و”حرب روما” و”الكوكايين” و”الجحيم”.

“حت إذا كانت سنة 1929 استقبل الجمهور فيلمه الجديد “ايفان الهائل” أروع استقبال، وهو الفيلم الذى كان قد مثل قصته على مسرح الأوبرا يوسف بك وهبى وفرقته.

“ويقين وداد عرفى اليوم فى تركيا مشتغلاً باخراج الأفلام التركية. وقدم فى هاتين السنتين رقماً قياسياً باخراج عشرة أفلام ووضع تسع سيناريوهات، فضلاً عن تمثيل أدوار البطولة – كما كان يفعل فى مصر – فى خمسة منها.

“وانه ليسرنا أن ننشر هذا المقال الذى أتحفنا به وداد بك الذى لم ينسه – بعد الشقة وطول العهد – حب مصر.

ومن الملاحظ أن هناك لغطاً فى المعلومات حيث ذكر المحرر أسماء مسرحيات على أنها أفلام. وهذا هو المقال المنشور:

“فى عام 1925 غادرت باريس إلى مصر ممثلاً لشركة مركوس وستيجر الفرنسية. قد تفضل معالى محمود فخرى باشا الوزير المفوض لجلالة الملك فؤاد فى باريس بتحميل كتاب توصية ذكر فيه استعدادى لاخراج أفلام تاريخية عن مصر، منها “حب الأمير” و”عايدة” فسلمت هذا الكتاب إلى معالى سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء. فكان أن قابلنى زيوار باشا فى نادى محمد على وتحدثنا زهاء ساعتين عن اخراج أفلام تستمد حوادثها من التاريخ المصرى.. كما أظهر أحمد حسنين بك اهتمامه البالغ بهذه المشروعات. وأنا لا أنسى العناية التى أبداها اسماعيل بك شيرين والتسهيلات التى بذلها فؤاد بك شيرين وهو من محبى الفنون.. ولكن عقبات كثيرة حالت – للأسف – دون نجاح مشروع الشركة الفرنسية لأن فيلم “حب الأمير” تدور حوادثه حول حياة الكريم الرسول الكريم.

“الأمر الذى نجم عنه إشكال قضائى مع من أبرمت بيننا وبينهم عقود العمل، وحكم فيه ضد الشركة. فعدت إلى باريس. ولكننى لم ألبث أن تلقيت دعوة للعودة إلى القاهرة حيث كان فى انتظارى فريق من الممولين المصريين والأجانب لإعداد مشرومع لصناعة السينما المصرية”.

وكما نلاحظ فإنه لو أن فيلم “توت عنخ آمون” ضمن المشروع المصرى لذكر وداد عرفى ذلك كمحاولة للنيل مما فعلته به عزيزة أمير حين استبعدته عن الفيلم بحجة أنه لا يفهم فى الاخراج السينمائى، والآن نستكمل ما كتبه وداد عرفى بعد سنوات عديدة من ظهور فيلم “ليلى”:

“وفى هذه الأثناء زارنى شاب عراقى اسمه جوزيف ساسون (من الواضح أنه يهودى كما يبدو من الاسم) وأبلغنى رغبة ممثلة مصرية فى التعرف على والتحدث معى، وكانت هذه الممثلة هى السيدة عزيزة أمير، وفى فيلتها بقصر النيل عقدت بيننا أواصر الحديث، وكانت أمنيتها الكبرى أن تنتج أول فيلم مصرى، وبعد أخذ ورد داما ثمانية وأربعين ساعة تم الاتفاق وجعلنا اسمه “دعوة الله” وقام بتمثيل أهم الأدوار عزيزة أمير وأحمد جلال وأليس اليعازر (كانت حينئذ من فنانات مقهى الباريزانا) وأنا. وقام بالتصوير توليو كيارينى الذى كان يعمل أيام السينما الصامتة مع الممثلة بينا مينيكيلى.

“وهكذا ولد أول فيلم مصرى، فقامت له الدنيا وقعدت، واهتمت به الصحف، وكانت حفلة عرضه فى سينما متروبول من الحوادث الفذة وكان نجاحه شاملاً كاملاً.

“وفى نفس الوقت كانت محاولة مماثلة لمحاولتنا تتم فى الاسكندرية على يدى الأخوين بدر وإبراهيم لاما فلاقا فيلمهما نجاحاً محدوداً.

“وبعد بضعة أيام اتصلت بى الممثلة الذائعة الصيت فاطمة رشدى وأطلعتنى على مشروع لانشاء شركة سينمائية كانت لى معرفة سابقة بها لأنها مثلت على مسرحها روايات من تأليفى أذكر منها السلطان عبدالحميد”.

وللأسف فإن بقية المقال لم نستطع العثور عليها، لكن الجزء الذى يهمنا هو أن وداد عرفى ذكر أن تجربتا فيلم “ليلى” و”قبلة فى الصحراء” قد تمتا فى نفس الوقت وأنهما أولى التجارب فى السينما المصرية، إلا أن وداد عرفى لم يذكر الخلافات التى تمت بينه وبين عزيزة أمير، وبدا كأنه يذكر الفيلم بعنوان مقارب لعنوانه وهو “دعوة الله” وليس “نداء الله” رغم أنه يعرف أن الفيلم قد عرض باسم البطلة، وحسب ما نشرت مجلة الموعد حول سيرة حياة عزيزة أمير أن أول فيلم صور فى مصر، ولا نقول (مصرياً) بدافع من الدقة كان فيلم “قبلة فى الصحراء” الذى أنتجه الأخوان لاما وأخرجه أحدهما ابراهيم، وقام ببطولته ثانيهما، وقد عرض فى الخامس من مايو عام 1927″.

“وبعد ستة شهور من عرض الفيلم الأول، وفى السادس عشر من نوفمبر قدمت الشاشة المصرية الفيلم الروائى الثانى، فيلم “ليلى” الذى أنتجته ومثلت الدور الأول فيه عزيزة أمير فبدأ اخراجه الفنان التركى وداد عرفى ثم أكمله استيفان روستى.

“واحتار الذين أرخو للفترة الأولى من مولد السينما المصرية. فأى من الفيلمين يعتبر المولود البكر للسينمان هل هو الذى سبق فى رؤية النور، أم ذلك الذى ولد من أم مصرية خاصة وأن الفيلم الثانى سبق الأول فى تاريخ الانتاج والتصوير، ولكنه تعثر فى التشطيب ، بسبب الخلافات بين البطلة والمخرج الأول.

صورة

“والصورة التى حسمت الموقف جاءت فى قلب الافتاء بطريقة حاسمة (ليلى)هوالفيلم المصرى الأول.

“واستند الحكم الفنى إلى أن الأخوين لاما كان وافدين على مصر من بلاد الاغتراب، فى حين أن عزيزة أمير هى مصرية لحماً ودماً، عزيزة أعطت الفيلم الثانى الجنسية فأصبح بحكم الهوية هو الأول”.

ورغم الاعتزاز بالمصرية فإن منطق النقاد دوماً متقلب، فقد اعترف بعضهم بأن فيلم “فى بلاد توت عنخ آمون” هو الأول، رغم أنه خارج الدائرة، ولا أعتقد أن ثلاثة أعوام ونصف يمكن أن تكون فترة طويلة بحيث ننسى بسرعة أنه قد تمت صناعة فيلم مصرى قبل ذلك، هذا إذا كان مصرياً، ونحن نشك فى ذلك. كما سنبين فى الفصول القادمة من هذه الدراسة. كما هؤلاء النقاد أعطوا فى دراستهم شهادة ميلاد أى فيلم من تاريخ عرض، ثم راح البعض الآخر ولأغراض خاصة باقامة مهرجان الأفلام الروائية باعطاء شهادة ميلاد فيلم من خلال تاريخ خروجه من المعامل حتى وان كان تليفزيونياً، أو ظل مركوناً فى العلب دون عرض لسنوات عديدة.

وتقول نفس الحلقات التى نشرتها مجلة الموعد أن وداد عرفى خدع عزيزة أمير وقدم لها أوراقاً عن الشهادات الألمانية التى حصل عليها فى السينما من ألمانيا:

“كان العمل يتم بلا سيناريو اكتفاء بالقصة كما هى فى خيال المخرج، وكما رواها باختصار للبطلة، وكانت القافلة تخرج إلى الصحراء، فيتجول وداد فى المنطقة على صهوة حصانه، وكان يجيد ركوب الخيل فإذا ما عثر على الموقع الذى يراه مناسباً عاد أدراجه مسرعاً ويقول لمصور الفيلم كيارينى، وهو من أصل ايطالى”.

ضع الكاميرا هنا..

وحسب نفس المصدر فإن الخلافات بدأت عندما لاحظت عزيزة أمير أن العمل فى الفيلم يسير ببطء شديد واكتشفت بذكائها أن وداد عرفى يتراخى من أجل الاستفادة من الاقامة والطعام المجانيين. “وبعد عشرة شهور من العمل الشاق لم يتعد مجموع ما تم تصويره على أحداث لا تكفى نصف ساعة من العرض وكانت أغلب المشاهد للبطل.. البطل الذى يكتفى بأن ينطلق بملابس البدو فى الصحراء.

“وبدأت الخلافات تدب بين البطلة بسبب البطء والارتجال، وأيضاً بسبب اللوحات التى طلب من الخطاط أن يعدها للفيلم، فقد طلب المخرج من الخطاط أن يكتب العبارات التوضيحية للمشاهد الصامتة، أن يكتب قبل ظهوره على صهوة جواده: “وجاء الفتى العربى الوسيم”.

وثارت ثائرة المنتجة الممثلة وطلبت ايقاف العمل فى الفيلم. من أجل اعادة النظر، ثم عرضت ما تم تصويره على بعض أصدقائها من النقاد، فإذا بهم جميعاً يكتشفون أن الفيلم مهزلة. فمشاهده جاءت متنافرة، لا رابطة تجمع بينها، وتطوع الصحفى القديم أحمد جلال، المحرر بمجلة الفكاهة القديمة فى ذلك الوقت وكان يمثل أحد أدوار الفيلم فاتفق على اعادة كتابة الفيلم بطريقة تسمح باستغلال بعض المشاهد التى تم تصويرها.

وفى مجلة “الموعد” نجد عنواناً ثالثاً مختلفاً للفيلم حيث تقول:

“وغير أحمد جلال عنوان الفيلم من “يد الله” إلى “ليلى” وهو نفس اسم بطلة الفيلم، واستبدل وداد عرفى بالفنان استيفان روستى، وأعيد المصور الأصلى توليو كيارينى إلى موقعه خلف الكاميرا، وبدأ العمل فى الفيلم مرة ثانية بجهد أكبر وجدية.

“وهدد وداد عرفى باللجوء إلى القضاء فسددت له عزيزة أمير باقى أجره البالغ مائة وخمسين جنيهاً عن الفيلم اخراجاً وتمثيلا.

“واكتشفت عزيزة أمير أن وداد عرفى لم تكن له أى علاقة بالاخراج، وأن الشهادات التى قدمها إليها لم تكن إلا رسائل تلقاها من الاستوديوها الألمانية بالاعتذار عن قبوله تحت التمرين.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات