” قولولا عنّي قولة .. أمّ عيون المكحولة .. إن ما قدرنا نسكن بالشام .. منسكن بمعلولا ” .. هكذا كنّا نتمايل طربا أنا و الأصدقاء مع نغمات عود أخي و صديقي الموسيقار و الملحّن السوري ” إحسان الخطيب ” و هو يغنّي محتضنا عوده الدّمشقي الشّجي الذّي صنعه المعلّم ” حنّا نحّات ” منذ ما يقرب من مائة عام .., كان ” إحسان ” معتزّا بعوده الثّمين الذّي اشتراه بعد جهد جهيد ممّن توارثوه حيث تمسّك به كلّ من يقتنيه لأنّه من صنع “نحّات” و ما أدراك ما الأخوين ” حنّا و سليمان نحّات ” اللّذان كانا من أعظم صنّاع الآلات الموسيقيّة في إحدى أقدم و أعظم عواصم الأرض دمشق ابنة التّسعة أو السّبعة آلاف عام التّي اشتهرت بسيوفها الباترة و آلات الطّرب و نسيج “الدّمقس ” المسمّى عليها ,هذه العاصمة الأصيلة العريقة لم تسلم خلال عشرات القرون من هجمات البرابرة الغزاة الأجلاف لكنّها صمدت و انتصرت رغم الذّين عاثوا فيه فسادا .., غبر الغزاة و بقي القدّيسين و الأولياء .. قبر ” تيمور لانك” و جيوش التّتار و بقي الشّيخ الأكبر سيّدي ” محي الدّين بن عربي ” و إلى جواره مرقد المجاهد العظيم الأمير الشّهيد ” عبد القادر الجزائري ” ,
تدور في رحاب دمشق فتشعر بأنفاس ” السّهروردي ” المقتول مازالت باقية و تؤنسك فيما لم يبق أثر للعثمانيين الغزاة .. ذهب ” جمال باشا الجزّار ” الوالي العثماني الغشوم المجرم إلى حيث ألقت و بقي ” نحّات ” يصنع لنا آلات الطّرب الدمشقيّة التّي طالما تغنّى بها الشّاعر العظيم العم ” فؤاد حدّاد ” والد الشّعراء .., و من لم يعرف الطّرب الدّمشقي و القدود الحلبيّة و الحمصيّة .. لم يعرف الطّرب , ذلك الطّرب الذّي تحملك جوانحه بسهولة عبر غوطة دمشق الشّام لستّ و خمسين كيلومترا جهة الغرب مرورا ب “صيدنايا” لتحلّق على ارتفاع ألف و خمسمائة مترا مستقرّا بقرية ” معلولا ” حيث تطرب أذنك بسماع أهلها يتحدّثون الآرامية ” السريانيّة أو الآراميّة الغربيّة ” لغة ابن العذراء ” عيسى بن مريم” عليهما السّلام , بهذه اللّغة كان يحيي الموتى و بها مازالت تحيا النّفوس الطّاهرة في “معلولا ” التّي ظلّت إلى جانب ” صيدنايا ” المكانين الوحيدين على وجه البسيطة الذّي يتحدّث تلك اللّغة التّي تحمل عبق الرّوح القدس و كلمة الله المباركة ..
و خلال عدوان التّتار الجدد الذّين يقودهم و يموّلهم ” أبرهة الأشرم الجديد ” أسود القلب و الصّنيع ” باراك حسين أوباما ” على دمشق الشّام و غوطتها مرّوا بأقدامهم النّجسة من قرية ” معلولا ” الوادعة ذات الثّلاثة آلاف ساكن ليروّعوهم بإجرامهم و خسّتهم ثمّ غادروها بطريقة غامضة بعد أن اضطروا عددا كبيرا من سكّانها إلى الهروب في شعاب سلسلة ” جبال القلمون ” عبر ممرّات ” معلولا ” الصّخريّة الشّاهقة تاركين ورائهم كنائسهم و بيعهم .. تلك الأديرة الأثريّة التّي عرفت قرون المسيحيّة الأولى وقتما كانت “معلولا ” تتبع مملكة “حمص” .., توغّل التّتار الجدد في غوطة الشّام ” القاعدة و النّصرة و عملاء الحر ” جنود الشّيطان أوباما ” بدم بارد متناسين أنّهم روّعوا في طريقهم أحفاد و حفيدات ” الرّاهب بحيرا ” الذّي عرف الرّسول الأعظم ” محمّد صلّى الله عليه و سلّم ” قبل بعثته و احتفى بجدّه “عبد المطّلب” و أوصاه بالحفاظ عليه لأنّه النّبي الخاتم .., لكن كيف يعرف أولائك القتلة ذلك و الإسلام لم يتعدّى حناجرهم .. وقد جاءوا من كلّ حدب و صوب مرتزقة يقاتلون نكاحا مع عاهرات معبد ” النّاتو” .
ــ لماذا دير ” مارتقلا “:
أهمّ كنائس و أديرة ” معلولا ” .. دير و كنيسة “مارتقلا” الأرثدوكسي المسمّى على اسم الأميرة ” تقلا” التّي فرّت بدينها المسيحي إلى هذا المكان من مطاردة الرّومان الوثنيين .. و على الجانب الآخر منه في الجبل الكنيسة و الدّير البيزنطي الكاثوليكي ” مارسركيس ” .
و يرجّح أنّه عندما دخل أولئك المرتزقة إلى ” معلولا ” في المرّة الأولى ثمّ غادروا بطريقة غامضة أن ّ ” الفاتيكان ” قد احتجّ لدى أسيادهم في ” النّاتو” خاصّة ” الولايات المتّحدة الأمريكيّة ” التّي تواترت أنباء عن سحبها بعثتها الدّيبلوماسيّة بالكامل من ” الفاتيكان ” إلى روما و هو ما يشي بأزمة مكتومة بين ” الولايات المتّحدة ” و “الفاتيكان ” على الأقلّ حتّى الآن .. و لا توجد أنباء عن كيفيّة تصرّف ” فرنسا ” التّي تدّعي أنّها من حماة الكاثوليكيّة إزاء ما حدث في “معلولا ” .., فضلا عن أنّ فرنسا ” كانت تدّعي دائما اهتماما بالثّقافة و التّاريخ و البعد الحضاري لكلّ الثّقافات على ظهر الكوكب !!
و مع تطوّر الأوضاع مؤخّرا في صالح الجيش العربي السّوري في منطقة “جبال القلمون ” عاد التّتار الجدد إلى “معلولا” بهجوم أكثر شراسة محدثين أضرارا فادحة بالقرية الصّغيرة رغم عدم وجود أهميّة جيوستراتيجيّة لها من النّاحية القتاليّة .., لكنّهم في هذه المرّة اقتحموا دير ” مارتقلا” الأرثودكسي ليختطفوا راهبات يتراوح عددهنّ ما بين الخمسة عشر إلى خمسة و عشرين راهبة لم يعرف عن مصيرهنّ شيئا حتّى كتابة هذه السّطور ..
و هنا لابدّ من طرح عدّة تساؤلات حول ذلك الحدث الجلل ..,
الأوّل : هل كان اختيار دير مسيحي أورثدوكسي اختيارا مقصودا ؟ ,
الثّاني : هل سمح ” النّاتو” الذّي يقف وراء هؤلاء الإرهابيين بأنّ يتصرّفوا كذلك مع دير أورثدوكسي خشية ردّ فعل ” الفاتيكان ” راعي الكاثوليك الذّي يمكن أن يفضح وجههم الإستعماري القبيح ليؤلّب عليهم شعوبهم و أكثرها من الكاثوليك ؟ ,
الثّالث : أن يكون ذلك الهجوم من قبيل توجيه إهانة ما لروسيا ” الأرثودوكسيّة ” التّي تساعد النّظام السّوري ؟ , كلّ الإحتمالات مفتوحة حيث لا يستطيع أحد أن يجزم بأن الدول الإستعماريّة القديمة تخلّصت من عنصريّتها المذهبيّة رغم كلّ المعاهدات و المواثيق التّي يتشدّقون بها حول العدل و المساواة ..
معلولا التّي يعني اسمها الآرامي ” المدخل ” و هناك من يذهب إلى أنّه “المدخل المرتفع ذو الهواء العليل ” كانت و ستظلّ مدخلا و ملاذا للخائفين أثيرها يحمل رجع صدى كلمة الله و روحه القدس الذّي لعن الكتبة و الفيريسيين عندما حوّلوا بيت الله إلى تجارة و مكان لطاولات الصّيارفة , آنئذ قلب تلك الطّاولات ناعتا من فعلوا ذلك ببيت الله بأنّهم أبناء الأفاعي .., و لست أشكّ للحظة بأنّ خاتم الأنبياء صلّى الله عليه و سلّم سيكون خصما في الدّنيا و الآخرة لمن روّعوا و هتكوا ستر أحفاد و حفيدات ” الرّاهب بحيرا ” .. و سيقف إلى جوار أخيه ” عيسى بن مريم العذراء ” عليهما السّلام ليلعنوا أبناء الأفاعي الذّين يقودهم ” أوباما و هولاند و الظّواهري ” و لا شكّ لديّ في أنّ الله سيضرب عليهم الذلّة و المسكنة و سيبوؤون بغضب منه ليصلوا جحيم الدنيا و الآخرة .., و سنعود لنسكن ” الشّام و معلولا ” بعد أن تتطهّر من دنس أبناء الأفاعي و سنشهد مع أم العيون المكحولة المصير الأظلم من كحل عينيها الطاهرتين الذي سيلقاه أوباما الأشرم و تابعه هولاند و معهما جيوش الظلام الذين أرادوا للمسيح أن ” يصلب من جديد ”
فليضبط أخي ” إحسان الخطيب ” عوده لنغنّي ” لمعلولا ” من جديد و تطرب أرواح آل ” نحّات ” في ملكوت السّماء مثلما أطربتنا آلاتهم في الأرض .
………………………………………
* عنوان المقال مقتبس من عنوان الرّواية الخالدة للأديب اليوناني العظيم ” نيكوس كازنتزاكيس “.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.