المسيح يصلب من جديد *

10:03 صباحًا الجمعة 6 ديسمبر 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

” قولولا عنّي قولة .. أمّ عيون المكحولة .. إن ما قدرنا نسكن بالشام .. منسكن بمعلولا ” .. هكذا كنّا نتمايل طربا أنا و الأصدقاء مع نغمات عود أخي و صديقي الموسيقار و الملحّن السوري ” إحسان الخطيب ” و هو يغنّي محتضنا عوده الدّمشقي الشّجي الذّي صنعه المعلّم ” حنّا نحّات ” منذ ما يقرب من مائة عام .., كان ” إحسان ” معتزّا بعوده الثّمين الذّي اشتراه بعد جهد جهيد ممّن توارثوه حيث تمسّك به كلّ من يقتنيه لأنّه من صنع “نحّات” و ما أدراك ما الأخوين ” حنّا و سليمان نحّات ” اللّذان كانا من أعظم صنّاع الآلات الموسيقيّة في إحدى أقدم و أعظم عواصم الأرض دمشق ابنة التّسعة أو السّبعة آلاف عام التّي اشتهرت بسيوفها الباترة و آلات الطّرب و نسيج “الدّمقس ” المسمّى عليها ,هذه العاصمة الأصيلة العريقة لم تسلم خلال عشرات القرون من هجمات البرابرة الغزاة الأجلاف لكنّها صمدت و انتصرت رغم الذّين عاثوا فيه فسادا .., غبر الغزاة و بقي القدّيسين و الأولياء .. قبر ” تيمور لانك” و جيوش التّتار و بقي الشّيخ الأكبر سيّدي ” محي الدّين بن عربي ” و إلى جواره مرقد المجاهد العظيم الأمير الشّهيد ” عبد القادر الجزائري ” ,

تدور في رحاب دمشق فتشعر بأنفاس ” السّهروردي ” المقتول مازالت باقية و تؤنسك فيما لم يبق أثر للعثمانيين الغزاة .. ذهب ” جمال باشا الجزّار ” الوالي العثماني الغشوم المجرم إلى حيث ألقت و بقي ” نحّات ” يصنع لنا آلات الطّرب الدمشقيّة التّي طالما تغنّى بها الشّاعر العظيم العم ” فؤاد حدّاد ” والد الشّعراء .., و من لم يعرف الطّرب الدّمشقي و القدود الحلبيّة و الحمصيّة .. لم يعرف الطّرب , ذلك الطّرب الذّي تحملك جوانحه بسهولة عبر غوطة دمشق الشّام لستّ و خمسين كيلومترا جهة الغرب مرورا ب “صيدنايا” لتحلّق على ارتفاع ألف و خمسمائة مترا مستقرّا بقرية ” معلولا ” حيث تطرب أذنك بسماع أهلها يتحدّثون الآرامية ” السريانيّة أو الآراميّة الغربيّة ” لغة ابن العذراء ” عيسى بن مريم” عليهما السّلام , بهذه اللّغة كان يحيي الموتى و بها مازالت تحيا النّفوس الطّاهرة في “معلولا ” التّي ظلّت إلى جانب ” صيدنايا ” المكانين الوحيدين على وجه البسيطة الذّي يتحدّث تلك اللّغة التّي تحمل عبق الرّوح القدس و كلمة الله المباركة ..
و خلال عدوان التّتار الجدد الذّين يقودهم و يموّلهم ” أبرهة الأشرم الجديد ” أسود القلب و الصّنيع ” باراك حسين أوباما ” على دمشق الشّام و غوطتها مرّوا بأقدامهم النّجسة من قرية ” معلولا ” الوادعة ذات الثّلاثة آلاف ساكن ليروّعوهم بإجرامهم و خسّتهم ثمّ غادروها بطريقة غامضة بعد أن اضطروا عددا كبيرا من سكّانها إلى الهروب في شعاب سلسلة ” جبال القلمون ” عبر ممرّات ” معلولا ” الصّخريّة الشّاهقة تاركين ورائهم كنائسهم و بيعهم .. تلك الأديرة الأثريّة التّي عرفت قرون المسيحيّة الأولى وقتما كانت “معلولا ” تتبع مملكة “حمص” .., توغّل التّتار الجدد في غوطة الشّام ” القاعدة و النّصرة و عملاء الحر ” جنود الشّيطان أوباما ” بدم بارد متناسين أنّهم روّعوا في طريقهم أحفاد و حفيدات ” الرّاهب بحيرا ” الذّي عرف الرّسول الأعظم ” محمّد صلّى الله عليه و سلّم ” قبل بعثته و احتفى بجدّه “عبد المطّلب” و أوصاه بالحفاظ عليه لأنّه النّبي الخاتم .., لكن كيف يعرف أولائك القتلة ذلك و الإسلام لم يتعدّى حناجرهم .. وقد جاءوا من كلّ حدب و صوب مرتزقة يقاتلون نكاحا مع عاهرات معبد ” النّاتو” .


ــ لماذا دير ” مارتقلا “:
أهمّ كنائس و أديرة ” معلولا ” .. دير و كنيسة “مارتقلا” الأرثدوكسي المسمّى على اسم الأميرة ” تقلا” التّي فرّت بدينها المسيحي إلى هذا المكان من مطاردة الرّومان الوثنيين .. و على الجانب الآخر منه في الجبل الكنيسة و الدّير البيزنطي الكاثوليكي ” مارسركيس ” .
و يرجّح أنّه عندما دخل أولئك المرتزقة إلى ” معلولا ” في المرّة الأولى ثمّ غادروا بطريقة غامضة أن ّ ” الفاتيكان ” قد احتجّ لدى أسيادهم في ” النّاتو” خاصّة ” الولايات المتّحدة الأمريكيّة ” التّي تواترت أنباء عن سحبها بعثتها الدّيبلوماسيّة بالكامل من ” الفاتيكان ” إلى روما و هو ما يشي بأزمة مكتومة بين ” الولايات المتّحدة ” و “الفاتيكان ” على الأقلّ حتّى الآن .. و لا توجد أنباء عن كيفيّة تصرّف ” فرنسا ” التّي تدّعي أنّها من حماة الكاثوليكيّة إزاء ما حدث في “معلولا ” .., فضلا عن أنّ فرنسا ” كانت تدّعي دائما اهتماما بالثّقافة و التّاريخ و البعد الحضاري لكلّ الثّقافات على ظهر الكوكب !!
و مع تطوّر الأوضاع مؤخّرا في صالح الجيش العربي السّوري في منطقة “جبال القلمون ” عاد التّتار الجدد إلى “معلولا” بهجوم أكثر شراسة محدثين أضرارا فادحة بالقرية الصّغيرة رغم عدم وجود أهميّة جيوستراتيجيّة لها من النّاحية القتاليّة .., لكنّهم في هذه المرّة اقتحموا دير ” مارتقلا” الأرثودكسي ليختطفوا راهبات يتراوح عددهنّ ما بين الخمسة عشر إلى خمسة و عشرين راهبة لم يعرف عن مصيرهنّ شيئا حتّى كتابة هذه السّطور ..
و هنا لابدّ من طرح عدّة تساؤلات حول ذلك الحدث الجلل ..,
الأوّل : هل كان اختيار دير مسيحي أورثدوكسي اختيارا مقصودا ؟ ,
الثّاني : هل سمح ” النّاتو” الذّي يقف وراء هؤلاء الإرهابيين بأنّ يتصرّفوا كذلك مع دير أورثدوكسي خشية ردّ فعل ” الفاتيكان ” راعي الكاثوليك الذّي يمكن أن يفضح وجههم الإستعماري القبيح ليؤلّب عليهم شعوبهم و أكثرها من الكاثوليك ؟ ,
الثّالث : أن يكون ذلك الهجوم من قبيل توجيه إهانة ما لروسيا ” الأرثودوكسيّة ” التّي تساعد النّظام السّوري ؟ , كلّ الإحتمالات مفتوحة حيث لا يستطيع أحد أن يجزم بأن الدول الإستعماريّة القديمة تخلّصت من عنصريّتها المذهبيّة رغم كلّ المعاهدات و المواثيق التّي يتشدّقون بها حول العدل و المساواة ..
معلولا التّي يعني اسمها الآرامي ” المدخل ” و هناك من يذهب إلى أنّه “المدخل المرتفع ذو الهواء العليل ” كانت و ستظلّ مدخلا و ملاذا للخائفين أثيرها يحمل رجع صدى كلمة الله و روحه القدس الذّي لعن الكتبة و الفيريسيين عندما حوّلوا بيت الله إلى تجارة و مكان لطاولات الصّيارفة , آنئذ قلب تلك الطّاولات ناعتا من فعلوا ذلك ببيت الله بأنّهم أبناء الأفاعي .., و لست أشكّ للحظة بأنّ خاتم الأنبياء صلّى الله عليه و سلّم سيكون خصما في الدّنيا و الآخرة لمن روّعوا و هتكوا ستر أحفاد و حفيدات ” الرّاهب بحيرا ” .. و سيقف إلى جوار أخيه ” عيسى بن مريم العذراء ” عليهما السّلام ليلعنوا أبناء الأفاعي الذّين يقودهم ” أوباما و هولاند و الظّواهري ” و لا شكّ لديّ في أنّ الله سيضرب عليهم الذلّة و المسكنة و سيبوؤون بغضب منه ليصلوا جحيم الدنيا و الآخرة .., و سنعود لنسكن ” الشّام و معلولا ” بعد أن تتطهّر من دنس أبناء الأفاعي و سنشهد مع أم العيون المكحولة المصير الأظلم من كحل عينيها الطاهرتين الذي سيلقاه أوباما الأشرم و تابعه هولاند و معهما جيوش الظلام الذين أرادوا للمسيح أن ” يصلب من جديد ”
فليضبط أخي ” إحسان الخطيب ” عوده لنغنّي ” لمعلولا ” من جديد و تطرب أرواح آل ” نحّات ” في ملكوت السّماء مثلما أطربتنا آلاتهم في الأرض .
………………………………………

* عنوان المقال مقتبس من عنوان الرّواية الخالدة للأديب اليوناني العظيم ” نيكوس كازنتزاكيس “.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات