كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

08:51 صباحًا الإثنين 14 أبريل 2014
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

القائد وزوجة القائد

أحد المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعا حول كوريا الشمالية هو أن هذه البلاد تقطنها أغلبية من الروبوتات التي تمضي بثبات إلى المعركة. ويُعتقد؛ في بعض الأحيان، أن الشعب الكوري الشمالي يقضي معظم ساعات استيقاظه بالتفكير في أفضل السبل وأكثرها إيلاما للتضحية بحياته من أجل القائد والحزب.

مفهوم خاطئ شائع آخر هو فكرة أن الكوريين الشماليين لا يمكنهم التوقف عن التفكير في أنفسهم باعتبارهم ضحايا دكتاتورية وحشية، لذلك يُزعم أنهم يقضون جُلَّ وقتهم مع من يشاركونهم الشفقة على أنفسهم أو الحلم بالانتقام لذواتهم.

ظلت النظرة إلى الزواج باعتباره خطوة ضرورية في حياة المرء لا يمكن تجنبها

تبعد هذه الآراء كل البعد عن الحقيقة : فالكوريون الشماليون، مثل معظم الناس في أنحاء العالم كافة، نادرا ما يفكرون بالسياسة. وإن كان ثمة شيء من تغيير، فالكوري الشمالي اليوم من المرجح أن يتألم أقل بكثير من السياسة مقارنة بآبائه قبل 30 عاما. ولا يختلف الشعب الكوري الشمالي كثيرا عن معظم الشعوب في جميع أنحاء العالم : في أنهم يريدون عيش حياة طويلة وصحية، وأن يتمتعوا بلحظات من المتعة والاسترخاء ، وكذلك أن تكون لديهم عائلة سعيدة ودخل جيد. وبعبارة أخرى، فهم لا يختلفون كثيرا عن الناس في لندن أو طوكيو معظم الوقت.

ومع ذلك، فكون المرء كوريا شماليا، يعني أنه يميل إلى أن ينشيء أسرة، فيتزوج، وينجب أطفالا، وهو في ذلك أكثر جدية إلى حد ما من نموذج سكان المجتمعات الغربية الحديثة حين يقومون بالأمور نفسها. يشعر غالبية الكوريين الشماليين بغرابة شديدة إذا علموا أن هناك أشخاصًا في هذا العالم يختارون البقاء وحيدين طوعا. يعتقد الكوري الشمالي العادي أنه ينبغي السماح للجميع (وبطبيعة الحال، أن يمنحوا فرصة الاختيار) بالزواج. إنهم يعتقدون أيضا أن الأشخاص الطبيعيين يظلون متزوجين طيلة حياتهم كلها .

حتى وقت قريب ، كانت القيم الموجودة في كوريا الجنوبية هي ذاتها – على الرغم من ضغوط متعددة للنفوذ الغربي، في قضايا النسوية والفردية والتي شهدت تآكلا في العقود الأخيرة.

الزواج في كوريا الشمالية شديد العلمانية، لأنه ليس للدين عادة مكان في مجتمع ‘جوتشي’، (الاعتماد على الذات كما أسسه الزعيم الكوري الشمالي الأسبق) ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه العلمانية المعلنة، تؤخذ على محمل الجد وعود الزواج في كوريا الشمالية، و حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي المبكرة، كان الطلاق موجودًا، لكن لا يسمع به أحد.

كان الحال مماثلا في كوريا الجنوبية، حتى وقت قريب (وفي معظم المجتمعات البشرية حتى مشارف العصر الحديث)، وعادة ما لا تتخذ قرارات الزواج من الزوجين. فتدبير الزيجات أمر شائع، لدرجة أنه في تلك التسعينيات كان من المقدر أن مثل هذه الزيجات بلغت ما يقرب من ثلثي جميع حالات الزواج في كوريا الشمالية.

مثل هذه التقديرات هي، بطبيعة الحال، غير دقيقة بالضرورة، لأن حالات الزيجات المدبرة لا تناقشها وسائل الإعلام الكورية الشمالية. الصورة الرسمية في كوريا الشمالية موجودة في الصحف والتلفزيون (وكذلك بالأفلام والكتب) أن الناس تتزوج فقط لأنها وقعت في الحب. يأتي النموذج المثالي للزواج مع قدر كبير من التفاني المتبادل ، فضلا عن التفاني العظيم للقائد والوطن.

في النظرة الكورية الشمالية الرسمية، فإن الزواج المرتب أمر تخجل الناس منه. وهذا ربما يعكس واجهة كوريا الشمالية الأيديولوجية التي شكلتها ولونتها وأثرت فيها بشكل كبير أفكار اليسار الغربي المتطرف. لذا لا ينبغي لنا أن نفاجأ بأن أيديولوجية كوريا الشمالية لديها نزعة نسوية ملحوظة، في حين أن الحياة الفعلية في البلاد لا تزال بطريركية بشكل لافت للنظر – حتى بالمقارنة مع كوريا الجنوبية ، وهي دولة ليست بالضبط منارة للتقدم النسوي.

في كوريا الشمالية، خلال عصر كيم إيل سونج، أي كوريا الشمالية قبل منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كان الطلاق نادرا جدا . وكان ينظر إليه على أنه عمل مشين، ليس فقط من قبل السلطات، ولكن لدى التيار الرئيسي للمجتمع أيضا.  فطلاق شخص مسئول من شأنه أن يلحق بها ضررا بالغا بآفاق التطور الوظيفي له. وتبقى فرص المطلقة ضئيلة أو معدومة في الزواج مرة أخرى.

ومن المثير للفضول، أنه إذا انفصل زوجان ينتمي أحدهما أو كلاهما للحزب، فإن توبيخا رسميا سيصدر ضده / أو ضدها جراء مثل هذا السلوك.

إن الحزب والمنظمات المرتبطة به شبه الطوعية (مثل عصبة اتحادات الشبيبة أو اتحادات التجارة) تضمن كذلك ازدهار الزواج. فعلاقة غرامية خارج نطاق الزواج، إلا إذا كانت من قبل شخص له مرتبة عالية جدا في الدولة، لن تعتبر فقط مجرد جريمة أخلاقية ولكنها ستعد كذلك تحديا للنظام السياسي القائم. لذلك يمكن للزوجة التي يغشها زوجها أن تبلغ عن سوء سلوك زوجها لخلية الحزب المحلية، ولن تتوانى الخلية في معاقبة سلوك ممارس الرذيلة.

ولكن كل هذا يبدو شيئا من الماضي، فقد شهدت العشرون عاما الأخيرة حركة تحول اجتماعي بطيء لمست جميع جوانب الحياة في كوريا الشمالية، بما في ذلك الزواج .

فمن ناحية، ظلت النظرة إلى الزواج باعتباره خطوة ضرورية في حياة المرء لا يمكن تجنبها دون تغيير. وحتى الآن، يفترض لدى معظم الكوريين الشماليين الذين على وشك أن يتموا العقد الثالث من أعمارهم أن عليهم أن يتزوجوا ويبدأوا في تكوين أسرة، لكن أشياء أخرى تغيرت كثيرا.

في الأسرة الكورية الشمالية النموذجية، تعد المرأة ، وليس الرجل ، المعيل للأسرة

كان المحرك الرئيسي للتغيير هو نمو اقتصاد السوق. فلم تكن هناك حاجة للمرأة المتزوجة في أن يكون لديها وظيفة بمؤسسة حكومية، فكان لديها كثير من الوقت، لذلك سيطرت النساء على اقتصاد الأسواق الناشئة في كوريا الشمالية. في الأسرة الكورية الشمالية النموذجية، تعد المرأة ، وليس الرجل ، المعيل للأسرة. كما يقول كل ماركسي طيب، أقول لك: السيطرة على الدخل تُترجم عادة إلى السلطة الفعلية. لذلك، فالعلاقات بين الجنسين في الأسر الكورية الشمالية هي أكثر مساواة مما كانت عليه من أي وقت مضى . صدقوا أو لا تصدقوا ، فإن أزواج كوريا الشمالية على استعداد لمساعدة زوجاتهم بغسيل الأطباق (على الرغم من أنه أمر نادر جدا) .

كون المرء كوريا شماليا، يعني أنه يميل إلى أن ينشيء أسرة، فيتزوج، وينجب أطفالا

ازداد عدد حالات الطلاق بشكل كبير ، على الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية معلنة. باتت السلطات أقل قدرة أو استعدادا للحفاظ على أسر سليمة. بدأت النساء ذوات الثراء الجدد يتجاهلن في كثير من الأحيان إساءة أزواجهن غير المجدية. ونظرا لحقيقة أن العديد من الأزواج هم بحكم الواقع عاطلون عن العمل (ويقضون مجرد بضع ساعات في اليوم بأماكن عملهم ليس لديهم سوى القليل لعمله أو قد لا يفعلون أي شيء) فيمكن للمرء أن يفهم هذا الاتجاه.

تغيرت المواقف أيضا نحو الطلاق. فهو الآن أقل عارًا على المطلقات؛ اللائي يُحتقرن إلى حد ما ولكنهن لا يُنبذن.

كما أن الموقف تجاه العلاقات خارج نطاق الزواج تغير قليلا جدا. ففي لائحة الاتهام الأخيرة ضد تشانغ سونغ تايك – ثاني أقوى منصب رسمي في كوريا الشمالية الذي سقط فجأة من سماء النعمة والأحلام إلى أرض النقمة والإعدام، كانت هناك ضمن لائحة الاتهامات علاقات غرامية عديدة بارزة.

في الواقع، كما بدأ يلاحظ بعض قدامى العاملين في السفارات الأجنبية، أصبح من الشائع جدا لدى مسؤولين كوريين شماليين من الدرجة الاولى ورجال أعمال أن تظهر في شركاتهم شابات مذهلات الحسن (غالبا طالبات بأفضل الكليات في بيونغ يانغ ) . إنهن عشيقات هؤلاء الرجال الأقوياء الذين يدفعون فواتيرهن ويشترون لهن كمالياتهن.

كما ظهرت الدعارة واضحة مجددا كذلك، وفي بعض المطاعم يمكن أن تنتظر الفتيات العاملات زبائنهن المستقبليين.أثناء ذلك، فإن زميلاتهن الأقل حظا يمارسن تجارتهم بالقرب من محطات السكك الحديدية .

تغييرات عديدة ـ وعموما ليست جيدة جدا للحفاظ على القيم الأسرية – على الأقل كما يتم فهم هذه القيم من قبل جمهوريي حزام الكتاب المقدس في الولايات المتحدة والستالينيين غير المتحولين في أوروبا الشرقية ( هاتان المجموعتان لديهما وجهات نظر متشابهة بشكل ملحوظ على هذا الموضوع بالذات). ومع ذلك، فإن الأسرة كوريا الشمالية لا تزال الى حد بعيد وبالنسبة لغالبية الكوريين على ما يبدو، أهم من أي شيء آخر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات