الفنان التشكيلي اللبناني حسن جوني يهندس لوحة الحياة بريشته الصافية

02:51 مساءً السبت 12 ديسمبر 2020
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت-اسماعيل فقيه
يرسم الفنان التشكيلي حسن جوني زمنه وحياته وأماكنه ومدينته. اللوحة بالنسبة اليه هي انعكاس للواقع المرئي وغير المرئي. وكلما انجز عملاً، تبدو ألوانه اكثر حرية وقدرة على بناء المعنى المرتجى.

اللوحة مستمرة في حياة جوني، لا تتوقف، كأنها اللون المتدفق بغزارة، والذي يعكس كل شاردة وواردة في الحياة. دائماً هناك لوحة جديدة تولد في ايامه، واذا توقفت حركة اللون في حياته، فإنها تأخذه الى مناخات لا يمكن وصفها، لذلك هو دائم الحضور في اللوحة وما تبثه في مساحة الاطار والشكل.

ماذا قال جوني لـ«اسيا ان» عن لوحته التي ما زالت تشكل بالنسبة اليه مدخلاً لكل تفاصيل الحياة؟

• نبدأ من الجديد في عملك، ما اللون او اللوحة او الصورة التي اهتديت اليها اخيرا؟

  • الجديد لا يتوقف في حياتي الفنية. كما يتجدد الهواء تتجدد لوحتي في مساحة حضورها، وطبعاً داخل نفسي. الجديد الذي اسعى اليه دائم الحضور، ويسعى من تلقاء نفسه داخل ذاتي. لقد تحولت ايامي شبه لوحة. كل يوم يعبر يترك انطباعاً في ذاتي، ويجعلني الشكل الذي يجب ان اطل عبره، وهو «اللوحة». انني ارسم دائماً تفاصيل الايام بما تمثّل من واقع معيش ومحسوس، من واقع مكاني – جغرافي، ومن واقع خيالي مرتبط عميقاً بواقع الحياة التي اعيشها.

• ما زالت بيروت الحاضر الاكبر في لوحتك؟

  • بيروت القديمة حضرت جلياً في لوحاتي، ومعرضي السابق كان عنوانه بيروت القديمة، بيروت الذاكرة التي عشناها بشغف. بيروت تمثل حالة ذاكرة بامتياز، ولوحتي حين تجسّد هذه الذاكرة انما تجسد حالة الحياة الطيبة والصافية، حالة الناس الذين اسسوا وبنوا وصنعوا مجد الزمن الغابر. بيروت في لوحتي صورة اصيلة تعكس زمن الانسان الذي اعطى الحرية للأمل ولم يقيّده. بيروت مدينة لا يمكن إلا ان تكون حالة حياة نادرة في لوحتي.

• ما زلت مولعاً بالأمكنة؟

  • الامكنة هي الحياة. كل مكان يدل على خصوصية الحياة التي عاشها الانسان، فكيف لا اكون مولعاً بهذا المكان وبهذه الروح التي تجسد المكان.

• كيف يتجسد المكان في لوحتك؟

  • للمكان خصوصية في لوحتي، وتكاد تكون الامكنة لغتي اللونية في التعبير. لذلك تلتزم ألوان لوحتي خصوصية تلك الامكنة، خصوصاً اذا كانت هذه الامكنة المساحة الارحب التي عرفتها عن كثب، بروحي وقلبي وكل احاسيسي. أُجسّد المكان في لوحتي كما لو انني اجسّد بطاقتي وهويتي الشخصية. المكان هو الهوية الناصعة التي تعرف عن الانسان. المكان مرآة الانسان وحيويته الزائدة والفائضة، والقليلة ايضاً. يحضر المكان في لوحتي حضور الرأي والفكر والصوت، وتؤدي الألوان دور اللغة الناطقة والمعبّرة، في شكل فوري وصامت، عن هذه التفاصيل الكثيرة.

للمكان مكانة خاصة في صلب لوحتي، وأسعى عبر ذلك الى بناء الجواب الكبير عن سؤال الحياة والانسان. يكفي ان تظهر في اللوحة وألوانها اشارات اليد التي عمّرت وبنت ورسمت وخططت للحياة المقبلة والماضية. واللوحة حين تتوغل في تفاصيل المكان، تستحضر كل جديد ممكن وكل مستحيل غير ممكن. المكان في لوحتي هو مكان واسع يستقطب الحرية والامان والجمال والمعرفة.

• نلاحظ اعتمادك على بهجة اللون، دائماً ألوانك مشرقة، هل يعني هذا ان الامل لا يغادرك؟

  • الامل عنوان الحياة. ومهما تشاءم الانسان يبقى الامل هو الخلاص. والفنان لا يحيد عن هذا الامر ابداً. وبالنسبة اليّ، فانني ارى اللوحة بمنظار الامل حتى لو كانت تساورني شكوك العذاب واليأس، الا ان الامل يبقى المهيمن المسيطر على مجريات اللحظة التي اتحرك داخلها. انطلاقاً من هذا الاساس ارسم وألوّن. وحين يكون الامل هو الغالب فان اللون سيكون مشرقاً. ثم ان لون البهجة هو ما يظهر في النور.

• وماذا تسمي الألوان القاتمة، هل هي ألوان اليأس والحزن؟

  • طبعاً لا اوافق ان الألوان القاتمة تمثل الحزن او اليأس. ربما تكون هذه الألوان تعبيرا مباشرا عن حالة حب وفرح وسعادة. ليس ثمة قانون ثابت يصنف اللون ويخضعه لوصف اخير، ولكن هناك ألوان مختلفة وربما مشرقة من حيث وضوحها وتعكس حالة تعب في المكان والانسان.

• ما الألوان التي تعبر فيها عن حالة تعب؟

  • كل الألوان لها وظائف في الشكل. احياناً استعين بالألوان الفاتحة للتعبير عن التعب وأحياناً ألجأ الى الألوان القاتمة. اللون يولد وفق الحالة ولكل لون خصوصية في فرض المشهد والاحساس. ثم علينا الا ننسى ان لكل انسان رؤيته الخاصة في تفسير الحالة التي يعيشها.

• متى تشعر بأنك تحتاج الى الرسم؟

  • الرسم حالة تعبير مستمرة، في كل لحظة اشعر بهذه الحاجة. عندما ارى اي شيء في الحياة وفي الايام التي اعيشها، اشعر بأنني اخزّن وأدوّن تفاصيل كثيرة. وعندما اخلد الى نفسي، تستفزني تلك اللحظات التي عشتها، فأسارع الى تدوينها بالرسم واللون. بمجرد توجه النظر او البصر الى مشهد ثابت او متحرك، تولد فكرة اللوحة، واحتمالاتها كثيرة.

• هل ترسم تحت وطأة الفرح اكثر مما ترسم تحت وطأة الحزن؟

  • لكل حالة تأثير في النفس، وانا ارسم تحت وطأة الحالة التي اعيشها، ولا يهمني نوع الحالة التي اعمل تحت تأثيرها، بقدر ما تهمني النتيجة التي ستولد جراء هذه الحالة، نتيجة العمل واللون واللوحة. كل الحالات تؤدي الى العمل والنشاط والانتاج، ولكن تبقى العبرة في النتيجة وقدرتها على بناء الوعي الابداعي في أشكال جيدة ولافتة تؤدي وظيفة الابداع بكل ما يعني من تعبير حقيقي يخاطب اعمق الاعماق في النفس.

• هل تستطيع العيش من دون رسم؟

  • بصراحة كلا، فاللوحة بالنسبة اليّ باتت واقعاً اعيشه، وحركة حياة ونمط عيش ومتنفسا استنشق عبره هواء الحياة والعيش والاستمرار.

• هل تتصور نفسك خارج العمل الفني؟

  • كأنك تسألني ان كنت استطيع العيش من دون هواء.
    شارك
    أخبار ذات صلة

One Response to الفنان التشكيلي اللبناني حسن جوني يهندس لوحة الحياة بريشته الصافية

  1. ماهر البطوطي ، نيويورك رد

    7 ديسمبر, 2022 at 10:11 م

    عاصرتُ الفنان الكبير حسن جوني في مدريد لمدة سنتين ، وأقرأ الآن عن معارضه ونجاحاته فلا أعجب ، لأني عرفت أنه فنان في روحه ومشاربه وحياته كلها وأشعر بالسعادة لأن النجاح هو ما يستحقه وأرجو أن يقرأ هذه السطور فإني لم أره منذ 1970

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات