محمد أبو الغيط… قادمٌ أيّها الضوء

05:12 مساءً الخميس 15 ديسمبر 2022
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

محمد أبو الغيط، صحفي استقصائي مميّز لطالما انحاز للحق والفقراء. تمتّع بحب كلّ من قابله شخصياً أو من خلال مقالاته وتحقيقاته. حصد عشرات الجوائز وحقق الكثير في عمر صغير.. ثم جاء السرطان بدون دعوة معلناً اقتراب النهاية.

“بعض الأحباء انهاروا في البكاء فبكيت معهم. هناك من تحدّث بصيغة الماضي، “إنت كنت كذا”؛ فشعرت أنه ينعاني وأنّي مت بالفعل.” 

كان يعلم أنه سيرحل، كان ذلك واضحاً من إحباط الأطباء من حوله، ومن دموع المقربين، ومن خذلان جسده الذي ظلّ يتهاوى شيئاً فشيئاً. 

فجأة، اتخذت الأسئلة بداخله منحى آخر: أين سأدفن؟ في لندن أم مصر؟ هل أنا راضٍ عن كل مواقفي؟ هل سأترك لإبني سيرة طيبة؟ كم تبقّى من الوقت؟ هل تحدث المعجزة بسبب علاج جديد أو بحث منشور هنا أو هناك؟ 

ومن وسط كل ذلك العذاب والأسئلة المُهلكة، قرر أن يوثّق معركته مع المرض.

“لماذا أكتب؟ أكتب لأن الكتابة هي أثري في الحياة، هي أهراماتي الخاصة، فإلى متى ستبقى منتصبة من بعدي؟ الكتابة هي محاولتي لمغالبة الزمن والموت بأن يبقى اسمي أطول من عدد سنوات حياتي التافهة مقارنة بعمر الكون الشاسع المقدّر حالياً بـ14 مليار سنة.”

الكتاب صادق لأبعد ما يكون، ببساطة لأن صاحبه كتبه وهو يعلم أنه مغادر عما قريب. فلا نية في الكذب أو المراوغة أو التجميل. 

ربما سيؤلمك الكتاب.. وربما ستجلب صفحاته الدموع إلى عينيك. لكن بين تمزّق قلبك وحزنك الشديد، لن تملك إلاّ أن تصاب بالدهشة. فأي ثبات وأي قوة امتلكها محمد ليكتب لنا وسط جحيم الكيماوي وهجمات السرطان الشرسة؟

“أمّا أنتم يا من وصلتم بالقراءة إلى هنا، فأحسب أن المعنى واضح: اسعدوا بكل يوم طبيعي. بالطبع اطمحوا واسعوا بأقصى الجهد للأفضل، لأنفسكم، وأسركم، وبلادكم، لكن إن لم يحدث فلا بأس. كل يوم من المعافاة هو إنجاز  عظيم.” 

ستنتهي من قراءة هذا الكتاب ولكن كلماته ستظل تتردد في ذهنك مئات المرات. ستقدّر التفاصيل البسيطة من حولك ونعمة الصحة التي لا ندرك قيمتها سوى متأخراً، سيلهمك لمراجعة مواقفك وتصحيح بوصلتك في الحياة. 

قد كتب محمد أبو الغيط هذا الكتاب من أجلك.. لأن لديه رسالة يجب أن تصل إليك. 

“فإنّي أرجو أن يكون ما بعد نفقي نوراً وهدوءاًَ وأمناً، وأن يكون في هذا الكتاب ما قد ينقب ولو ثغرة واحدة، ليمر منها بعض الضوء إلى من يقرأ.”

محمد كان يحلم بأن يحضر حفل توقيع كتابه الأول والأخير في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023 ولكن القدر لم يمهله، واستجاب محمد أبو الغيط أخيراً للضوء ليرحل قبل أيام قليلة تاركاً لنا تلك التجربة الإنسانية الثرية. 

حرصت دار الشروق على نشر الكتاب وتوزيعه سريعاً ليصدر بعد ساعات من وفاته وهو متاح الآن للقراءة على أبجد. 

دعواتنا لكل محبيه بالصبر والسلوان.. أمّا عن محمد فنثق أنه محاط الآن بالضوء والهدوء.

المصدر: أبجد

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات