انطلاقة مهرجان مسرح الهواة بمدينة (القطار) في ولاية (قفصة) مهد الثورة التونسية

10:54 صباحًا الجمعة 22 مارس 2013
سعيدة الزغبي خالد

سعيدة الزغبي خالد

إعلامية من تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

المشاركون في مهرجان مسرح الهواة أمام دار الثقافة الشاذلي القطاري

كنا على موعد مع المنطقة التي عرفت أول إرهاصات الثورة التي خرجت من مهدها عندما هبت رياحها في 2008 مع إنتفاضة الحوض المنجمي في مدن ” الرديف و المتلوي و أم العرايس ” ثم سرت سريان النار في الهشيم في باقي أنحاء ولاية ” قفصة ” التي أشتهرت بالثورات و التمرد على الحكام منذ فجر تاريخها و حضارتها القديمة التي واكبت الحضارة الفرعونية ؛ وقد تعرضت تلك الولاية الواحة لقمع الحكام على مر الزمان لكنها أبدا لم تستكين أو ترضى المهانة ..

و كان من مدن “ولاية قفصة” التي إشتهرت بالمقاومة و بذلت الكثير من دماء الشهداء الزكية رغم مظهرها الوديع “مدينة القطار” التى نظمت مهرجانا لمسرح الهواة في دار ثقافتها التي تحمل أسم الشهيد ” الشاذلي القطاري .. ؛ وكان من حسن الطالع أن نستعيد هذه الذكريات المجيدة هناك حيث وافق إنطلاق المهرجان عيد إستقلال تونس الذي يحتفل به في 20 مارس من كل عام

انطلقت الدورة الجديدة لمهرجان مسرح الهواة بالقطار يوم 17 مارس وتختتم يوم 21 مارس في نسختها الحادية عشر. وتقع مدينة القطار في الجنوب الشرقي لولاية قفصة تشتهر بمنتجاتها الفلاحية مثل الفستق و التمور و بعض الخضراوات و الزيتون و كانت واحتها تسقى من 27 عين ماء تنبع من جبل عرباط والتي جفّت كلّها الآن بسبب استغلال المائدة المائيّة لغسيل الفوسفات و تلك حكاية أخرى .

الكاتب المسرحي الكبير عز الدين المدني أثناء تجواله بالدار

و استضاف المهرجان لدورته الجديدة التي تنظمها دار الثقافة “الشاذلي القطاري” برعاية المندوبية الجهوية للثقافة بقفصة الأستاذ عزالدين المدني للحديث عن مسيرته المسرحيّة التّي بدأت في أواخر الستينات بمسرحيّة رأس الغول و مازال عطاءه إلى اليوم مبهرا و لإدارة و الإشراف على ورشة الكتابة المسرحيّة والتّي تعرّض فيها إلى مدى صعوبة الكتابة للمسرح وإلى الموضة الفرنسيّة التّي بدأ بعض التونسيين ينسجون على منوالها , وهي ظاهرة لم تقتصر على الثقافة فقط إنّما تجاوزتها إلى السّياسة و الإقتصاد ,و تتمثّل هذه الموضة في إلغاء المؤلّف وهي ظاهرة لم تعرفها لا الثقافة الأنجلوسكسونيّة ولا الإيطاليّة و لا الروسيّة و لا اليابانيّة ..إنّها شطحة فرنسيّة إلتقطها فكر بعض التونسيّين الذّين يرون في فرنسا المثال الأرقى دون دراسة أو تفكير كما تلتقط الفيروسات . كما تعرّض الأستاذ عزالدين المدني في حواره مع الحضور من المهتمين بالكتابة المسرحية من شباب و كهول و طفل واحد لم يفقد تركيزه و اهتمامه بما يقال طيلة الوقت الذي استغرقه اللّقاء . كما تحدّث الأستاذ عزالدين المدني عن كيفيّة اختيار موضوع المسرحيّة و التّي بالضرورة ليست كلام الشارع و لا أحاديث المقاهي و ليست التّعابير الشعبيّة الدّارجة إنّما الكتابة المسرحيّة هي رأي المؤلف في موضوع المسرحيّة و أفكاره الشخصيّة ورآه حوله حتّى و إن عبّر عنها التعبير الشّعبي و أحاديث المقاهي و غيره مع التّركيز على أنّ للجملة المسرحيّة إيقاع و عروض خاص بها و أنّ الكلمة فيها لها أكثر من معنى إذ يكون لها مستويات ثلاث و إلاّ تصبح كلمة سطحيّة و ربّما تافهة .
و ركّز الأستاذ عز الدين المدني في اليوم الأوّل لورشة الكتابة المسرحيّة على أنّ ارتباط النصّ المسرحي بالظّروف الآنيّة يجعله يشيخ و ينتهي لأنّ الفنّ يتجاوز الحدث ذلك أنّ الأعمال المسرحيّة و الشعريّة تكوّن الثّقافة الحيّة .
أماّ في اليوم الثّاني للورشة فقد تحدّث الأستاذ عزالدين المدني عن الشخصيّة في العمل المسرحيّة التّي لا بد أن تكون ناقصة لأنّ الشخصيّة الكاملة مملّة وقد استمرّ النّقاش مع الحضور لأكثر من ساعتين و نصف طرح فيها الحضور أسئلة حول تفاصيل ملامح الشخصيّة و هل يلتزم الكاتب بالأحداث التاريخيّة أم هو حرّ في التصرّف في الأحداث و أشار المحاضر إلى أنّ حريّة المبدع مطلقة لكنّها قد تكون قيده أيضا .

محاضرتان بالمهرجان لعزالدين المدني وخالدسليمان

أمّا المداخلة الثّانية و كانت في شكل محاضرة فقدّمها النّاقد و الصّحفي و الكاتب المصري الأستاذ خالد سليمان و الذّي كان موضوع مداخلته حول نقد النصّ المسرحي العربي و التّي بدأها بالحديث عن التمرّد الذّي يحمل معان كثيرة منها ما هو إيجابي كأن تنظر خلفك في غضب مشيرا إلى شهرة مدينة القطار وولاية قفصة عموما بالتمرّد يشبه في شدّته غضبة وادي بيّاش حين يفيض , على أنّ الغضب لا يعني مطلقا التّدمير على طول الخط .. و من أمارات ذلك أن أهالي القطار كانوا في غاية اللّطف و الضّيافة مع ضيوف المهرجان ومستشار المحتوى السّمعي البصري لشبكة أخبار المستقبل آسيا إن وكذلك المشرفون على تنظيم المهرجان و نذكر منهم على سبيل الذّكر مدير دار الثّقافة الشاذلي القطاري التّي احتضنت فعاليّات المهرجان أبو القاسم محمّد و الباحث اسكندر الرّزقي الذّي زوّدنا بمجموعة من الصّور الخاصّة بالدورات السّابقة لمهرجان مسرح الهوّاة بالقطار و نبذة تاريخيّة عن الحركة المسرحيّة بالقطار دون أن ننسى أن نشكر الأستاذ هشام الزّيدي المندوب الجهوي للثقافة بقفصة على حفاوته , و يبدو أن الأستاذ خالد سليمان باعتباره سكندري الهوى و الدراسة قد سبر أسرار تمرّد الإسكندريّة عبر التّاريخ فكان سهلا عليه أسر قلوب جمهور المهرجان من أهل المدينة الذّين تفاعلوا معه بشكل ايجابي و لافت للإنتباه جعل الحضور يتفاعلون مع ما ورد في المحاضرة التّي أشار فيها إلى أنّ المبدع و النّاقد مثل طرفي المقصّ كل منهما يسير في إتجاه لكنهما لا يصبحان فاعلان إلاّ إذا التقى الطّرفان . كما تحدّث الأستاذ خالد سليمان عن “أن الإسقاط وظيفة المتلقّي” فيكون المتلقّي الذّي تعلّم فنّ التذوّق ناقدا و لو لم يكن محترفا , لذلك لا يصنع المسرح الثّورات إنّما يصنع صنّاعها مشيرا إلى أنّ العمل الدّرامي يشبه المعركة لذا لابد من الإستعداد له موضّحا للحضور أنّ المباشرة هي ما يقتل العمل الإبداعي لأنّها لا تمنح فرصة للنّاقد و المتلقّي للتّأويل . و لتوضيح ما طرحه الأستاذ خالد سليمان من أفكار تعرّض إلى تجربة الكتابة عند عزالدين المدني و الحبيب بولعراس و سمير العيادي من تونس و صلاح عبد الصبور و عبد الرّحمان الشرقاوي من مصر و سعد الله ونّوس من سوريا و عبد الكريم برشيد من المغرب و السمات المميزة لكل مبدع منهم و أوجه الشبه و الإختلاف ؛ و قد انتهى المحاضر إلى ضرورة تأسيس نقد عربي سليم يعتمد أدواته الخاصّة لا أدوات مستوردة من الغرب و نحتاج لذلك أن نكون أنفسنا و أن نضع أدواتنا و نظريّاتنا الجماليّة الخاصّة بنا إذ أنّ المسرح العربي له خصوصيّات الثّقافة العربيّة فلن تجد مثلا رديفا أمينا و مطابقا لمعنى الطّرب أو بالأحرى السلطنة مثلا لا في الفرنسيّة و لا في الإنقليزيّة .. ؛ وقد ذكر بأن العربي ” حازم القرطاجني” التونسي المصري قد وضع أسسا للنقد في مؤلفاته قبل أن تظهر في أوروبا النظريات الجمالية والنقدية بوقت طويل و لابد لكل ثقافة أن تضع المقاييس الخاصة بها طبقا لخصوصيتها و ذلك لا يعني أغفال المعايير العامة و المشتركة في الإبداع الإنساني ..

خالدسليمان وحديث مع القناة الأولى بالتلفزة الوطنية التونسية

و في إجابة عن سؤال طرحه أحد المشاركين أشار الأستاذ خالد سليمان أنّ النّقد أوّله صعب لأنّه يوجب أن نتعلّم كيف نتذوّق و ليس أفضل من المسرح و لا أهمّ كمدرسة نقديّة .
أمّا في اليوم الثّاني من لقاءه مع جمهور المهرجان تحدّث الأستاذ خالد سليمان عن ملامح الشخصيّة المسرحيّة التّي إذا كانت كاملة بلا تضاريس تصبح مسطّحة و مملّة و قدّم للحضور أمثلة من المسرح العالمي و المسرح العربي وقد تواصل الحوار كما أشرنا بين ضيفي المهرجان و الحضور لوقت طويل تضمّن محاولة لكتابة جماعيّة و رسم لملامح الشخصيّة الرئيسيّة لمشروع العمل . وقد انتهى اللّقاء بتسلّم الأستاذ خالد سليمان و الأستاذ عزالدين المدني شهادة شكر و تقدير من السيد مدير دار الثّقافة بحضور المندوب الجهوي للثّقافة السيد ” هشام الزيدي” و الأديب أصيل الجهة الشاعر” عمر حفيظ “.
يبقى أن نشير إلى أنّ الحركة المسرحيّة في مدينة القطار حركة عريقة بدأت بأشكال الفرجة الشعبيّة مثل ” صيد عاشوراء ” التّي تعرض ليلا لمدّة شهر بمناسبة عاشوراء وقد عرفها أهل القطار منذ أجيال وفي نهاية الخمسينات من القرن الماضي قدّمت جمعيّة التّوادد الثقافي مسرحيّة “حليمة ” ثمّ توالت العروض حتّى إنشاء دار الشّعب سنة 1964, دار الثّقافة الشاذلي القطاري حاليّا , و تكوين اللّجنة الثّقافيّة المحليّة تمّ تقديم مجموعة من الأعمال المسرحيّة حتّى تكوين جمعيّة عرباط للمسرح بالقطار سنة 1988 فكانت أوّل جمعيّة مختصّة و مستقلّة اعتنت بالمسرح و قدّمت أوّل أعمالها بعنوان ” المانع مشتاق للمنع ” سنة 1989 ثم تلتها مجموعة من الأعمال الأخرى المهمّة في تاريخ الجمعيّة مثل مسرحيّة” الإنتخابات ” و ” بداية النّهاية ” و” بلاد فيها عباد “.
و عند سؤالنا عن سبب نسبة دار الثّقافة للشاذلي القطاري أعلمنا المشرفون عليها أنّ الشاذلي القطاري هو ابن أحد سكان المدينة كان يبيع الرّحى الحجريّة التّي اشتهرت مدينة القطار بصناعتها بعد جلب الحجارة من الجبال المحيطة بها و هي سبعة , و كان يبيعها في العاصمة و كان ابنه الشّاذلي يسافر معه ليتعلّم أصول التّجارة و أسرار الطّريق و بسبب ضيق ذات اليد و انتشار وباء الكوليرا في الجهة أقام الشاذلي القطاري في العاصمة و عرف عنه أنّه كان يبيع الطّيور و يبدو أنّه لم يكن يستطيع الصّمت على جرائم الإستعمار فشارك في أحداث الجلاّز سنة 1911 و حكم عليه بالإعدام مع المنوبي الجرجار و أعدما سنة 1912 .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات