شم النسيم: المصريون يحتفلون بأقدم أعيادهم

10:57 مساءً الأحد 5 مايو 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

البيض، ملمح شم النسيم، وأيقونة عيد الفصح

ربما يكون شَمُّ النِّسِيْمِ فرصة لاستعادة أهل هذا البلد مصريته، تلك الصفة اللصيقة به لأكثر من 5 آلاف سنة، لتكون عنوان هويته الموحدة، قبل أن يكون شعبًا عربيا، وأمة إسلامية.

فعيد شم النسيم أحد أعياد مصر الفرعونية، وترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، أي نحو عام (2700 ق.م)، وبالتحديد إلى أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية، ليكون بذلك من أطول الأعياد عمرًا في العالم كله.

بعض المؤرخين يرون أن بداية الاحتفال به ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، ويعتقدون أن الاحتفال بهذا العيد كان معروفًا في مدينة هليوبوليس “أون”. وترجع تسمية “شم النسيم” بهذا الاسم إلى الكلمة الفرعونية (شمو) وهي فصل الربيع أحد الفصول الثلاثة لدى القدماء المصريين عكس العصر الحديث الذي أصبحت الفصول فيه أربعة ويرمز – عند قدماء المصريين – إلى بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدأ خلق العالم كما كانوا يتصورون.

وقد تعرَّض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة “النسيم” لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة.

وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم في احتفال رسمي كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل . فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم – قبل الغروب –؛ ليشهدوا غروب الشمس فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم. وفي تلك اللحظة يحدث شيء عجيب، حيث تخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فتبدو واجهة الهرم أمام أعين المشاهدين وقد انشطرت إلى قسمين.

وما زالت هذه الظاهرة العجيبة تحدث مع مقدم الربيع في الحادي والعشرين من مارس كل عام، في الدقائق الأخيرة من الساعة السادسة مساءً، نتيجة سقوط أشعة الشمس بزاوية معينة على الواجهة الجنوبية للهرم، فتكشف أشعتها الخافتة الخط الفاصل بين مثلثي الواجهة الذين يتبادلان الضوء والظلال فتبدو وكأنها شطران.

وقد توصل العالم الفلكي والرياضي البريطاني “بركتور” إلى رصد هذه الظاهرة، وتمكن من تصوير لحظة انشطار واجهة الهرم في عام 1920م، كما استطاع العالم الفرنسي “أندريه بوشان” – في عام 1934م – تسجيل تلك الظاهرة المثيرة باستخدام الأشعة تحت الحمراء. اهتم المصريون منذ القدم بعيد شم النسيم اهتمام خاص جدا حتى التاريخ المعاصر.

ويتحول الاحتفال بعيد “شم النسيم” – مع إشراقة شمس اليوم الجديد – إلى مهرجان شعبي، تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة، فيخرج الناس إلى الحدائق والحقول والمتنزهات، حاملين معهم أنواع معينة من الأطعمة التي يتناولونها في ذلك اليوم، مثل: البيض، والفسيخ  (السمك المملح)، والخَسُّ، والبصل، والملانة (الحُمُّص الأخضر)، وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص ارتبطت بمدلول الاحتفال بذلك اليوم – عند الفراعنة – بما يمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة.

فالبيض يرمز إلى خلق الحياة من الجماد، وقد صوَّرت بعض برديات منف الإله “بتاح” – إله الخلق عند الفراعنة – وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التي شكلها من الجماد.

رمز الحياة والخصب

ولذلك فإن تناول البيض – في هذه المناسبة – يبدو وكأنه إحدى الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين، وقد كانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل يعلقونها في شرفات المنازل أو في أغصان الأشجار؛ لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم.

وقد تطورت هذه النقوش – فيما بعد -؛ لتصبح لونًا من الزخرفة الجميلة والتلوين البديع للبيض.

أما (الفسيخ)  أو “السمك المملح” ، فقد ظهر بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بالعيد في عهد الأسرة الخامسة، مع بدء الاهتمام بتقديس النيل، وقد أظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ.

وقد ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد وكتب عنها – أنهم كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم.

الفسيخ سيد مائدة شم النسيم

كذلك كان البصل من بين الأطعمة التي حرص المصريون القدماء على تناولها في تلك المناسبة، وقد ارتبط عندهم بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض، فكانوا يعلقون البصل في المنازل وعلى الشرفات، كما كانوا يعلقونه حول رقابهم، ويضعونه تحت الوسائد، وما زالت تلك العادة منتشرة بين كثير من المصريين حتى اليوم.

وكان الخس بالمثل من النباتات المفضلة في ذلك اليوم، وقد عُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة، وكان يُسَمَّى بالهيروغليفية “عب”، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة، فنقشوا صورته تحت أقدام إله التناسل عندهم.

ومن الأطعمة التي حرص قدماء المصريين على تناولها أيضًا في الاحتفال بعيد “شم النسيم” نبات الحمص الأخضر، وهو ما يعرف عند المصريين باسم “الملانة”، وقد جعلوا من نضوج ثمرة الحمص وامتلائها إشارة إلى مقدم الربيع.

واتخذ اليهود ذلك اليوم عيدًا لهم، وجعلوه رأسًا للسنة العبرية، وأطلقوا عليه اسم “عيد الفِصْح” – وهو كلمة عبرية تعني: الخروج أو العبور ـ حيث تزامن مع خروجهم من مصر – تيمُّنًا بنجاتهم، واحتفالاً ببداية حياتهم الجديدة.

وعندما دخلت المسيحية مصر جاء “عيد القيامة” موافقًا لاحتفال المصريين بعيدهم، فكان احتفال المسحيين “عيد القيامة” – في يوم الأحد، ويليه مباشرة عيد “شم النسيم” يوم الإثنين، وذلك في شهر “برمودة” من كل عام.وسبب ارتباط عيد شم النسيم بعيد القيامة هو أن عيد شم النسيم كان يقع أحيانا في فترة الصوم الكبير ومددتة 55 يوما كانت تسبق عيد القيامة ولما كان تناول السمك ممنوع على المسيحين خلال الصوم الكبير وأكل السمك كان من مظاهر الاحتفال بشم النسيم فقد تقرر نقل الاحتفال به إلى ما بعد عيد القيامة مباشرة. ومازال هذا التقليد متبعا حتى يومنا هذا.

واستمر الاحتفال بهذا العيد في مصر بعد دخول الإسلام تقليدًا متوارثًا تتناقله الأجيال عبر الأزمان والعصور، يحمل ذات المراسم والطقوس، وذات العادات والتقاليد التي لم يطرأ عليها أدنى تغيير منذ عصر الفراعنة وحتى الآن.

وقد استرعى ذلك انتباه المستشرق الإنجليزي “إدوارد وليم لين” الذي زار القاهرة  عام (1834م) فوصف احتفال المصريين بهذا العيد بقوله: “يُبَكِّرون بالذهاب إلى الريف المجاور، راكبين أو راجلين، ويتنزهون في النيل، ويتجهون إلى الشمال على العموم؛ ليتَنَسَّموا النسيم، أو كما يقولون ليشموا النسيم. وهم يعتقدون أن النسيم – في ذلك اليوم- ذو تأثير مفيد، ويتناول أكثرهم الغذاء في الريف أو في النيل”. وهي نفس العادات التي ما زال يمارسها المصريون حتى اليوم.

الخروج إلى الحدائق من طقوس هذا اليوم، يتبادل فيه الجميع التهاني، وتناول أطعمته الأثيرة، رغم ما أثير هذا العام من تحريم، أو تجريم، أو تحذير من الفسيخ!

بالمرح والفرح يستقبل المصريون أقدم أعيادهم وهنا صورة لاستعداد طفولي تام لشم النسيم بالبيض الملون

بالمرح والفرح يستقبل المصريون أقدم أعيادهم، في كل أنحاء مصر، تماما كما كان يتم الاحتفال به في كل أقاليم مصر القديمة وعواصمها، بطقوس مهرجانية بديعة وارتداء ملابس جديدة، والتنزة في الحقول، والموسيقى والرقص. وكان المثير للانتباه أن الكهنة والملوك والأمراء يشاركون الشعب احتفالاته بل يفتتحون مراسم وطقوس اليوم في الساحات الكبيرة بمختلف الأقاليم.

لكن المصريين هذا العام لهم رأي مخالف، في علاقتهم بالحاكم، فتحت عنوان نحمل البيض للقصر (سخرية من شعار الإخوان: نحمل الخير لمصر)، دشنت إحدى الصفحات المعارضة لسياسات الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، دعوة لتنظيم مسيرة إلى قصر الاتحادية الرئاسي، في يوم شم النسيم، لرمي القصر بالبيض الفاسد. وقال الداعون للمسيرة عبر صفحتهم على موقع التواصل الاجتماعي ”فيسبوك”: ”ندعو جماهير الشعب الغاضبة من حكم الإخوان المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتشاد يوم الاثنين، أمام مسجد النور بالعباسية في الرابعة عصرا في مسيرة نحمل البيض للقصر”.

وأضاف البيان، ”مسيرتنا مسيرة سلمية لقصر الاتحادية، حيث يقبع الديكتاتور مرسي الذي قام بصم آذانه عن طلبات الشعب المشروعة ونسي أو تناسى أهداف الثورة”. وعلقت صفحة ”كلنا 6 إبريل” على الفكرة: “خليه يشم ريحة فساده هو وأهله وعشيرته”.

من كلمات الأصدقاء على صفحات فيسبوك، تهنئة بشم النسيم، نقرأ ماذا يقول المصريون في عيدٍ يجمعهم منذ آلاف السنين:

  • كل عام وكل يوم وكل ساعة وكل دقيقة ومصر والبشرية كلها، بخير وطمأنينة وسلام، بعيداً عن الأحقاد والتفرقة العنصرية والدينية والحروب والفتن، كل عام والمصريون جميعاً في جمال ووعي وتاريخ وحضارة بلدهم، وفي أعيادها كلها يتشاركون في المحبة والحب واللقمة والماضي والحاضر والمستقبل.. (إبراهيم المصري).

  •  يامصر يارب دايما يبقي فيكي نسيم علشان نشمه :محمود قاسم 

  •  مصر العظيمة بلد الحضارة والتاريخ .. تحتفل بعيد شم النسيم منذ أيام الفراعنة وحتى اليوم وإلى ماشاء الله .. إنها عبقرية المكان والإنسان … كل سنة ومصر وشعبها طيب وبخير … ويارب دائما فوق كل الفتن والضغائن : فاطمة الزهراء حسن

  •  عشتم يا مصريين نسيمكم مشموم وفسيخكم مهضوم و حياتكم (ملانه) خيرات ….. يارب نلاقي كل سنة نسيم نشمه (حسن الحلوجي)

  •  كل سنة وأنتم بخير يا فراعنة العالم ، أيها المصريون الخلصاء ، حافظوا على خصوصية بلدكم ، ولا تتركوها للخراب … إنَّ مصر أغلى أوطان الأرض . فهي أبي وأمي وخالتي ، وعمتي ، وكل شبر فيها ينطق باسم حبيبتي .. (أحمد الصغير .. مواطن مصري)

  •  كل سنة واقباط مصر مسلميها ومسيحييها بخير….عشتم يا قبط عشتم (نشوى الحوفي)

  •  كل سنة ومصر دايما عالية.. كل سنة ونسيم مصر دايما منعش.. كل يوم واحنا متفائلين رغم الضباب واللصوص (محمد محمود عبد الغني).

  •  كل سنة وأنتم ونحن طيبين وبخير ويا رب احفظ مصر وجميع أهلها وجنبها الفتن (إبراهيم أبو شنب)

  •  من اقدم اسرة مصرية الى مصر الحديثة عيد سعيد فى اقدم اعياد الدنيا عيدشم النسيم (منصور الشريف)

  •  كل سنة ومصر وشعبها بخير وسعادة وآمان يارب (هبة فاروق)

  • كل سنة و كل أهلى و اصحابى و مصر كلها بخير بمناسبة اعياد الربيع و عيد شم النسيم وعاد الربيع من تانى … من مظاهر الاحتفال بليلة شم النسيم حفل الربيع والذى كان يذاع ليلة شم النسيم و كانت المنافسة على اشدها بين حفل حليم وحفل فريد حيث كان اهم مطلب للجماهير هى اغنية الربيع و التى اصبحت فيما بعد من مظاهر الاحتفال بشم النسيم و اعياد الربيع مع تمنياتى بقضاء وقت ممتع معها فلها فى نفسى ذكريات خاصة و جميلة (أمنية الموجي شديد)

  • بمناسبة شم النسيم.. أرجوكم ألا تضعوا كل بيض الربيع العربي في سلة واحدة (زين العابدين خيري)

  • لو ايزيس قررت تبحث اوزوريس الان لن تجد منه الا الجزء اللى كان ضايع واكله السمك واللى مش عارف الحكاية يقرأ التاريخ …..بمناسبة شم نسيم ضرب اسرائيل لسوريا (عبد الوهاب عبد المحسن)

  •  مش معقول المصريين بياكلوا الفسيخ بقالهم ٦ ألاف سنة .. محصلهمش حاجة .. وتيجي دلوقتي تقول لهم ده ممكن يجيب تسمم .. (أمير الغندور)

  •  من وجهة نظرى المتواضعة أن عيد القيامة وعيد الربيع هذا العام يأتيان بمذاق جديد عن العام الماضى ، حيث يتوحد الجميع ـ مسلمين ومسيحيين ـ ضد الجهل والتطرف والمتاجرة بالدين والسمسرة على البسطاء باسم الإسلام بعدما انكشف المستور بسرعة زمنية قياسية ، وهو مارأيته متجلياً منيراً فى التصفيق المذهل لشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب فى قداس العيد بالكاتدرائية .. كان مكان الخطاب هو الكنيسة بتاريخها الوطنى العريق ، والتى اختلطت فيها الدموع بالزغاريد بالصياح الثورى المتوهج .. وحدتمونا كما كنا أيها الأغبياء .. شكراً لكم (محمد كمال).  

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات