(آسيا إن) تسبح فوق موجات العيون الجارية في (تطاوين) التونسية

08:16 صباحًا الإثنين 6 مايو 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أطلال قصر الدويرات في تطاوين، تونس

تطاوين أو تطاون بكسر التّاء كلمة باللّغة ” البربريّة ـ الأمازيغيّة ” تعني       ” العيون الجارية ” , و البربر أو الأمازيغ هم إحدى أقدم الأعراق التّي سكنت أرض تونس الخضراء التّي يتشكّل سكّانها اليوم من فسيفساء عرقيّة اختلطت على مرّ العصور فمن أقدم السكّان المعروفين ” بحضارة قفصة ” التّي عاصرت الدّولة الحديثة لقدماء المصريين ” الفراعنة ” و ارتبطت معهم بعلاقات تجاريّة .. إلى ” البربر ـ الأمازيغ ” الذّين سكنوا المناطق الدّاخليّة بعد وفود ” الفينيقيين ” الذّين أسّسوا حضارة قرطاجنّة على السّواحل التّونسيّة و نافست الإغريق و الرّومان و خاضت معهم معارك طاحنة انتهت مع هزيمة القائد القرطاجنّي الفذ ” حنّبعل ” على يد الرّومان بعد أن كاد يقوّض أركان إمبراطوريتهم في قلب عاصمتهم الأولى ” روما ” , ثمّ دخول الرّومان لتصبح تونس ولاية رومانيّة إلى الفتح العربي الذّي تلته موجات هجرات عربيّة كبرى من المشرق و المغرب أسفرت عن تعريب تونس كليّة حتّى اليوم , ثمّ جاء الأتراك العثمانيّين لتتحوّل تونس إلى إيّالة عثمانيّة ضمن إيّالاتهم الواسعة في شمال إفريقيا التّي امتدّت من مصر و حتّى الجزائر مرورا بإقليم ” برقة ”     ” ليبيا ” حاليّا و ” إفريقيّة التّونسيّة ” .. أعقبها الإستعمار الفرنسي لتونس الذّي انتهى بحصول تونس على استقلالها الدّاخلي عام 1954 و الإستقلال التّام سنة 1956 و إعلان الجمهوريّة في 1957 , أغلب الظنّ أنّ هذه الأعراق الرّئيسة التّي تشكّل منها العمود الفقري لسكّان تونس الحاليّة إضافة إلى أعراق أخرى كالمالطيين و الصّقليين و الجنويين و أخرى قدمت من شمال أوروبا و بقيّة حوض المتوسّط فضلا عن الأندلسيّين الذّين اختلطت فيهم الدّماء العربيّة بالدّماء القشتاليّة و بقيّة الأعراق التّي كانت تسكن اسبانيا و البرتغال و كأنّ بضاعة العرب ردّت إليهم , لكنّ أصبحت تونس اليوم يغلب عليها الإنتماء العربي بفضل اللّغة و الدّين السّائد الذّي جعلها جزءا لا يتجزّأ من الحضارة العربيّة الإسلاميّة و كما نصّ دستورها بعد الإستقلال و كذلك الدّستور الذّي يتمّ وضع اللّمسات الأخيرة فيه بعد ثورة 14 جانفي الذّي تنصّ مادّته الأولى “أنّ تونس دولة حرّة مستقلّة لغتها العربيّة و دينها الإسلام ” , لكنّها تبقى دولة  كوزموبوليتانيّة بمذاق عربي تحتضن الأقليّات فيها بسلام ..

ثامر الزّغلامي مدير إذاعة تطاوين يتحدث إلى مستشار شبكة أخبار المستقبل آسيا إن أجا في تونس

قطعت بنا الحافلة التّي أقلّتنا إلى مدينة ” تطاوين ” 530 كلم حتّى قلب المدينة التّي أطلق اسمها على أكبر ولايات تونس من حيث المساحة لكي نزور تلك الولاية مع رفاقنا الذّين ينتمي معظمهم إلى المكتب المحلّي بالمنزه السّادس للجمعيّة التّونسيّة للمتقاعدين ” أحد أنشط مكاتب تلك الجمعيّة في المجالات الخيريّة و الإجتماعيّة و العلميّة و الذّي أبرم اتّفاقا مبدئيّا للتّعاون مع ” شبكة أخبار المستقبل آسيا إن أجا في تونس ” على كافّة الصّعد بغية مدّ جسور التّواصل مع آسيا عبر شبكتنا التّي تنتمي إلى اتّحاد الصّحفيين الآسيويّين آملين أن يكون ذلك التّواصل هو اللّبنة الأولى في التّعاون مع آسيا الفتيّة على كافّة المستويات حيث تحتاج ” تونس ” تلك الدّولة الهامّة في شمال إفريقيا مزيد من الإنفتاح على الآخر خاصّة في آسيا و هو ما اشتهرت به عبر العصور , و كان السيّد ” عبد العزيز الأحمر ” رئيس المكتب المحلّي للمتقاعدين بالمنزه السّادس ” كعادته حريصا على إطّلاع كلّ من شارك في الرّحلة إلى الجنوب التّونسي على تلك المنطقة التّي تغصّ بثروات التّاريخ و الجغرافيا حيث أنّ المنطقة التّي تغصّ بثروات التّاريخ الهام عبر العصور تتميّز فضلا عن موقعها و موضعها الإستراتيجي بثروات معدنيّة هائلة مازالت بكرا و غير مستغلّة كما يجب , و يكفي أن يعرف القارئ أن تلك المنطقة التّي تغصّ بالثّروات المعدنيّة لم تعرف إلاّ استغلال البترول عبر بئر وحيد في ” البرمة ” فيما تغصّ رمالها ” بالسّيليكون ” و ربّما الفوسفات فضلا عن تربة خصبة جدّا تتعطّش إلى توفير المياه اللاّزمة للزّراعة و استخدامها بشكل علمي رشيد , و لا شكّ أنّها تستحقّ عملا دؤوبا و شاقّا في مجالات أخرى كالتّعليم و الإغاثة و العمل الخيري حيث توجد التّجمّعات السكّانيّة الصّغيرة التّي تفصلها مسافات بعيدة من الصّحراء الشّاسعة ..

حارس مسجد الرقود السبعة

و قد شمل برنامج الزّيارة الإطّلاع على المعالم الهامّة في الولاية مثل قرية    ” شننّي ” “البربريّة ـ الأمازيغيّة” و كذلك “الدّويرات” حيث استقرّ البربرفي جبال المنطقة فيما استقرّت القبائل العربيّة عند السّهول الواسعة خاصّة عند “وادي فسّي ” أسفل ” الجبل الأبيض ” في مدينة ” تطاوين ” فضلا عن مناطق أخرى كالقصور منها ” قصر أولاد دبّاب ” و قصر حدادة ” الذّي شهدت أركانه تصوير بعض أحداث فيلم ” حرب النّجوم ”  الذّي صوّر الجزء الأوّل منه في ولاية تطاوين .

إضافة إلى ذلك زيارة “معتمديّة غمراسن ” التّي ينتشر أبنائها في أربعة أركان الأرض ممتهنين صناعة أنواع من الفطائر اللذيذة التّي اشتهرت بها “غمراسن” و مهنة تحميص المكسّرات و الفول السّوداني و اللّب .

كما اطّلعت بعثة آسيا إن على محتويات ” متحف الأرض ” الصّغير بمدينة تطاوين و الذّي يضمّ بين جنباته النّباتات و بقايا الكائنات المتحجّرة , و أنواع من النّيازك التّي تسقط في المنطقة , و عيّنات من الرّمال التّي تحتوي على السّيليكون و تبدو الكريستالات واضحة فيها تحت المجهر , و نفط خام جلب من بئر ” البرمة ” القريبة , و أجزاء هامّة من الهياكل العظيمة للدّيناصورات و الكائنات العملاقة التّي سكنت المنطقة في عصور جيولوجيّة قديمة ..

 – لم يفتنا أن نتذوّق نوع مميّز من “زيت الزّيتون ” الذّي تنتجه المنطقة و مازال بعضه يعصر على البارد بواسطة حجر عملاق على الطّريقة الرّومانيّة القديمة حيث تدير الجمال تلك الأحجار الثّقيلة .

 

مدير إذاعة تطاوين ثامر الزّغلامي يشرح عمل الإذاعة

موجات الأثير بعد أمواج المياه :

 بعد السّباحة سيرا فوق عيون تطاوين الجارية التّي تتدفق من باطن الأرض و تنحدر من فوق الجبال الصخريّة منذ أقدم العصور لتجدّد شباب المائدة المائيّة لولاية تطاوين و تروي حقولها العطشى .., كان لا بدّ لنا من السّباحة في الأثير عبر موجات إذاعة تطاوين التّي استقبلنا مديرها ” ثامر الزّغلامي ” مع بقيّة أسرتها مرحبّا بفتح آفاق جديدة للتّعاون مع” شبكة أخبار المستقبل آسيا إن ” حيث تحدث مع كاتب السّطور ممثّلها و مراسلها في تونس و السيّدة “سعيدة الزّغبي خالد ” مستشارة آسيا إن للمحتوى السّمعي البصري عن إمكانيّة توقيع إتّفاقيّة للتّعاون مستقبلا بين ” إذاعة تطاوين ” التّي تبثّ عبر الأقمار الصّناعيّة و الشّبكة العنكبوتيّة ” الأنترنت ” و لها جمهور عريض في شمال إفريقيا و دول المهجر حيث يعمل أبناء “تطاوين ” في بقاع كثيرة من العالم خاصّة دول حوض المتوسّط فضلا عن مستمعيها في ” دولة ليبيا ” القريبة جدّا من تطاوين و تطلع تلك الإذاعة لمدّ جسور جديدة مع العالم خاصّة في آسيا حيث أصبح العالم قرية صغيرة يهتمّ سكّانها بأخبار بعضهم البعض من أجل مزيد من التّفاهم و التّعاون , و قام العاملون بإذاعة تطاوين بتنظيم جولة لنا مع الوفد المرافق شارحين لنا إمكانات إذاعتهم و أسلوب العمل فيها .

سعيدة الزغبي مع زميلتها الإذاعية السيدة ليلي سحنون

قبل أن نغادر ولاية تطاوين إلى مدينة مطماطة الرّائعة من ولاية قابس على بعد مائة و ثلاثين كلم في اتّجاه الجنوب الغربي لتطاوين كان علينا إلقاء نظرة مطوّلة على الجبال العجيبة التّي تحيط بها فيما يشبه الدّائرة و التّي تبدو ساكنة صامتة لكنّها في حقيقة الأمر حافلة بالحركة و الأسرار , و لم تستطع المياه المعدنيّة السّاخنة المتدفقة من باطن الأرض في مدينة ” حامّة قابس ” لتدغدغ أبداننا في مغاطسها الرّائعة أن تنسينا مشهد تلك الكائنات التّي تتقافز بخفّة فوق صخور ” جبال تطاوين ” ليلا و التّي لا يمكن إدراك كنهها لكنّها ربّما تكون رافدا جديدا لعشّاق ” سياحة الماورائيّات ” .., و التّي كانت حافزا مشجّعا لأنّ أزعج الزّميل الإعلامي ” حاتم الغرياني ” ابن تطاوين المقيم في تونس العاصمة بمكالمة عند منتصف اللّيل لأستطلع الأمر بفضول صحفي ملحّ خاصّة و أنّه كان مرشدا ممتازا لرحلة لا تنسى إلى منطقة اشتهر أهلها بالطّيبة و الكرم و لذا لا يفوتني أن أشكر الزّملاء الإعلاميين ” عبد الصّمد الغرياني ” و “ليلى سحنون ” اللّذان استقبلونا في إذاعة تطاوين فشعرنا أنّنا عائدون لديارنا في قلب تطاوين السّاحرة .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات