تصعيد من تونس إلى مصر: أحداث الشعانبي والقيروان وسيناء

04:52 مساءً الثلاثاء 21 مايو 2013
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تونس: أحداث تسبق ما يأتي على مصر، في الثورة والنكبات

عندما اندلعت الأحداث الأولى في “جبل الشعانبي ” بولاية القصرين التونسية بالقرب من الحدود الجزائرية و التي نسبت إلى جماعات السلفية الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة توقعت على الفور أن تشتعل أحداث مماثلة في مكان ما من مصر و هو ما حدث بالفعل في سيناء ؛ و هو ما إعتدنا عليه منذ بداية الإنتفاضتين اللتين أطلق عليهما ثورات في تونس ومصر بالذات حيث كان واضحا للمراقبين للأوضاع عن كثب أن هناك إرتباط شرطي بين هاتين الدولتين في تشابه الأحداث إلى حد أن الأمور قد تبدو أنها فيلم سينمائي مخرجه واحد لم يحاول إجهاد نفسه في وضع لمسات و لو بسيطة تحدث قدرا من الإختلاف يكسر دوامة التكرار .. اللهم إلا إذا كان ذلك متعمدا لسبب ما قد نستطيع إدراكه فيما بعد ..

ـ حتى تسريب إمتحانات إتمام الدراسة الثانوية في البلدين حدث بنفس الطريقة ؛ و لم يكن غريبا على من يراقب الوضع أن الذين شملهم العفو العام و إطلق سراحهم من السجون قد عاد بعضهم لإرتكاب الجرائم في حق المجتمع ؛ و كان واضحا للعيان صعود التيارات السلفية على تنوعها إلى صدارة المشهد السياسي و عودة من كان مشتتا منهم في المنافي سواء كان مطلوبا للعدالة أو ينتظر إلى البلاد متمتعا بالعفو و الأمن إلى حد إتهام المعارضة في البلدين لتيارات الإسلام السياسي التي أعتلت سدة الحكم في تونس و مصر أنها إستقدمت زعماء تلك التيارات مع أنصارهم للإستقواء بهم و التلويح بأنهم ذراعهم المسلحة عند أي صدام قد ينشأ في المستقبل .. على الرغم من الشد و الجذب الذي يحدث أحيانا بين التيار السلفي و التيار ذو المرجعية الإخوانية و الذي وصل مؤخرا إلى ذروته من خلال تكفير االتيار السلفي لحركة النهضة في تونس و الإخوان المسلمين في مصر و إتهام السلفيون لهم أنهم عبيد الولايات المتحدة و عملائها الطواغيت ؛ لكن أغلب تيارات المعارضة قي البلدين إعتبرت ذلك من قبيل الخداع السياسي و توزيع الأدوار الذي تتقنه تيارات اليمين الديني المتطرف التّى عرف عنها العمل من خلال أنساق متعددة تكفل لها أكبر قدر من المناورة إزاء خصومها .. ؛ و من اليسير ملاحظة أن اليمين الديني المتطرف يحظى بدعم و تنسيق واضح مع الإدارة الأمريكية التي تحالفت معهم بصورة واضحة كانت في أجلى صورها في سورية رغم عداء بعضها الواضح للولايات المتحدة في خطابها السياسي على الأقل و هو ما يعتبره كثير من المراقبين نسق من أنساق توزيع الأدوار أو التحالف المرحلي كما كان الحال فيما مضى بين الولايات المتحدة و قيادات تنظيم القاعدة الذين لم ينكروا علاقتهم بالأمريكان و أن برروا ذلك آنئذ بحجة العدو السوفيتي المشترك ..
ـ لابد أيضا من ملاحظة أمر مشترك بين الحالتين التونسية و المصرية و هي أن أخبار الإدارتين الحاكمتين الآن

الدقيقة يمكن متابعتها من وكالة الأناضول التركية و قناة الجزيرة القطرية قبل وكالات الأنباء الأخرى بما في ذلك الوكالتين الرسميتين في تونس و مصر ..
ـ لكن المذهل خلال الأيام الأخيرة أنه مع تصعيد الوضع في تونس في ” جبل الشعانبي ” ثم إصرار السلفيين ممن عرفوا بأنصار الشريعة في تونس على عقد ملتقاهم السنوي في القيروان رغم رفض الدولة و الذي أسفر عن وقوع صدامات بلغت ذروتها عندما إنتقلت إلى أحياء ” التضامن ” و ” الإنطلاقة ” في تونس العاصمة و التي أصيب فيها أعوان الأمن التونسي و عدد من السلفيين لقي أحدهم مصرعه متأثرا بجراحه .. ؛ وقعت عملية إختطاف الجنود المصريين السبعة في شمال سيناء في تصعيد غريب و متزامن ؛ و يلاحظ هنا أن الموقف التونسي حتى كتابة تلك السطور كان أكثر حزما فيما يخص المواجهة مع السلفيين رغم حديث بعض قيادات حركة النهضة عن إعتزازهم بالحركة السلفية و الحوار معهم .. فيما بدا الموقف الرسمي المصري على مستوى مؤسسة الرئاسة و موقف عدد من قيادات جماعة الإخوان أقرب إلى التخفيف من وطأة الحدث و التبرئة التامة لحركة حماس التي أصبحت تحظى بكراهية واضحة من الرأي العام المصري الذي يحملها مسئولية مباشرة عما يحدث و يتهمها بالتواطؤ مع الجماعات المرتبطة بالقاعدة ؛ و هو ما عبر عنه بوضوح الجنود المصريين الذين أغلقوا منفذي رفح و العوجة مع غزة لحين عودة زملائهم مع تحميل رئيس الجمهورية ” محمد مرسي ” مسئولية سلامة زملائهم و هتافهم المهدد ” دم بدم يا حماس ” ..

ماذا سيحدث خلال الأيام أو الساعات القادمة في مصر؟

ـ إلا أن تداعيات الموقف لم تنتهي مع محاولة أنصار تيار اليمين الديني المتطرف في مصر و الذي لا يتحرك من تلقاء نفسه تحميل قيادات الجيش المسئولية دون التطرق إلى الداخلية التي يتهم وزيرها بالمولاة للإخوان رغم مسئوليته المباشرة ؛ و هنا نعود مرة أخرى إلى تونس التي أتهم فيها أنصار اليمين الديني الأمن و الجيش بالتصعيد و إلقاء التهم على التيار السلفي .. بل و إمتد الأمر إلى إتهام المخابرات الجزائرية بالتواطؤ مع الأمن و الجيش في تونس فيما وصفوه بالمسرحية التي تهدف إلى شيطنة التيار السلفي .. ؛ و بطبيعة الحال فالهجوم مازال مستمرا في تونس و مصر ضد مؤسسة الإعلام من قبل أنصار اليمين الديني ..
ـ لكن آخر المستجدات في تونس تحمل المرء على التفكير فيما سيحدث خلال الأيام أو الساعات القادمة في مصر .. ؛ فقد شهدت الفترة السابقة في تونس تراجعا ما في شعبية ” حزب حركة النهضة ” و تراجعا حادا في شعبية التيار السلفي و تأييدا واسعا للمؤسسة الأمنية و الجيش خاصة مع إندلاع أزمة “القيروان ” التي أثرت بلا شك على شعبية اليمين الديني ؛ و لكن فجأة و بدون مقدمات منطقية تذهب فتاة تدعى ” أمينة ” يقال أنها من النشطاء الحقوقيين إلى “القيروان ” المحافظة محاولة التجرد من ملابسها حسب مزاعم البعض الذين إدعوا أيضا أنها أراقت الخمر و كتبت عبارات بذيئة في الحرم الخارجي لجامع ” عقبة بن نافع ” .. ؛ و رغم إلقاء قوات الأمن القبض عليها و إحالتها إلى ” حاكم التحقيق ” إلا أن ما حدث قد أحدث حراكا ملحوظا في الرأي العام خاصة في تلك المدينة المحافظة و تسبب في تبديل المزاج العام إلى حد ما ليعود بعض التعاطف المفقود مع التيار السلفي و اليمين الديني بشكل عام بما يذكر بأزمة فيلم ” برسيبوليس ” المسيئ للإسلام الذي بثته إحدى الفضائيات التونسية قبل إنتخابات المجلس التأسيسي و كان له أثر كبير من وجهة نظر كثير من المراقبين في صعود حركة النهضة في الإنتخابات و الحصول على أكثرية تتيح لها الإستحواذ على مفاصل الدولة و السيطرة عليها .. ؛ و لم تتوقف الأزمة التي أثارتها ” أمينة ” في القيروان عند هذا الحد فقد أثار حفيظة قطاع كبير من المجتمع التونسي الدفاع الشديد ممن يوصفون ” بالفرانكوفونيين ” عن ” أمينة ” باسم الحرية دون مراعاة للمشاعر الدينية و العادات و التقاليد عند غالبية الشعب .. ؛ و هو ما أتاح للبعض الإدعاء أن في مؤسسات الدولة من يكيل بمكيالين و ما يحرم على السلفيين و لو بإستخدام القوة .. يتاح لأمثال ” أمينة ” بإسم الحريات ..
ـ لا شك أن ما حدث هو أحد أطواق النجاة التي يلقيها البعض لليمين الديني المتطرف بين الفينة و الأخرى لينقذه من السقوط من أعين الشعب في اللحظة الحرجة و هو لعمري من قبيل المؤامرة لا الرعونة أو الغباء السياسي فالمؤامرة قائمة و تقبح وجه تاريخنا المعاصر و اسألوا “برنارد لويس ” و ” ليفي” و ” أبو فلان القندهاري و أبو علان الألباني ” .. ؛ و إني لأتساءل من الآن عن من سيلقي بطوق النجاة للإرهابيين في سيناء و نظام الإخوان في مصرإن لم يكن قد ألقاه بالفعل..” قاتلهم الله أنى يؤفكون”

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات