هيروشيما المحطة

10:42 صباحًا الأربعاء 7 أغسطس 2013
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

حقيقة تاريخية : ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتها الذرية الأولى على مدينة هيروشيما اليابانية في الساعة الثامنة والربع صباح يوم السادس من أغسطس عام 1945، ثم ألقت القنبلة الذرية الثانية بعد ثلاثة أيام على مدينة ناجازاكي اليابانية في الساعة الحادية عشرة ودقيقتين قبل الظهر، مما حول المدينتين إلى بقعتين من دمار شامل لم تعرفه البشرية.

نشأت هيروشيما على دلتا نهر أوتا، وتفريعاته الستة، ووصلت بين أعضائها جسور كثيرة، وكان النهر صديقا عزيزا للأطفال، وجزءا من حياتهم، لكنه في ذلك الصباح البغيض، كان مقبرة لهم، ولعائلاتهم، ودفنت القنبلة ثلث سكان المدينة، إذ بلغ الضحايا في هيروشيما وحدها 140 ألف إنسان.

في الذكرى الستين كتبت ونشرت هذه المسرحية في مجلة (أدب ونقد)، مصر، واليوم بعد 8 سنوات، أقدمها للقراء، لأننا نعيش أزمة أكبر، مع الحرب والسلام غير الآمن، الذي بدأته تلك القنبلة اللاإنسانية. 

رئيس وزراء اليابان، شينزو آبي، في منتصف الصورة، يصلي أمام النصب التذكارية لضحايا القنبلة الذرية بمدينة هيروشيما ، في الذكرى 68 لضرب المدينة (هيروشيما، 6 أغسطس ، عدسة شيزو كامباياشي، أ.ب)

هيروشيما المحطة (مسرحية)

المشهد الأول

 على مدخل الجسر الزراعي المؤدي إلى قرية مصرية صغيرة ترقد على نهر النيل في شمال مصر. المشهد لموقف الحافلات، حيث يتوزع بعض المسافرين والمستقبلين والمودعين بانتظار الحافلات القادمة على طريق العاصمة. سيارات تبدو في خلفية المشهد تتحرك من اليمين لليسار وبالعكس. الأعلام المصرية واليابانية موزعة بشكل مرئي ولافت، ولافتة تحمل اسم القرية (هيروشيما المحطة). المسرح دائما مقسم إلى قسمين، حيث يمكن نقل الحوار خلال المشهد الواحد على مستويين. والوقت صباحا.

 على يمين المسرح شابان وفتاتان، بملابس عصرية، وإلى اليسار مجموعة من كبار السن، بالملابس الرسمية بينهم المحافظ، وعمدة البلد، وبعض كبار الموظفين.

الشاب 1:

أشعرُ اليومَ  ـ أيها الأصدقاء ـ بفخر كبير،

يمرحُ الهواءُ ـ في رئتي  ـ بحريةِ طائر

وأملِ برعم صغير،

اليومَ سيذكرُ كلُّ العالم “هيروشيما المحطة”،

مثلما يتذكر “هيروشيما” البلد.

(يتوجه للجمهور)

قبل ستين سنةٍ،

حين حَلق طائرُ الموتِ ليسدَّ نورَ الحياةِ

عن سماء مدينة هيروشيما في اليابان

انتقل خبرُ المأساةِ

من الشرق للغرب،

كما تنقل الريحُ رمادَ جثة تيبست في العراء.

كان العلامةُ ابن قريتنا

العائد من بعثته في السوربون،

يرغبُ بمشاركةِ العالم حزنه،

فدعا العمدة وشيوخ القرية إلى منزله،

وهناك قالَ لهم:

يدخل صوت الشاب 2:

ليس لدينا يا أخواني مال نرسله

لضحايا المحرقةِ،

ليس لدينا ما نفعلهُ

لبلادِ الشمس المشرقةِ،

لكن بعد ما جرى لهم،

قد تدور علينا

شقا الرحى وتهوي المطرقة.

الشاب 1:

الكل أجاب في نفس واحد،

“إن ماتت هيروشيما هناك،

فلنذكرها هنا،

مع العالم المتحضر،

بالمشاعر الصادقة”..

فتاة 1:

ماذا كانت تملكُ قريتُنا

فتاة 2

في ذلك الزمنِ البعيدِ؟

الشاب 2

قالوا نتظاهرُ ضدَّ الحربِ..

فتاة 1

لكن الحربَ انتهتْ،

وبعد هيروشيما

حل الموتُ الأسودُ بشقيقتها نجازاكي.

الشاب 1:

قالوا نعوِّضُ الضَّحَايا ..

فتاة 2

لكن العينَ بصيرة، وأيادينا قصيرة!

الشاب 1

قرر أهل القرية جلستهم

أن يغيروا اسم قريتنا

كانت هيروشيما البلد تحتضر

في سرير النار

واختاروا أن تبقى “هيروشيما المحطة”

شاهدة حية على ذلك الدمار.

إلى اليسار، كبار المستقبلين، يتوجه المحافظ إلى عمدة القرية:

المحافظ (مبتسما):

يوم مشمس يا حضرة العمدة،

وكأن الجو يحتفلُ بقدومنا!

العمدة:

هكذا الصيف دائما عندنا

يا سعادة المحافظ!

المحافظ (خجلا):

صحيح .. صحيح ما أسرع الأيام،

فأنا أزور “هيروشيما المحطة”

مرة كل عام!

المحافظ (يخاطب موظفا يبدو عليه سمات البيروقراطية، وكأنه مدير مكتبه):

راجعْ برنامجنا،

حتى تتأكد من دقائق الأمور؟

عين الحكومة ترقبنا،

فضلا عن أذن المأمور!!

الموظف:

لسعادتكم أيدٍ محترفة،

لا تترك شيئا للصدفة؛

وزعنا الأعلام الرسمية،

وزعنا الأوراق الرسمية،

وزعنا الصور الرسمية،

وزعنا أسماء الوجبات الرسمية،

وقياسات الأزياء الرسمية،

حتى الحمير

يا سعادة المحافظ

كممنا أفواهها

حتى لا تنهق بنشاز

عن الأصوات الرسمية!

المحافظ (بقلق):

هل تكفي الأسِرَّة في بيت الضيافة

عدد الزوار؟

ربما يمتد الحفل

وليس من اللطافة أن نطردهم

قبيل مطلع النهار!!

الموظف (بنبرة يقين):

أرجوك لا تقلق أبدا، فالنقلُ يسيرٌ جدا،

ما أن ينتهي الحفل، حتى تتحرك قافلة الضيوف.

المحافظ (هامسا):

هل معهم أحد من مكتب الرئاسة؟

الموظف (بنفس درجة الهمس):

حتى الآن،

لم ترد إلينا أية أخبار،

لكن إشاعات تأتي من خلفِ ستار،

أن السفير الأمريكي قد يأتي!

المحافظ (منزعجا):

اطرد من وجَّه له الدعوة!

الموظف (بخوف):

لقد دعا نفسه يا سعادة المحافظ.

المحافظ يتحرك في قلق ، يحاول الاتصال مستخدما هاتفه المحمول:

هذا ما كان ينقصنا،

ألو،

نعم نعم

إنه أنا،

لم يصلني خبر

أن السفير الأمريكي سيحضر الاحتفال،

أنا، أعترض،

لا، وبكن يُفترض …

(بلغة طائعة)

نعم،

الأمن يعرف دوره،

نعم،

ربك يكمل بستره.

يوجه الكلام للموظف:

صدقت الإشاعات،

إنه قادم في الموكب الرسمي،

قال بأن لديه تقارير عن تحضير لمظاهرات

ضد القطب الأعظم!

الموظف:

ليس لدينا خبرٌ،

لكن من يعلم؟

أصوات أبواق سيارات، هرولة من الحرس، إلى اليسار تبدأ الشخصيات بالظهور والخروج من سياراتها ، وكل شخصية تخرج يسلم عليها المحافظ، ثم تصطف لمشاهدة العرض الراقص الذي أعدته القرية لاستقبال الضيوف على المحطة.

المنادي:

النازل في هيروشيما المحطة.. وصلنا هيروشيما المحطة!

رئيس التشريفات ينطق بأسماء الضيوف، واحدا بعد الآخر، وزغاريد تنطلق بعد إعلان كل اسم، حتى يأتي اسم السفير الأمريكي، فتنطلق ولولة:

رئيس التشريفات:

السيد المحافظ .. حضرة العمدة ..  تفضلا رحبا بضيوفكم .. سعادة سفير اليابان في مصر كوجي نايتو (زغاريد)، سعادة الدكتور حسين شريف سفير مصر في اليابان (زغاريد) السيد فوميكو هايديكو أحد أبناء هيروشيما (زغاريد) السيدة هيساو هاشيا ممثلة لضحايا هيروشيما (زغاريد)  سعادة السفير الأمريكي جون رايد (ولولة وبكاء) سعادة أوساكا سوزوكي عمدة مدينة هيروشيما (زغاريد) مندوبو جمعية الصداقة بين هيروشيما البلد وهيروشيما المحطة ..  وفرقة “الشمس المشرقة” لفنون الرقص الحديث في اليابان(زغاريد) .. أهلا بالضيوف الكبار، وأهلا بالضيوف المرافقين (زغاريد مطولة)..

 بعد أن يصافح المحافظ والعمدة الضيوف ويقفان وسط الصف .. يبدأ العرض، وعلى أنغام الأغنية تنطلق فرقة راقصين وراقصات بالأزياء الشعبية المصرية، لتقديم تابلوه غنائي ينهي المشهد الأول:

من قلبنا هنا

في هيروشيما المحطة

لاخوتنا هناك

في هيروشيما البلد

نغني ،

والحروف تداوي الجروح

ونرقص ،

وأسماء الضحايا في قلب الروح

في القلب وفي النن

(ستار)

المشهد الثاني

 في قاعة الاحتفالات بالقرية. الوقت عصرًا. تبدو في خلفية المسرح خلف سور قصير أشجار وبيوت وأبراج حمام. في منتصف خلفية المسرح منصة لإلقاء الكلمات. وعلى شمال المسرح شاشة كبيرة للمشاركة السينوغرافية في العرض. على اليمين يجلس المحافظ والعمدة مع الضيوف. تتوزع كراسي الحضور من أهالي القرية بين خشبة المسرح، ووسط صفوف الجمهور. لافتة تقول : أهالي هيروشيما المحطة يرحبون بأبناء هيروشيما البلد في الذكرى الستين لضحايا القنبلة الذرية. الأعلام المصرية والأعلام اليابانية تتوزع في سقف المكان. والورود باللونين الأبيض والأحمر في الأصص الموزعة أمام الحضور، وعلى خشبة المسرح. تصفيق ومقدم الحفل يتقدم نحو منصة الكلام…

مقدم الحفل:

يُسْعِدُني أن أستقبلَ

في “هيروشيما المحطة”

الأصدقاءَ من هيروشيما البلد.

تعلمون؛

لم تكنْ وحدها قريتنا التي

هزها الألم،

لكنها اختارت أن تكون شاهدة عليه

ومتضامنة معه.

منذ ستين عاما

أصبح كل ابن مسافر من هنا

رسول سلام،

يحمل معه رسالة الطيور التي تسكن هذه الأبراج (يشير لأبراج الحمام)

مثلما يحمل رسالة الحب للحياة

الذي يسكن هنا (يشير للقلب)

هذا الحفل أيها الأصدقاء

الذي ننقله مباشرة على الهواء

عبر القمر الصناعي واحد، والقمر الصناعي واحد ونصف،

من اليابان إلى اليونان، وكل مكان،

سيقدم صورة عن احتفال قريتنا

نموذجا للتآخي بين الشعوب.

يبدأ الآن العرض الراقص الذي أهدته لنا

مدينة هيروشيما البلد

في هذه المناسبة

فلنحيي فرقة “الشمس المشرقة” للرقص الحديث

التي ستقدم لنا فاصلا غنائيا راقصا  .. بدون ترجمة ..

(يضحك ثم ينسحب بينما تتقدم الفرقة اليابانية)

(بعد عرض راقص للفنون اليابانية يتقدم مقدم الحفل)

مقدم الحفل وهو يصفق:

يسعدني أن أشارك الجميع هذه المتعة،

ومن متعة البصر، إلى متعة الحروف،

السيدة هيساو هاشيا حفيدة الطبيب الذي شاهد

جراح هيروشيما

ستقرأ عليكم بعضا من يوميات جدها،

فلتتفضل …السيدة هيساو هاشيا ..

(تتقدم هيساو هاشيا بصحبة طفلة إلى المنصة، تفتح كتابا وتضعه ، لتقرأ منه، وفي تلك الأثناء، تعرض على الشاشة صور تمثل معادلا بصريا للكلمات التي تنطلق بها هيساو هاشيا )

 

هيساو هاشيا:

في صبح السادس من أغسطس

سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف،

في ساعة البكور،

في الصباح الذي يغمر أوراق الشجر،

بالنور والحبور

كان جَدِّي الطبيب هاشيا هناك

يراقبُ الأمل.

بعد قليل كان سيذهبُ

مع بركة الله

كي يداوي الجراح

في المشفى القريب.

لكن

تحت الظل الذي يرسم الحياة،

هبط شهاب النار من السماء.

ثم تحول الشهابُ لأخطبوط مارد،

ينثر الرماد والدخان

بين أشرعة اللهب والظلام.

ماتت الشمسُ واحتضر الصباح،

وتساقطت أعمدة المنازل

كالعصي التي نأكل بها الأرز

حين يلهو بها الأطفال.

بحيرة المنزل صارت تغلي،

تطهو الكائنات بها

كما يأكل جسدَ الشواء موقدُ التنور ..

تضاء الشاشة إلى اليسار ويظهر ثلاثة أشخاص موزعين على هيئة هرم .. إسقاط الضوء على الشخصيات بالأزرق والأحمر والأبيض، ويبدأ كل منهم في إلقاء شهادته:

صاحب الظل الأحمر:

الجسور على نهر أوتا ألسنة حمراء،

من النار والدماء!

والموج يصهر المراكب والنفوس.

صاحب الظل الأبيض:

وتطفو على صفحة المياه

الكائنات التي غادرتها الحياة؛

الخيوط والقطط،

الأوز والأسماك!

صاحب الظل الأزرق:

(يشير بيديه لعمق المسرح كأنه يشاهد النهر)

رجل بلا رأس هناك،

رضيع بلا ذراع هنا،

وفوق وجه القبر المصهور

تحت التنور

فتاة بلا ساقين!

صاحب الظل الأحمر:

سقط الجلد من أجساد الصغار والكبار

كما تسقط الثياب الرثة

من فوق خيال المآتة!

صاحب الظل الأبيض:

وغابت الشمس

أصبحت مثل بقعة من الحليب الجاف

فوق ستارة سوداء هي السماء!

صاحب الظل الأزرق:

وبدأنا نشم رائحة الموت والصديد،

بين طحين العجين والدماء،

التي كانت قبل ذلك الصباح

أجسادا لبشر مثلنا!

صاحب الظل الأحمر:

في هيروشيما، ما قبل جحيم القنبلة الذرية،

حفرنا الملاجيء في كل مكان،

وجعلنا من كل الحفر ملاجيء.

كان الخارج منها موءود، بالنار والدخان.

صاحب الظل الأزرق:

وكنا نستعد ليوم القيامة

حتى يتعرف ملوك الحساب على جثثنا،

فكنا نضع أسماءنا وعناويننا

في لوحات معدنية

مثبتة في ملابسنا الداخلية!

صاحب الظل الأبيض:

لم يكن الناجون هم المحظوظون

بل هؤلاء الذي لم يروا بأعينهم

احتضار أعز من لديهم

كان يبحثون بين الرفات

عن بقايا الزوجات والأخوات

وعلامات الأبناء والبنات!

تبدأ هيساو هاشيا بالبكاء، تصمت، يصفق الحضور، تتابع المشاهد المصورة ـ والتي يمكن الاستعاضة عنها بمشاهد صامتة لأصحاب الظلال الثلاثة ـ  ولا يبقى بقعة من ضوء إلا عليها والشاشة الفضية إلى يسارها، تستجمع قواها، وتبدأ مرة أخرى ..

هيساو هاشيا:

حاول الجدُّ هاشيا الهروب،

بدأ يهرول مع جدتي

فوق جسور من الجثث التي انصهرت

فأصبحتْ مثل أسفلت الطريق

لزجة ومتفحمة.

كان الصهدُ قد سلبَ الجميع ملابسهم،

وحين وصل الجد هاشيا المستشفى،

بدأت رحلة الألم الحقيقية،

حين كان الموت أهون.

مات ثمانون ألفا صباح ذلك اليوم،

بعد أيام لحق بهم أربعون ألفا آخرون،

بسبب الحروق،

وعجز المستشفيات

عن استيعاب المصابين.

(تبدأ أصوات الجمهور تتصاعد بين بكاء السيدة هاشيا وهتاف الشباب)

صوت 1:

تشجعي هيساو هاشيا..

صوت 2:

الموت للقتلة!

صوت 3:

القاتل بيننا الآن .. القاتل بيننا الآن .. السفير …. آه

(صمت .. بعد تأوه .. ويبدو أن الهاتف قد أسكت بالقوة)

هيساو هاشيا:

كانت عينا جَدِّي تتابعُ الصورَ المؤلمة؛

رجل منصهر  فوق الدراجة

ربما كان عائدًا بالخبز للبيت والعيال،

كما كان يفعل خمسين عاما..

ومئات تشوهوا في مياه النهر،

حسبوه سيطفئ الظمأ

فأطفأ الحياة في العروق

لأنه كان يغلي.

في كل ركن من هيروشيما

كانت صورة اختلاط الماء بالدماء،

وجثث الرجال الموتى بالنساء.

وأخذ الموتُ يمرحُ كحصان فقد عينيه،

فأخذ يخبط كل ما في طريقه من الأحياء.

ربما هرب الآلاف

ونجا المئات

لكن جبال الألم

ظلت تنزف بالمطر الساقط من سحب الذكرى

أنهارًا نشرب منها كل يوم …

(المحافظ يتحدث لمقدم الحفل):

المحافظ:

بدأ الجو يعج بالمتذمرين،

أخشى لو أكملت السيدة هيساو هاشيا هذا التأبين

أن يصحو الألم النائم منذ سنين

ونحن ننقل ذلك كله على الهواء

لكن مصيرنا سيكون إلى التراب!

(مقدم الحفل يدخل مصفقا، مقاطعًا ويستدعي تصفيق الجمهور، وهو يقول):

مقدم الحفل:

هائل أيتها السيدة هيساو هاشيا، أحسنتِ، وأجدتِ، وأعدتِ لشجرة الألم في قلوبنا الحياة، ونحن نشكرك على قراءة أوراق جدك الطبيب، الذي ساهم مع أخوانه في إنقاذ الآلاف.

السيد المحافظ سيقدم لك درع “هيروشيما المحطة”، تحية من أبناء القرية لصمود جدك، وجهده..

(يتقدم المحافظ وتتقدم صبية حاملة الدرع ، يأخذ المحافظ الدرع من الصبية ليسلمه إلى السيدة هيساو هاشيا وسط التصفيق وصعود بعض المصورين، وحين يرجع كل منهما إلى مكانه يستمر مقدم الحفل في تقديم برنامجه)

مقدم الحفل:

كما يشرفنا أن يتقدم حضرة العمدة ليهدي إلى السيد فوميكو هايديكو أحد أبناء هيروشيما، الذين نجوا من القنبلة الذرية درع قرية “هيروشيما المحطة” …

(يتقدم العمدة وتتقدم صبية حاملة الدرع ، يأخذ العمدة الدرع من الصبية ليسلمه إلى السيد فوميكو هايديكو  ـ العجوز الذي تخطى الثمانين ـ وسط التصفيق وصعود بعض المصورين، وحين يرجع كل منهما إلى مكانه ـ والعمدة يسند السيد  فوميكو هايديكو ـ يستمر مقدم الحفل في   تقديم برنامجه..

مقدم الحفل:

ونود أن نشكر سعادة سفير اليابان

السيد كوجي نايتو

على إهداء معرض صور تاريخ هيروشيما

إلى متحف القرية،

وأن نشكره على دعم حكومة اليابان لمدارس قريتنا.

(تصفيق من الجمهور، ينهض السفير الياباني في مكانه وينحني للجمهور ضاما يديه)

مقدم الحفل:

والآن يقدم شاعر القرية قصيدته “هيروشيما 60”.

يتقدم شاب من وسط الجمهور، حاملا قصيدته، وسط أصوات مشجعة .. ” أسمعنا .. أسمعنا ” حتى يصل إلى المنصة، فنرى فيه نفس الشاب رقم 1 في المشهد الأول. مثلما حدث مع يوميات السيدة هوشيا نرى المشاهد المصورة على الشاشة إلى اليسار ولا يبقى بقعة من ضوء إلا على الشاعر والشاشة الفضية.

الشاعر/ الشاب 1:

شَجَرَةُ النَّار التِي

مَاتَتْ الحَياةُ في ظلـِّهَا

قبلَ ستينَ سنةٍ

لا يزالُ دخَّانُها يزكُمُ الأنوف،

لا تزالُ الريحُ تنثرُ في الهواءِ بذورَهَا

لا تزال صناديق تفاحها الأسودِ

تنبتُ فوق موائدِنا.

تنقرضُ الحدائقُ الجوراسية،

تنقرضُ الحدائقُ المعلقة،

ينقرضُ الأملُ،

وحدَها تبقى أشْجَارُ النار حيَّة

تلقِي بها تنانين عملاقة

يُمْسِكُ مِقوَدَهَا

أقزامٌ يلوِّحُون بعلاماتِ النَّصْر

من خلفِ الدُّخان،

من فوق الجُثَثِ.

(تصفيق .. وصراخ : يسقط القتلة!!)

الشاعر مستكملا:

البذورُ التي خَصَّبتِ الأرضَ فخضبت القلوب بالدِّمَاءِ،

“هي الأصل”،

سنظل نغرسُها

حين نكتفي بالمرطبات

أمام علب الموتِ المصورة،

كي نمرر جثث الأصدقاء عبر غصة حلوقنا.

أو حين يكفينا الحديث عن محاسن الراحلين

نحن الآمنين في التوابيت المكيفة.

(يتحرك الشاعر وهو يتوجه ببصره إلى السفير الأمريكي. تتباطأ حركته ليتوقف تماما أمامه. يبدأ الشباب يزحف من جنبات المسرح ومن بين الجمهور).

صوت 1:

هذا هو القاتل

بليد الحس..

صوت 2:

قاد أسلافه المذابح  في هيروشيما

وفييتنام..

صوت 3:

ويقود أخوانه وأصدقاؤه اليوم المذابح

في العراق وفلسطين  وأفغانستان.

صوت 4:

عليه أن ينسحب

صوت 5:

أو يعتذر!!

(يحدث هرج ومرج . يتقدم مجموعة من الشباب لينتزعوا السفير الأمريكي من مكانه، ويجرونه إلى يسار المسرح أمام الشاشة السينوغرافية، ثم يأتون بما يشبه السور ليصنعوا قفصا يحبسونه به).

الشاعر/ الشاب 1:

توقفوا .. توقفوا

إنه ضيفنا..

المحافظ:

ماذا تفعلون أيها المجانين!

أصوات غاضبة:

الاعتذار .. الاعتذار

الاعتذار أو النار!!

الشاعر (وهو يعود إلى المنصة):

وماذا ينفع الاعتذار؟

جاء بيل كلينتون

إلى ميناء جوريه في السنغال،

ليعتذر عن قرون من تجارة العبيد،

الذين كانوا يُخطفون من قارتنا السمراء

ليبنوا أمريكا.

فهل أعاد الاعتذار ملايين العبيد؟

هل يكفي أن تقتلني اليوم،

لتعتذر لأحفادي غدا،

لو بقي لدي أحفاد؟

المحافظ للشاعر:

هل تهدئهم أم أنك تستثير الغضب فيهم؟

أحد الشباب الثائرين (مشيرًا إلى السفير الأمريكي):

هو من أشعل النار بقدومه إلى هنا.

نحن أردنا التعبير

عن مشاعر التآخي التي بدأها ابنٌ من هذي القرية

مع مدينة مطحونة

فلماذا هلَّ علينا بطلعته

كي يحشرَ أنفَه،

أم كي يفرضَ رأيه؟

الموظف الكبير مهرولا نحو المحافظ:

مكالمةٌ من الرِّئاسَة!

المحافظ:

رحنا في الدَّبَّاسَة !!

(ستار)

 المشهد الثالث

(داخل مكتب المحافظ. الوقت ليلا. آلات تصوير موزعة في كل مكان، تتحول الشاشة إلى اليسار إلى تليفزيون عملاق. تتغير عليه الشاشات. مرة شاشة السي إن إن . مرة الشاشة الحكومية. .. إلى آخره.)

 المذيع يتحدث إلى المحافظ:

 كيف ستنجح يا سعادة المحافظ في حل هذه المشكلة الدولية؟

المحافظ:

نحن نحاول، نحن نحاول، وقريبا سنفك سراح السيد جون رايد.

المذيع:

نعلم أن السيد رايد مأسورٌ في  برج حمام. ماذا يعني ذلك في رأي سعادتكم؟

المحافظ:

هذا يعني أن المختطفين دعاة سلام، لو كانوا ينوون القتل لحبسوه في المسلخ البلدي! فالحمام رمز السلام، وقريبا بتفاوضنا معهم سيفكون سراح السيد رايد..

(صمت يتحول الجميع لمتابعة شاشة السي إن إن)

المذيع في السي إن إن:

الرئيس الأمريكي يعزز قطع الأسطول الحادي والعشرين قرب موانئ مصر على ساحل المتوسط، وهيروشيما المحطة تصبح في مرمى صواريخ الأسطول الأمريكي. الرئيس الأمريكي يقول في رسالة إلى الدول الأعضاء في الجامعة العربية: من ليس معي فهو ضدي. البنتاجون يحضِّر لقنبلةٍ نوويةٍ لضرب “هيروشيما المحطة”!

المحافظ:

من يُخبر سيدَ أمريكا أني سأحل الأمر

أن الأزمة سوف تحل قريبا جدا  ..

المذيع في السي إن إن يستكمل:

.. الرئيس الأمريكي يقول أن حل الأزمة لا يعني أن الأمور حُلت، والبنتاجون يجهز لاستخدام القنبلة النووية الذكية التي ستضرب الأعداء فقط داخل كل أبراج الحمام في المنطقة ..

المحافظ:

أعصابي! أعصابي! هاتوا محطة الحكومة!

المذيع في المحطة الحكومية:

بيان من رئاسة الوزراء يطمئن الشعب المصري بأن لدى الرئيس الأمريكي فكرة شاملة عن أن سعادة السفير الأمريكي في مهمة خاصة لصيد الحمام من داخل أبراج قرية “هيروشيما المحطة” لأن نظره ضعيف. وقد انقطع معه الاتصال لنفاد شحن بطارية هاتفه النقال.

يدخل الموظف متحدثا إلى المحافظ:

سعادة المحافظ، هل نبدأ الاجتماع الآن، جاء السيد المأمور، والعمدة، ومندوب الرئاسة..

المحافظ:

وماذا تنتظر؟

(يدخل المأمور والعمدة ورئيس التشريفات ومندوب الرئاسة ويجلسون إلى طاولة في المنتصف، يخرج الإعلاميون)

مندوب الرئاسة:

جئت لأبلغكم رسالة موجزة:

هذا وضع قلق جدا، وتصرفكم فيه، لا يرقى للمسئولية أبدًا!!

المحافظ:

يا سعادة المندوب، نحن نبذل قصارى الجهود.

المأمور:

يمكن أن نتصرف بطريقتنا!

مندوب الرئاسة:

السيد الرئيس لا يريد حمام دم!

العمدة:

أنا أقول ننتظر، والصباح رباح!

ربما ينام الشباب،

أو يهرب السفير منهم عبر الباب

مندوب الرئاسة:

وهل نترك الأمور للصدف؟

(يفتح ورقة مطوية من سترته ويفردها على الطاولة)

لدي خطة من أصدقائنا باقتحام المكان؟

المأمور:

هذا اعتراف منا بالعجز والتقصير!

وهل سيفعلون أكثر مما نستطيع من تدبير؟

العمدة:

ومن يثق في الأمريكان!

فلعلهم إن أعجبهم الجو، عينوا عمدة من عندهم!

مندوب الرئاسة:

إذن علام اتفقتم؟ نريد رأيا حاسما يا سعادة المحافظ!!

المحافظ:

لنترك الوقت الكافي للحوار. لننتظر حتى مطلع النهار!

الموظف مقاطعا الاجتماع:

سعادة المحافظ، هناك وفدٌ من برج الحمام، أقصد وفد عن الخاطفين، يريدون التحدث على الهواء عبر الشاشات العالمية، حتى يفرجوا عن السفير المأسور.

(يدخل مجموعة من الشبان والشابات ليقدموا عرض الغضب والاحتجاج)

عرض الغضب والاحتجاج

من أجل البلد الحر

من أجل بلادي

من أجل شعوب العالم

للأهل بنهري والوادي

سنحارب أعداء الدنيا

وسنرفض وجه القسوة

وستصمد هيروشيما وتغني

وتكون محطة ميلادي

(ستار)

المشهد الرابع

 

(داخل غرفة العمليات في البيت الأبيض الوقت لا يزال صباحا (مع اختلاف التوقيت). العلم الأمريكي مرفوع بحيث تتحول خطوطه الحمراء إلى خطوط سائلة تقطر بالدماء على الجدران. الرئيس الأمريكي يجتمع مع كبار قواده: وزراء ومستشارون. رجال وسيدات. بيض وملونون).

 

(تدخل مجموعة فتيات يلبسن التنورات القصيرة، ويرتدين العلم الأمريكي. ويلوحن بالورود والمناديل الحمراء والزرقاء البيضاء. يبدأن رقصة بعنوان: البيت الأبيض، ويحييهن القادة الأمريكيون. ويشاركهن الرقصة).

رقصة وأغنية البيت الأبيض، كورس الفتيات:

اغسل أسنانك بالأبيض

وتمتع في البيت الأبيض

فالدم سيصبح كالأبيض

لونا في الدنيا يتريض!

نحن رعاة البقر

سنبيدُ أعداء البقر،

نحن رعاة البشر

سنبيد أعداء البشر،

من مثلنا؟

في عزنا؟

سنبيدُ أعداء البقر،

ونبيد أعداء البشر،

لو كان شمسا أو قمر!

(بعد انتهاء الرقصة والأغنية، تنصرف الفتيات، ويتجه الجميع لمقاعدهم حول طاولة الاجتماعات، حيث الخرائط، والكؤوس، وأطباق مختلفة، وعلب مشروبات)

الرئيس الأمريكي:

ماذا نفعل هنا؟

جيشنا الذي أذل جيوش العالم،

يعجز أمام قرية بحجم شقتي في شيكاغو!!

وزير الدفاع:

الدخول للقرية عبر الجو مغامرة،

والوصول إلى شواطئ مصر

وعبور أرضها مقامرة.

سبعون مليون شخص كل منهم عمره سبعة آلاف سنة!

(ثم يتوجه بكلامه لمدير المخابرات)

العيب عندكم

لم تعرفوا حجم المؤامرة!

مدير المخابرات:

لقد أوصينا بتهدئة الموقف، لكن سعادة السفير، لم يتوقف.

وعليه الآن أن يتصرَّف!

الرئيس الأمريكي  (وهو ينظر إلى الهاتف):

مرة أخرى الخط الأحمر..

مدير المخابرات:

لا بد أن مدينة أخرى أصبح اسمها هيروشيما!

مرة هيروشيما ستان،

ومرة هيروشيما تتش،

مرة هيروشيمانوف،

ومرة هيروشيمانيان.

وبفضل وسائل إعلام الألفية الثالثة

لدينا حتى الآن عشرون مدينة أخرى في قارات الدنيا

تحمل اسم هيروشيما المحطة!

وزير الخارجية:

لا حل سوى الاعتذار

ويا دار ما دخلك شر!

يمكننا أن نوجه رسالة..

الرئيس الأمريكي:

أية رسالة؟ وأي خطاب؟

فأنا أؤيد توجيه أعنف جواب!

وزير الخارجية:

لم يعد الأمر بأيدينا الآن،

لقد بدأت القنبلة برسالة إلى الرئيس روزفلت سنة 1939 من أينشتين،

قال له، قنبلة ذرية تكفي، لتدمير مدينة،

إنها سلاح الجحيم الذي يربط التكنولوجيا بالحرب.

إنهم يلوموننا لأننا عرضنا الطائرة التي ألقت القنبلة في معرض عالمي

وكأننا نتفاخر بسلاح الجريمة!

واليوم علينا أن نوجه رسالة معاكسة، بأننا كففنا عن استخدام القنبلة الذرية منذ ذلك الحين، وأننا دعاة سلام، وأن ننسحب بهدوء، حتى لا يضار مواطن أمريكي!

الرئيس الأمريكي:

والبنتاجون،

والقنبلة النووية الذكية

التي تقتل الأعداء فقط، داخل أبراج الحمام!

مدير المخابرات:

لا تكن مثل جحا يا سيدي الرئيس. هذه كذبتنا عليهم، فهل سنصدقها نحن؟

الرئيس الأمريكي:

مرة أخرى .. الخط الأحمر!!

مدير المخابرات:

يا إلهي ….

الجميع بصوت واحد:

ماذا؟؟

مدير المخابرات:

المعارضة الأمريكية أطلقت على  نيويورك سيتي

هيروشيما سيتي!

(ستار)

 المشهد الخامس

 

(الوقت عند الفجر. المسرح مقسم إلى جزأين، داخل وخارج برج الحمام. خارج البرج في ساحة القرية، إلى اليمين، لافتات احتجاج وأعلام مصر واليابان وأعلام دول عربية كثيرة. صوت موسيقى وطنية يبدو أن أهل القرية قد تجمعوا كلهم: متاريس أمام برج الحمام الذي يضم بالداخل المختطفين والسفير المأسور).

 

(آلات التصوير موزعة في المكان. يدخل المحافظ والعمدة وموظفون كبار وحراس بالبزات الرسمية. جموع كثيرة لشباب أمام البرج، يختلط الجمهور بالحضور، وتتصاعد أصوات:)

صوت 1:

يقولون بأن أينشتين

كان يبشر بالقنبلة الذرية؟

صوت 2:

كيف ينام المخترعون

ملء جفونهم

والجثث تطاردهم في الأحلام

صوت 3:

سيغني الرهبان تعاويذ

وينشد القساوسة الأسفار

ويرتل الشيوخ آيات الله

كي تضيء مخادعنا في الليل

فتهدأ النار التي تتصاعد

من أجساد الضحايا

صوت 4:

كالعنقاء نهضتِ

يا مدينة السلام

شاهدة على مأساة البشر

ووحشيتهم

صوت 5:

 نحن الأحفاد

الجيل الثالث للقنبلة الذرية

نحمل في الجسد

شهوة الأمل

ألا نورث الحقد

ألا يرى أحفادنا

ما رآه الآباء والأمهات

سنعلم أطفال الدنيا

أن الحرب الكارثة العظمى

ألا نأخذ حقا

أو نترك حقا!

تدخل السيدة هيساو هاشيا:

على شاهد القبور في المدينة

في حديقة الذكرى كتبنا

لترقد الأرواح هنا في سلام

لأننا لن نكرر خطايانا

لسنا بحاجة إلى فلاسفة

يفسرون لنا معنى السلام

لسنا بحاجة إلى خطباء

يمتدحون السلام

لا يعوزنا إلا أن

نعيش في سلام …

(اللافتات يلوح بها الشباب: لقد خلقتنا أمهاتنا أحرارا ولن نورث أو نستعبد بعد اليوم. مصر هي أمي. تحيا الأمة العربية. لا للحرب من أجل ضمير الإنسانية)

المحافظ (للموظف):

هذه أطول ليالي حياتي!

الموظف:

أي ليلة، الفجر سيؤذن يا سعادة المحافظ!

(هدوء. تخفت الأصوات . يعلو صوت الآذان. بعدها ينتقل المشهد لداخل برج الحمام. فتاة، ومعها 3 شباب. لا تبدو أسلحة . والحمام يطير في المكان. والكرسي الوحيد مخصص للسفير الأمريكي. طاولة أمامه، عليها صنوف من الطعام، وجريدة، وإلى اليسار شاشة تليفزيون ضخمة ….)

الفتاة:

تليفزيون، وعشاء ساخن، وجريدة، وماء معقم،

هل يظن نفسه في فندق خمس نجوم؟

الشاعر / الشاب الأول:

لقد أخطأتم بخطف السفير،

فقد كان ضيفا، وله حقوق لا تمس!

ولذلك علينا أن نكرمه

حتى لا يقال أننا

نهمل حق الأسرى!

الشاب الثاني:

من سيقول؟

وأين كانت ألسنتهم حين وصلتهم

صور الولايات المتحدة

مع أسراها؟

يا صديقي

لا يصنع الشعر السلام،

بل القوة!

الشاعر:

إذا أخطأوا

فهذا لا يعني أنهم على حق!

ولا يعطينا خطأهم فرصة تكرار الخطأ!

الفتاة:

وهل كانوا على حق حين دمروا المدينة العزلاء؟

(ثم تنظر للسفير) وحين جاء السيد جون رايد دون دعوة!

السفير الأمريكي:

أنتم مخطئون، مخطئون،

فأنا لستُ المجرم،

كانت حربا، وفي الحرب يمكن أن يكون كل شيء مباحا!

عليكم أن تقرأوا التاريخ..

الفتاة:

نحن لدينا تاريخ قبل أن تتكون في رحم الدنيا أمريكا!

السفير الأمريكي:

يعجبني حماس الشباب ولكن

لا بد أن يلف الحماس ثوب العقل.

لقد خطفتُ،

فماذا استفدتم؟

وماذا استفاد شعبكم؟

وماذا استفادت قضيتكم.

الشاب الثاني:

وماذا كنت تقترح يا رامبو العصر والأوان؟

السفير الأمريكي:

أنا جئت إلى القرية دون خوف

لأني أعرف أنكم أهل كرم.

وواجبي يحتم أن أعرف ماذا يحدث.

كنت أخشى أن تقوم مظاهرات ضد بلادي،

وأكون آخر من يعلم!

الشاعر:

أنا رأيي أن نعيد محاكمة الولايات المتحدة،

أمام العالم.

فإذا كانت الولايات المتحدة على خطأ،

اعتذرت بدلا عنها.

ماذا قلت؟

السفير الأمريكي:

لكن هذه وإن كانت جريمة

فقد سقطت بالتقادم!

الشاب 2:

لا يموت حق وراءه مطالب.

الفتاة:

سأدعو مندوبي التليفزيون.

الشاب 2:

وأنا سأفاوضه

الشاعر:

وأنا معك.

علينا أن نعمل صوت الحكمة والقوة معا.

(تدخل الوفود الإعلامية، ويجلس الجميع إلى طاولة واحدة، يمدها الإعلاميون، مع مقاعد، ولوحات تعريف،  السفير بجانب الفتاة، وإلى يمين الطاولة ويسارها الشاب الثائر، والشاعر)

(يبدأ الجدل، والهمهمات ثم يصمت الجميع ليعلو صوت أغنية وطنية)

من أول سطر للآخر

سنمد حروفا وكلاما

ونغني للشعب الثائر

كي نُبريء فينا الآلام

سنغني حينا لكنَّا

في كل الأحيان سنبني

لا يصنعُ غدنا ماضينا

بل تصنعه أيادينا

بالقوة نمضي أحيانا

وسنمضي بالحكمة حينا

السفير الأمريكي:

 إني أعتذر. وورائي أمريكا تعتذر.

لست أعتذر لتطلقوا سراحي. فأنا هنا في راحة بال أكثر من الخارج.

وأنا أؤدي وظيفتي.

وسأعترف أنكم أكرمتموني طبقا لتقاليدكم وكرمكم.

ولكنني أعتذر عن الماضي.

وأدعو كل مواطن أمريكي ألا يقع أسيرا لأوهام الإعلام في الوطن.

أيها الرئيس الأمريكي لقد صدمتني حين حشدت قوات الأسطول على سواحل البلاد التي أمثل فيها بلادي، دون أن تسألني عما حدث.

دون أن تستشير أحدا. ولذلك فإنني أستقيل احتجاجا.

(ترتفع صيحات التهليل من خارج البرج)

أصوات:

السفير اعتذر. السفير استقال . شهد شاهد من أهلها.

(السفير الأمريكي ، تتوجه إليه الميكروفونات.)

السفير الأمريكي:

إني أعتذر. إني أستقيل. وأدعو الشعب الأمريكي لكي يتفهم شعوب العالم بعيدا عن تضليل البيت الأبيض. أنا هنا مررت بتجربة كأنها رحلة. اتبعت عنجهية التدخل. لكنهم قابلوني باحتجاج الكريم. هذا حقهم هذه أرضهم. وهذا رأيهم. إنني أعتذر يا هيروشيما البلد. إنني أعتذر يا هيروشيما ستان. أعتذر يا هيروشيما سيتي. يا هيروشيما المحطة. وكل قارئ للتاريخ يجب أن يعتذر عن ماضيه الأسود. حتى يستطيع أن يبدأ صفحة جديدة بيضاء.

مذيع السي إن إن على شاشة التليفزيون داخل برج الحمام:

مظاهرات تجتاح العالم فرحا بانسحاب أسطول الولايات المتحدة الأمريكية، واستقالة السفير الأمريكي احتجاجا على ممارسات بلاده. الرئيس الأمريكي يقول: من ليس معنا فهو حر أن يكون مع غيرنا!

المحافظ (متحدثا للموظف):

أريد أن يكتبوا عن الجهود المضنية

التي بذلتها لفك قيد الأسير!

الموظف:

لا تقلق .. لا تقلق، ولكن ادعُ أولا،

أن نظل في مناصبنا حتى منتصف النهار!

على الأنغام تنطلق فرقة الراقصين والراقصات بالأزياء الشعبية المصرية، التي قدمت التابلوه الغنائي في المشهد الأول لتستعيده:

من قلبنا هنا

في هيروشيما المحطة

لاخوتنا هناك

في هيروشيما البلد

نغني ،

والحروف تداوي الجروح

ونرقص ،

وأسماء الضحايا في قلب الروح

في القلب وفي النن

(ستار/ ختام)

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات