لمسة ميداس: سلم يصعد بأحلامنا نحو السماء

07:19 صباحًا الأحد 29 سبتمبر 2013
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يشير الصحفي والمصور أوبونغ لي أنه لم يسبق له خوض لقاء مؤثر كهذا منذ 40 عاماً خلال مهنته كصحفي. لوحة غوستاف كليمت “جوديث” كانت منتشرة في اماكن مختلفة في مبنى الشركة بما فيها حائط مكتب الرئيس، “أنا أحب تلك اللوحة، لأنها تمثل الحب والرغبة”. بعد اللقاء، قام لي بسحب نسخة من كتاب “عطر نقي” للراهب البوذي بابجونغ من مكتبته وأعطاني إياه. في مكتبي بعد أن حددت أهم تفاصيل الحوار وإستمعت للتسجيل، قبل أن أبدأ في كتابة الحوار فتحت ذلك الكتاب. الفصل الثالث كان يدعى “حياة سهلة وبسيطة”. في التاسعة والنصف من صباح يوم 31 يوليو 2013، بمكتبه بمقر الشركة في بانجيو. كان هذا لقاؤنا الثالث، بعد محاضرته الخاصة التي ألقاها في يونجين في مخيم جبل جوبي، وزيارتي الأولى لشركة ميداس برفقة وفد خاص. كان لي مرتدياً نفس القميص الداكن الذي رأيته مرتدياً له في المناسبتين السابقتين، “في الغالب أحضر ملابسي لتتضمن 3 أو 4 قمصان، جميعهم باللون الرمادي أو الأسود، بأكمام قصيرة في الربيع والصيف، وأكمام طويلة في الخريف والشتاء”.  

أحببت ان انقل لقراء (آسيا ان) العربية ترجمة هذا اللقاء  مع لي الرئيس التنفيذي لشركة ميداس الذي نشر في الطبعتين الانجليزية والكورية.

الرئيس لي

مع ضغطة على الزر الأحمر بهاتفي الذكي، بدأنا تسجيل الحوار.

هل هنالك أي لحظة خجل في حياتك تتذكرها؟ وماذا بشأن بغض وكراهية الناس؟

أنا أشعر بالخجل من حياتي بشكل عام، لأنني لم تكن لدي الشجاعة في الأوقات التي إحتجتها، فقد عشت حياة مليئة بالجبن وسلسلة لا تنتهي من التنازلات.

ربما كنت تأخذ الحياة على محمل الجد أكثر من اللازم؟

ربما كنت سأستمتع بحياة متحررة أكثر، إن كانت لدي الفرصة بأن أحيا أكثر من حياة. ولكنني، مثلك، سأحيا حياة واحدة فقط. لذلك أرغب بأن تكون حياتي ذات معنى خالية من الكسل.

ما نوع الحياة التي ترغب فيها بالتحديد؟

أرغب في حياة تترك في أثرها إرثا جيدا، وحياة روحية مثل البوصلة من شأنها أن تقود الأخرين خلال رحلتهم في الحياة.

ما هو حلمك؟

أحلم بأن أبقى يافعاً للأبد، أن أظل متيقظاً وحياً. قال كونفوشيوس أن الرجال بحق هم من يصغون إلى كلمات الأخرين جيداً، وهذا دليل على صعوبة النضج بحق.

هذه الأيام أفكر كثيراُ في كتب ماكس فيبر مثل “أخلاقيات البروتستانتي” و “روح الرأسمالية”، فيبدو أن حتى المحاسبين والمحامين الذين تتلخص مهماتهم في إنقاذ الأرواح و حماية الضعفاء، مهووسون بالمال كذلك.

أن لا أرى هذه الظاهرة كمثال على تشويه القيم. قبل النهضة، كانت النجاة هي الأهم. ثم ظهرت الرأسمالية نتيجة الثورات الصناعية، مما قاد للتنوير و ظهور فكرة المساواة. مصدر القوة، الذي كان في الماضي الإله أو النظام الملكي، أصبح العاصمة. بنفس المنطق، ما نشهده هذه الأيام ليس تشويهاً للقيم بل هو نقلة نوعية. أعتقد بأن كل المشاكل الإجتماعية ستستقر ما أن يصل الناتج القومي الإجمالي للعالم 20 ألف دولار. نتيجة لذلك، ستظهر مبادئ جديدة مثل العدل والسلام كمبادئ أساسية في المجتمع، حيث ستبدأ مظاهر جديدة بالظهور في المجتمع، مثل نقص الفجوة بين الفقراء والأغنياء وتوزيع عادل للثروات.

أنت مشهور بإهتمامك وأبحاثك في مجال العقل البشري في كوريا.

عام 2004، بعد مضي أربع سنوات على تأسيس شركة ميداس، موظفي الشركة كانوا مكتئبين بسبب معاناتنا في الشركة. بدأت بسؤال نفسي “كيف وصلنا لتلك الحالة؟ من أنا؟ من هم، هؤلاء المؤظفين؟” وتلك الأسئلة قادتني للغوص في العلوم المعرفية وعلم الأعصاب. كانت محاولة مني لفهم المصطلحات الفلسفية والميتافيزيقية مثل العقل العالمي والعبثية بطريقة علمية.

الرئيس لي يشير لنفسه بإعتباره “محافظ يسعى للتقدم” و “مثالي واقعي.” المثالي يسعى لأن يصل للنجوم في السماء، ولكنه يجلس على الأرض ويتمنى ظهور سلم سحري طويل كفاية ليصل به للنجوم. على النقيض منه، الواقعي لا يفكر في النجوم على الإطلاق. ولكن “الواقعي المثالي” يبني سلماً ويثبته جيداً على الأرض، ويؤمن بأنه حتى وإن لم يتمكن من الوصول إلى النجوم في عمره، فأن الأجيال القادمة ستتمكن. أما المؤمن بالتقدم فهو يسعى لفعل الخير دائماً (التقدمية الحقة لا بد أن تتميز بحس عال من الحب). أنا أعتقد أن هؤلاء في مراكز القوة حالياً يجب عليهم أن يتعاملوا مع ملكياتهم على أنها أشياء مؤقتة.

شركة ميداس لا تعطي مرتبات للوقت الاضافي ولم تقم بتحديد سن معين للتقاعد.

تنتوي شركة ميداس أن تزرع في موظفيها مبادئ “الثقة والسعادة”، فطموحي هو أن أخلق نوعاً من “الشراكة” في الشركة حيث يشعر الموظفين بأنهم ملاك الشركة الحقيقيين. الثقة حالياً تمثل 12.65% من أسهم الشركة. وقد تمكنا من تحقيق ذلك بفضل مساعدة مركز العمالة الكورية منذ بضع سنين. وطبقاً لمعلوماتي، نحن أول شركة تحاول تطبيق نظام شراكة الموظفين في تاريخ الشركات الكورية. أما بالنسبة للبورصة، ففي حين أنه قد يتيسر مؤقتاً تداول رأس المال، من المحتم أن ينتهى الأمر بإنتشار رأس المال في لعبة محصلتها النهائية صفر حيث يكون ربح أو خسارة شخص ما هو نتيجة مباشرة لربح أو خسارة شخص أخر.

من هو مثلك الأعلى؟

“المهاتما غاندي!”

قام الرئيس لي بمد يده إلى الطبق الزجاجي الشفاف الموضوع على مكتبه وقرأ بصوت عال،

“الخطايا الإجتماعية السبع” المكتوبة عليه “سياسة بدون مبدأ، ثروة بدون عمل، متعة بدون ضمير، تجارة بدون أخلاق، علم بدون إنسانية، عبادة بدون تضحية، معرفة بدون شخصية” وقال، “أشعر بأسى عميق لهؤلاء الذين يعيشون ولكنهم لا يشعرون بالحياة، هؤلاء الذين لا يملكون إرادة التحكم في حياتهم ولكن يعتمدون على المساعدات الخارجية، وهؤلاء الذين يستخدمون قدراتهم لفائدتهم هم فقط.”

كيف تستفيد من “الوقت”؟

الساعة التي تقضيها من أجل نفسك قيمتها لا تتعدى الساعة، ولكن الساعة التي تقضيها مع عائلتك قد تكون قيمتها بأربع ساعات. كذلك الأمر، فالساعة التي تقضيها من أجل كوريا تساوي قيمتها 70 مليون ساعة، والساعة التي تقضيها من أجل البشرية تساوي قيمتها 7 بليون ساعة. في كل مرة تتاح لي فرصة التواصل مع مدراء شركات أخرى، أخبرهم “دعونا لا نفقد الأمل. فنتبع هذا المثل، ‘الرجل الذي يسعى وراء الغزال لا يرى الجبل، والرجل الذي يسعى وراء المال يفقد الرجل الذي بداخله’، فأنت ستفقد الأشخاص الذين يلتفون حولك إن كان هدفك المال وحده. وما فائدة المال إن لم تجد أشخاص تشاركهم إياه؟”

أنت لا تمارس رياضة الجولف، أليس كذلك؟

نعم. معظم الكوريين مع بداية سن الأربعين لا يتحدثون سوى عن الجولف، البورصة، والأولاد. ربما عليهم التفكير في مسئولياتهم في العالم إن أرادوا أن يعيشوا وفقاً لسنهم. على الجانب الأخر، هنالك أشخاص يثابرون من خلال المصاعب، هؤلاء فيما يخص “الحياة” ينشرون طاقة روحية طيبة في العالم.

سمعت أنك تعمل على كتاب لك.

سيتم نشر كتاب عن شركة ميداس أواخر هذا العام. عنوانه “البشر هم الإجابة: إدارة ميداس للعلوم البشرية الطبيعية” وقد كتبت الكتاب من خلال إقامة عدد من “أسابيع التفكير” والتي تستمر تقريباً لمدة 7 إلى 10 أيام، مرتين أو ثلاث مرات خلال العام. أنا بصدد إكتشاف طريقة تسمح للناس بالعيش بالمواهب والقدرات الطبيعية التي ولدوا بها. ولكي اكون أكثر دقة، أنتوي تحديد المصطلحات التجريدية مثل السعادة والطبيعة البشرية إلى كلمات ملموسة لتساعدنا في محاولتنا لإكتشاف العالم والتوصل إلى السعادة.

بدأ لي في إلقاء إحدى قصائده المفضلة للشاعر تايجو نا، “سترى الجمال فقط إن نظرت بدقة. فالأشياء محببة فقط إن أمعنت النظر. مثلك تماماً” (“زهرة العشب”، تايجو نا).

وأضاف، “أنا أحب هذه القصيدة جداً لأنها تنقل جوهر الطبيعة وجمال الطبيعة الإنسانية، حيث كلاهما يظهر فقط بعد ملاحظة علمية دقيقة”

ولدت ونشأت في بوسان، عشت في الفقر، تخرجت من ثانوية بوسان التقنية وإلتحقت بجامعة بوسان الوطنية.

“ذهبت إلى مدرسة ثانوية تقنية لكي أحصل على منحة دراسية. فقد تم منح أفضل الدفعة المتخرجة من ثانوية بوسان التقنية منحة كاملة للدراسة بجامعة بوسان الوطنية”

ما هي فلسفتك في تعليم أولادك؟

“ليست لدي فلسفة خاصة. إن كانت لدي فلسفة، فهي ألا يكون لي فلسفة في ذلك الشأن. ولكني أخبرهم بأن يتعلموا كل ما يرغبون في تعلمه إلى الحد الذي لا يجعلهم يخجلون منه”

كيف ترغب في أن يتذكرك الناس بعد وفاتك؟

“تشي جيفارا (جاوب على الفور) فقد عاش حياة من العذاب ورحل بكرامة”

هل هنالك من تطلق عليه شريك مدى الحياة؟

“زملائي، وبالأخص نائب الرئيس سونغ سيغ جونغ، وهو أصغر مني بعام، وقد ذهبنا لنفس المدرسة المتوسطة، المدرسة الثانوية، والجامعة. حتى أننا كنا في نفس القاعدة العسكرية في تكليفنا العسكري. أشكره من أعماق قلبي”

هل لديك شعار في الحياة؟

“عش بطريقة صحيحة، وافعل الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة”. شعار الشركة، “افعل الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة” مكتوب على حائط الطابق التاسع من مبنى شركة ميداس حيث يقع مكتب الرئيس.

وقبل أن نلحظ ذلك، حل الظهر وإنتهى وقت اللقاء. وفي مطفاة  السجائر كانت هنالك بقايا عشر سجائر، أربع منها كانت لي.

من هو الرئيس التنفيذي لي؟

الرئيس التنفيذي لشركة ميداس، لي هيونغ وو، يقول “هدف الحياة هو أن تصل للسعادة، وهدف الإدارة لا بد أن يكون الطبيعة البشرية”. موظفي وأعضاء شركة ميداس يتشاركون نفس الفلسفة. هم يعتقدون أن إثراء الطبيعة البشرية هو المفتاح لعمل ناجح، وأن السعادة البشرية هي العامل الأساسي في إنجاح الإدارة. لي متعهد ومبادر يراقب بحرص “إدارة السعادة البشرية”. شركة ميداس هي شركة يستمتع الموظفون فيها بالعمل كما لو أنهم المدراء فيها، هي شركة أفضل من أن تكون حقيقية، تقوم بتطوير وتوزيع هندسة البرمجيات كما تقوم بتوفير خدمات بناء هندسية وخدمات على شبكة الإنترنت كذلك. تم تأسيسها في سبتمبر 2009، وحالياً تضم 528 مهندس محترف (307 من الداخل، 221 من دول أخرى). تقوم شركة ميداس بتصدير برامجها إلى أكثر من 100 دولة في أنحاء العالم من خلال شبكة عالمية ومكاتبها الخمسة الرئيسية في الصين، اليابان، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، والهند وشركاء البيع في 27 دولة أخرى.

برمجيات ميداس هي المستخدمة في التحليل المبدأي لبرج خليفة في دبي، جسر سوتونغ في الصين، وجناح معرض شنغهاي من ضمن مؤسسات عديدة ناجحة تعتمد عليهم. وقد أطلقت شركة ميداس مؤخراً تطبيقات هندسية يمكن الإستفادة منها في مجالات مختلفة مثل السيارات، الإلكترونيات، وغيرها. مبيعات شركة ميداس على مدار الإثني عشرة سنة الماضية زادت بمقدار 52 مرة. الأستاذ جاي تشون تشوي من جامعة إيوها للسيدات، والذي قام بإلقاء محاضرة لموظفي شركة ميداس يوم 2 أغسطس، قال بأنه “متفاجئ ومسرور بانه وجد شركة تهتم بالإبداع والسعادة مثل ميداس في كوريا”.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات