مهاجرون إلى الموت

02:58 مساءً الإثنين 21 أكتوبر 2013
أحمد محمد حسن

أحمد محمد حسن

كاتب ومخرج بالتليفزيون المصري، القاهرة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

عابرون للحدود باتجاه النهاية

الهجرة غير الشرعية أو الهجرة السرية مصطلح يشير إلى الهجرة من بلد إلى آخر بشكل يخرق القوانين المرعية في البلد المقصود بحيث يتم دخول البلاد دون تأشيرة دخول .

وينتمي أغلب المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدان العالم الثالث الذين يحاولون الهجرة إلى البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوربي .

وكانت كارثة لامبيدوزا مأسآة غير مسبوقة شهدها البحر المتوسط حيث أنها تسلط الضوء على الأوضاع التي تدفع الناس إلى خوض تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر على متن أحد القوارب نحو أوربا وكانت السلطات الإيطالية قد أكدت أن المركب أبحر من ميناء مصراتة الليبي وغرق صباح الخميس 3 أكتوبر/ تشرين الأول هذا العام قبالة الجزيرة الصغيرة وعلى متنه من 450 إلى 500 مهاجر أمكن إنقاذ 155 منهم مما يعني أن 300 وربما أكثر قضوا في أسوأ مأسآة للهجرة في السنوات الأخيرة .

وقالت مجموعات حقوقية أن هذه الكارثة تسلط الضوء على الأوضاع التي تدفع الناس إلى خوض مثل تلك الرحلة المرعبة واعتبرت صحيفة الباييس الاسبانية أن حادث لامبيدوزا نتيجة للربيع العربي والهجرة غير الشرعية التي نتجت عن الثورات العربية التي تسببت في هروب المواطنين من بلادهم بسبب عدم الإستقرار والحالة الإقتصادية المتدهورة التي وصلت إليها مشيرة إلى أن الثورات التي بدأت في عام 2010 في تونس ومصر وليبيا واليمن تسببت في حالة عدم الإستقرار وكانت جزيرة لامبيدوزا بإيطاليا هي الأقرب بالنسبة إليهم وخاصة ليبيا حيث أبحر المركب من ميناء مصراتة الليبي .

وكانت المفوضة الأوربية الخاصة بالشؤون الداخلية “سيسيليا مالمستروم” قد قالت أنها ستطلب من الإتحاد الأوربي بدأ عملية أمنية في البحر المتوسط للمساعدة في تجنب وقوع مآسي للمهاجرين  مثل تلك الحادثة التي حدثت في لامبيدوزا .

مهاجرون من كل مكان

وليست هذه أول مرة تشهد الجزيرة الإيطالية الواقعة في البحر المتوسط حوادث مماثلة إذ تعرف الجزيرة منذ سنوات موجات هجرة من الدول العربية والأفريقية ويسعى هؤلاء المهاجرون إلى الوصول إلى السواحل الإيطالية أو الاسبانية هربا من الفقر والحروب وتوقا لمستقبل أفضل في أوربا .

يحاول العديد من المهاجرين غير الشرعيين من بلدان أفريقيا التسلل في شكل شبه يومي إلى سواحل اسبانيا مبحرين من المغرب عبر مضيق جبل طارق أو برا عبر مدينتي سبتة ومليلة الاسبانيتين شمال الأراضي المغربية .

وقبل أسابيع قليلة انطلقت سفينة من شواطئ اندونيسيا متجهة إلى استراليا تقل نحو مائة من المهاجرين معظمهم من الأردن ولبنان وإيران واليمن وكانت النتيجة أن غرق نحو 30 لبنانيا بينما أعلنت الشرطة الأندونيسية أن 75 شخصا لاقوا حتفهم في البحر وقد كانت تذكرة الدخول في هذه المغامرة عشرة الآف دولار للشخص .

وخلال العام الماضي غرق ما لا يقل عن 58 مهاجرا سوريا إثر غرق قاربهم في بحر إيجه قبالة السواحل الغربية لتركيا والشرقية لليونان .

وخلال العام الماضي أيضا قال حرس السواحل الإيطالي أنه تم إنقاذ مئات اللاجئين السوريين في اجواء بحرية عاصفة وأنهم نقلوا إلى الساحل الجنوبي لإيطاليا .

أما تونس الخضراء فقد فقدت العام الماضي ما لا يقل عن 50 مهاجرا إثر غرق مركب قرب جزيرة لامبيدوزا الإيطالية .

أما في مصر فقد صرح السفير رجائي نصر نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية لإرشادات السفر بأن سفاراتنا في بعض دول أوربا الشرقية ، لاحظت أن عددا من المواطنين المصريين خاصة من فئة الشباب يتعرضون للنصب على أيدي سماسرة وشبكات التهريب والهجرة غير الشرعية .

ولفت الدبلوماسي المسئول إلى أن هؤلاء التجار و السماسرة يقومون بإيهام الشباب بإمكانية الدخول إلى دول الإتحاد الأوربي مقابل الحصول منهم على مبالغ كبيرة عن طريق وعود زائفة بسرعة تهريبهم من تلك الدول إلى داخل الإتحاد الأوربي وإمكانية إيجاد فرصة عمل لهم هناك وهو الأمر الذي يتنافى مع الواقع حيث ينتهي بهم الحال للأسف إلى الإحتجاز والترحيل دون جدوى حقيقية فمنظومة إحكام الحدود داخل دول الإتحاد الأوربي صارمة ولا تسمح بالإنتقال والعبور غير الشرعي فيما بينها .

موتى عبر الحدود

ويروي اللاجئ السوري (محمود أبو يوسف) تفاصيل قصته مع الهجرة غير الشرعية أو رحلة الموت كما يسميها ، فقد فر من سوريا إلى مصر ومنها توجه للغرب عبر المتوسط في رحلة امتدت 7 أيام حيث قرر أبو يوسف (25 عاما) أن يركب رحلة الموت من الأسكندرية على ساحل البحر المتوسط إلى أوربا بعد أن ضاقت سبل الحياة في مصر في ظل الأوضاع الإقتصادية والسياسية المتردية .

وقد روى أبو يوسف من المانيا تفاصيل رحلته قائلا : حصلت على رقم أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية في الأسكندرية من صديق سبقني وهاجر إلى إيطاليا بنفس الطريقة ومنها إلى المانيا وكيفية وصوله إلى بر الأمان الذي تكلل بقبول طلبه لاجئا في المانيا .

وقد تزايدت خلال الفترة الماضية عملية الهجرة غير الشرعية لسوريين وفلسطينيين وبعض المصريين عبر البحر المتوسط من سواحل الأسكندرية إلى السواحل الإيطالية ، ونجح خفر السواحل المصرية في القبض على العشرات منهم ، إلا أن بعضهم استطاع النفاذ ليواجه الموت في عرض البحر .

ومضى أبو يوسف بالقول : “تواصلت مع السمسار وبعد تثبته من غايتي عبر سؤالي عددا من الأسئلة ومنها مصدر الحصول على رقمه ، حيث يخشى أن توقع به السلطات حسبما قال لي ، اتفقنا على أن نتقابل في أحد الفنادق الشعبية في الأسكندرية حيث اتفقنا على التكلفة التي كانت 4 الآف دولار شريطة الدفع بعد الوصول إلى سواحل إيطاليا .

وأضاف الشاب : بعد اتفاقي مع السمسار على التفاصيل اصطحبني إلى شقة مفروشة في الأسكندرية سبقني إليها عدد من رفاق الرحلة حيث اقتسمت مع 3 شبان الغرفة الثالثة في الشقة وأخبرنا السمسار أن موعد الإنطلاق سيكون خلال أيام ، وأبلغهم السمسار أنه يحظر على المقيمين في الشقة مغادرتها إلا للضرورة القصوى وذلك لعدم لفت أنظار الجيران وإثارة الشبهات خاصة بعد أن إزداد عدد العاملين في مهنة تهريب المهاجرين غير الشرعيين في الأسكندرية وإزدادت معها الإجراءات الأمنية المشددة التي تكافحها .

وبعد 4 أيام من الإقامة في الشقة جاء السمسار قبيل منتصف الليل وطلب من ساكنيها تجهيز أنفسهم لأن ساعة الإنطلاق قد اقتربت وبعد عدة دقائق جاءت حافلة صغيرة وأقلتهم إلى منطقة من ساحل البحر كان يرسو أمامها قاربان صغيران بمجدافين صعد إلى كل واحد منهما نحو 30 شخص ، وأشار أبو يوسف إلى أنه بعد اكثر من نصف ساعة من الإبحار في عتمة الليل ودون إستخدام أي ضوء خوفا من خفر السواحل وصل القاربان إلى قارب أكبر بمحرك أو ما أطلق عليه اسم ( لنش) حيث عاد القاربان لجلب الدفعة الثانية من المسافرين التي كانت تنتظر عند الرصيف .

بعد وصول الدفعة الثانية وصل عدد أفراد الرحلة إلى نحو 200 شخص معظمهم من السوريين وعدد من الفلسطينيين وقال المهاجر: أبحرنا لمدة 10 ساعات في البحر حتى وصلنا إلى مركب أكبر ، كان قديما وتظهر عليه آثار اصلاحات كثيرة وبدأت المخاطرة الأصعب وهو التبديل بين المركبين حيث كان الموج عاليا واستمرت العملية لمدة 6 ساعات قبل أن يتمكن الركاب من الصعود إلى مركب الرحلة وكانت النتيجة كسور في اللنش الذي كان يحملهم نتيجة ارتطام المركبين ، إلا أنه تم ربطه بالمركب الكبير بحبال وأبحر خلفهم ولم يكونوا يعرفون وقتها ما الهدف من ذلك .

ولفت أبو يوسف إلى أنه بعد الصعود إلى المركب الكبير بدأت المخاطرة الحقيقية حيث أبحر المركب الذي لا يزيد طوله عن 10 أمتار ويحمل 200 شخص نصفهم من النساء والأطفال في عرض البحر في ظل موج عال وطقس بارد متجمد مع عدم توافر أغطية أو أماكن مناسبة للجلوس عليها وكانت أي شكوى من الركاب يقابلها “الريس” أي قبطان المركب الذي كان مصريا رث الثياب بالإهمال والقول :”من لم يعجبه فالبحر أمامه” حسب تعبيره .

وبين أبو يوسف أن الرحلة استمرت 6 أيام متواصلة في عرض البحر شاهدنا خلالها الموت عدة مرات مع ارتفاع الموج وصوتالصرير من المركب المتهرئ والمياه التي كانت تصعد على سطحه وكان احتمال الموت أكبر من احتمال النجاة على حد قوله .

وبعد مرور 6 أيام على الإبحار في عرض البحر أخبر الريس الركاب أن مهمته قد انتهت وأنه يتوجب على الركاب ركوب اللنش مرة أخرى لأنه تم الإقتراب من السواحل الإيطالية وركبنا اللنش مرة أخرى ودفعنا المعلوم للقبطان الذي ترك معنا اثنين من عناصره لقيادة اللنش .

بعد العودة إلى المركب الصغير بدأت مغامرة جديدة بإطلاق نداءات استغاثة بشتى الطرق باستخدام اصبعي ليزر كانا مع قائدي السفينة واستمر هذا الحال 15 ساعة والركاب دون طعام أو شراب قبل أن يلمحوا المروحيات تحلق فوق المركب لتأتي بعدها القوارب الحربية التابعة للبحرية الإيطالية وتسحب المركب إلى البر .

واشار أنه عند الوصول إلى السواحل الإيطالية انتهت المعاناة حيث تم استقبالهم من قبل فرق طبية أجرت لهم فحوصا كاملة وتم أخذ معلومات شخصية عنهم كونهم إدعوا أنهم لا يحملون جوازات سفر أو أوراقا تثبت شخصيتهم وحتى المرافقين المصريين إدعوا أنهم سوريين وأن المركب جاء من سوريا خوفا من العقاب لأنهم سيتعرضون للعقوبة في حال افتضح أمرهم بأنهم يسهلون الهجرة غير الشرعية .

وحول المرحلة اللاحقة ، بين أبو يوسف أنه تم تأمين مسكن مؤقت للذي يرغب في ذلك وترك الذي لا يرغب بذلك يمضي في طريقه حيث لجأ معظم رفقاء الرحلة للسفر عبر القطارات إلى فرنسا ومنها إلى المانيا لطلب اللجوء .

وختم أبو يوسف حديثه بالقول “صحيح أننا واجهنا الموت إلا أنه وكما يقول المثل الشعبي : ما الذي جبرك على المر سوى الأمر

منه؟”.

وأضاف : لم نجد في بلدان اللجوء العربية ما كنا نعوله على أخوتنا في العروبة والإسلام وهو ما وجدناه في الدول الغربية التي تتعامل معنا بإنسانية وليس كمخربين وإرهابيين .

هؤلاء المهاجرون أو الهاربون من أوطانهم ، هربوا من جحيم البر والنار فتلقاهم جنون البحر والعواصف والبرد ، باعوا أراضيهم ومحلاتهم وربما مجوهرات زوجاتهم كي يتمكنوا من جمع الأموال الكافية ودفعها إلى أصحاب القوارب غير الشرعية طمعا في الوصول إلى أرض الأحلام حيث الأمن والأمان وفرص العمل وحقوق الإنسان ، فإذا بهم يخسرون أنفسهم وأموالهم وزوجاتهم وأطفالهم في عرض البحر .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات