رؤية فرنسية لقصص شعبية فرعونية

12:24 صباحًا الثلاثاء 22 أكتوبر 2013
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print


كان ولازال دور المستشرقين في كشف كنوز العالم العربي، القديم والحديث، لا ينكر. وبالأخص دورهم في إستكشاف الحضارة الفرعونية، بكنوزها وأثارها وتراثها الذي خلفته. وجاستون ماسبيرو هو أحد هؤلاء المستشرقين الذين كان لهم دور عظيم في إكتشاف الحضارة المصرية القديمة، ومن ضمن إنجازاته هذا الكتاب الذي جمع وترجم فيه أهم القصص الشعبية الفرعونية.

“حكايات شعبية فرعونية” للمستشرق الفرنسي جاستون ماسبيرو، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة مصريات، وقد ترجمته فاطمة عبدالله محمود وراجعه وقدم له الدكتور محمود ماهر طه.

الاستشراق يطلق على الباحث الغربي المهتم بالشرق وأدابه وتراثه، ونجد هذا ينطبق على ماسبيرو، الذي بدأ اهتمامه بالحضارة الفرعونية مبكراَ، منذ أن كان في سن الرابعة عشر. حتى تحقق حلمه بالمجئ إلى مصر عام 1881 ليبدأ منذ ذلك الحين دوره الفعلي في إكتشاف وتوثيق حضارة الفراعنة.

بالطبع ليس ماسبيرو المستشرق الوحيد المهتم بحضارة الفراعنة، فقد سبقه وتلاه الكثيرون، وعلى سبيل المثال لا الحصر، العالم الفرنسي شامبليون وإنجازه الأشهر وهو فك رموز حجر رشيد، العالم الإيطالي روزليني صاحب مجلد ضخم عن أثار مصر والنوبة، العالم البلجيكي كابار الذي إشتهر بكتاباته عن الفن المصري القديم، العالم الألماني ليسبوس، العالم الإنجليزي كارتر الذي إكتشف مقبرة توت عنخ أمون، وغيرهم العديدون من مختلف دول العالم ممن أتوا إلى مصر من أجل إكتشاف وتذوق الحضارة الفرعونية وعادوا لبلادهم بعد أن وضعوا حجراً إضافياً في سبيل فهمنا لحضارة الفراعنة.

جاستون ماسبيرو .. المؤلف الفرنسي

جاستون ماسبيرو .. المؤلف الفرنسي

وقد إشتهرت حضارة الفراعنة بتقدمها العلمي الملحوظ وتنوع الديانات، كما ظهر إهتمامهم بالسحر وبجانبها الحكم والأمثال، ولكن لم تصلنا العديد من قصصهم الشعبية مترجمة، سوى واحدة أو إثنتان. ويرجع نقص القصص الشعبية الفرعونية المترجمة إلى عدة عوامل أهمها، قلة المهتمين بترجمة وجمع الحكايات الشعبية، قلة المصادر الصالحة للترجمة، وأهمها أن معظم الأعمال المهتمة بجمعها وترجمتها من الفرعونية هي أعمال أجنبية، سواء أكانت بريطانية، فرنسية، أمريكية أو غيرها وقلة المجهودات المصرية في هذا المجال بالذات.

في هذا الكتاب يعرض ماسبيرو ترجماته لقصص شعبية مختلفة تحصل عليها من برديات متفرقة، من متاحف مختلفة في العالم، في بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وأخريات تم إكتشافها من قبل علماء أثار في مواقع أثرية وتم إرسالها لتتم ترجمتها خارج البلاد لعلماء أثار أخرين.

جاستون ماسبيرو كانت له إسهامات عديدة في الحفاظ على الأثار الفرعونية، ونتيجة ذلك تم إطلاق اسمه على مبنى الإذاعة والتليفزيون، فصار أثره خالداً حتى وإن لم يعرفه الكثيرون.

غلاف الكتاب

غلاف الكتاب

تظهر في هذه القصص الشعبية العديد من العادات والتقاليد الفرعونية القديمة، كما يظهر بها بعض المعلومات التاريخية التوثيقية التي كانت ذات فائدة في توثيق العصر الذي كتبت فيه، مثل اسم الملك وغيرها من المعلومات. وقد أشار ماسبيرو لنقطة هامة في الكتاب، وهي رغم تشابه هذه القصص الشعبية بقصص شعبية لحضارات أخرى كانت في نفس الإطار الزمني للفراعنة، إلا أن مصريتها تطغى عليها وتبدو واضحة في تفاصيلها. وقد أوضح ماسبيرو كذلك الشبه الكبير بين هذه الحكايات الشعبية الفرعونية وحكايات “ألف ليلة وليلة”.

وتجدر الإشارة أنه إلى جانب إحتواء القصص على بعض الدلالات التاريخية التي تعود إلى حقبة إحدى الأسر أو حكم أحد الملوك، فهي تشير إلى بعض الأسس الهامة في الثقافة الفرعونية مثل الإشارة إلى عملية التحنيط وإنتقال الروح إلى العالم الأخر، أثر السحر في الحياة اليومية لشعب مصر، الرحلات التجارية بين مصر والدول الأخرى، والأساطير الفرعونية المختلفة وكذلك تأثر مصر بالأحداث السياسية والغزوات الخارجية.

على سبيل المثال، “قصة الأخوين” التي تعود إلى حقبة الأسرة التاسعة عشر تحمل إشارات عديدة لقصة أوزوريس وما حدث له من قبل أخيه. وفي قصة “الأمير والقدر المحتوم” نرى الشبه الكبير بين قصته وقصة الأميرة النائمة الشهيرة. أما قصة “ساتني – خع إم واس” فهي إحدى القصص ممن أحد أبطالها أشباح، ورحلة البطل ليحصل على كتاب كتبه “تحوت” بنفسه. وفي قصة “تحوتي” نرى التخطيط العسكري الممتاز الذي يذكرنا بقصص وأساطير رومانية قديمة. ومن أقدم القصص، قصة “سنوهي” التي تعد أقدم قصة قصيرة في التاريخ، وهي رحلة سنوهي هرباً من مصر حتى يعود إليها ظافراً، وغيرها الكثير.

كما أن الكتاب كذلك يضم مقتطفات لقصص غير مكتملة عن الأشباح، وكل هذه الأعمال تظهر الحس الإبداعي والخيالي الذي تمتع به الفراعنة في قص حكاياتهم الشعبية.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات