“فانيليا”: سحر التفاصيل الصغيرة

03:21 صباحًا الثلاثاء 29 أكتوبر 2013
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الفانيليا، تلك الرائحة المميزة التي ترتبط في أذهاننا بالحلويات وأطباق البسبوسة، نجدها حاضرة بوضوح كرائحتها في رواية الطاهر شرقاوي “فانيليا”، حيث نجدنا أمام عمل شاعري وساحر وحلو كالفانيليا.

رواية “فانيليا” هي رواية الكاتب المصري الطاهر شرقاوي الأولى، وهي صادرة عن دار شرقيات، وقد فازت بالمركز الأول بجائزة نجيب ساويرس عقب صدورها.

غلاف رواية "فانيليا" من تصميم مخلوف وعبدالله

غلاف رواية “فانيليا” من تصميم مخلوف وعبدالله

لا تستطيع أن تطلق عليها لقب رواية بالمعني الحرفي المتداول لها، فتكوينها يختلف عن تكوين الروايات التقليدي الذي يتكون من بداية فوسط ثم نهاية. فكل فصل في هذه الرواية يبدو كما لو أنه كتب بمفرده بأسلوب سردي ساحر يجمع بين الواقع والفانتازيا فيما يبدو أقرب إلى الحكي وفضفضة يوميات يمر بها بطلي الرواية، الولد والبنت. فكل فصل يصلح أن يصبح قصة قصيرة قائمة بذاتها، وجمعهم سوية يصنع منها مجموعة قصص قصيرة بطلاها بنت ذات خيال خصب وولد صامت يعشق كل ما هو صغير.

تبدأ تفاصيل الرواية في الوضوح تدريجياً، فتعاقب الأحداث دون وجود تسلسل محدد للأحداث يضفي عليها أريحية وألفة تجعل القارئ مستمتعاً بالقراءة لا يضع في حسبانه معايير الرواية التقليدية مثل التسلسل الزمني وتعاقب الأيام وغيرها.

بطل الرواية الأول هو “الولد” هو ولد يعشق قدم البنت الصغيرة ليطلعنا بعد ذلك على سره وهو حب كل ما هو صغير. هو كاتب صامت في معظم الأحيان لا يستطيع الكتابة إلا تحت تأثير ضغط نفسي أو توتر عصبي كأن تنفصل عنه حبيبته أمام جمع كبير من الناس، نلاحظ كذلك أنه يتهرب من صفات مثل “مازوخية” و “سادية” والتي نجدها أقرب إلى وصفه عندما يتمنى قطع قدم البنت الصغيرة ليحتفظ بها في علبة زجاجية بمنزله.

كان الولد في حيرة من أمره لتصنيف البنت، قبل أن يستقر رأيه على تصنيفها بانها “مصارعة للحياة”. تبدأ مرحلة جديدة من شخصية الولد في التكشف عندما يكتشف محل الحلويات في شارع يمر به يومياً وعندئذ يشم رائحة الفانيليا والتي يكتشف أنها رائحة البنت، أنذاك يكشف الولد سر حبيباته السبع اللاتي إحتوت أسمائهن على حرف السين، ومنهن البنت كذلك. ولم لا يحبها؟ فبعد أن إعترفت البنت بأنها شريرة وبرغبتها في القتل، وياحبذا لو كان من تقتله من أحبائها، يشعر بحب لا يستطيع مقاومته. ربما هذه البنت تشبهه؟ فكلاهما يمتلك بعض المقومات السادية في التعامل.

ونأتي لبطلة الرواية وهي “البنت” هي بنت تعشق المشي حافية في شوارع المدينة غير مبالية بأنظار الناس. لها العديد من القرارات المفاجئة والهامة مثل حبها لأعياد الميلاد ورغبتها في الموت في سن الثامنة والأربعين لا لسبب سوى لأنها ترغب في ذلك.

هي بنت ذات خيال خصب للغاية فهي تتخيل حيوانات وطيور وتطلق عليها أسماء وتشاركها الحياة في منزلها، أخرهم الديناصور الأخضر “أبريل” اذي قررت أن تتزوجه لأنها تحبه بشدة. وقد بدا خيالها الخصب منذ طفولتها عندما إختلفت أمنياتها عن زملائها وزميلاتها ممن يرغبون في أن يصبحوا أطباء أو رواد فضاء، فقد أرادت هي أن تصبح زهرة أو شجرة توت أو حتى ذئب أسود. هي بنت حزينة ولكننا نلج إلى روحها ونتعرف على لحظة سعادة حقيقة نادرة مرت بها عندما تتحدث عن مشط جدتها الخشبي والحالة الشعورية التي تمدها بها القهوة، الشمس وحمام دافئ.

هي فتاة منعزلة قررت ألا تحكي أسرارها أو تطلع أحداً على بيتها سوى الولد لآنها تدرك أنه لن يسخر منها كما يفعل الأخرون فقد أخبرته بأمر كنبتها الزرقاء التي تقضي يومها، بل حياتها بأكملها عليها وعشقها ليوم الأحد الذي تشعر أنه هبة الله لها خصيصاً.

تنتهي الرواية بفصل سريالي يتشارك فيه الولد والبنت تخيلاتهم لتجولهم في مدينة خالية تقتل ساكنيها وتتركهم جثث معلقة، كإشارة لحياة المدينة.

الكاتب "الطاهر شرقاوي"

الكاتب “الطاهر شرقاوي”

نلحظ في الرواية خلوها من الأسماء، عدا بعض أسماء الشهرة مثلاُ التي تطلق على البنت مثل أزميرالدا أو صانداي، ولكن يبقى البطلان “الولد” و “البنت” بدون أسماء. ربما كان هذا دعوة لنا للتركيزعلى تفاصيل حياتهم وسردهم لوقائع الرواية أكثر من تركيزنا عى أسمائهم.

 يتبع الرواية جزء خاص يدعى “ملاحق” وهو قصص قصيرة لشخصيات ورد ذكرها بشكل عابر في الرواية، تم إعطاؤها مساحتها الصغيرة الخاصة لنطلع على قصصهم. هذه الثلاث شخصيات تصلح بشدة لأن تكون شخصيات محورية لروايات مستقلة، سواء أكانت السيدة ذات الفستان عاري الذراعين والماضي الجميل، رجل الجنازات صاحب الحكايات، أو سيدة الغسيل التي تحولت أصابعها إلى مشابك خشبية.

يكتب الطاهر شرقاوي بأسلوب يختلف عما نشهده في الروايات التقليدية العربية على الساحة الأدبية حالياً، فهو يكتب بأسلوب ساحر ويقطع تلك الشعرة بين الفانتازيا والواقع، فيكتب أحداث حقيقية مندمجة بأخرى متخيلة، فلا تدرك أيها حقيقي وأيها متخيل! 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات