أمريكـا.. «فتـاة ليـل» في صورة دولة عظمى!

12:51 مساءً الثلاثاء 10 ديسمبر 2013
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

Obama cartoon Christian Adams Daily Telegraph

بالرغم من أنها على شفا حفرة من إعلان إفلاسها واستخراج شهادة فقر لتتساوى مع الدول المطحونة والمنهوبة في الوقوف على باب الله وسؤال المحسنين من الدول الغنيّة ليمنحوها ثمن طعام الإفطار لمواطنيها المساكين.

 أوشكت أن تقول إنها لم تعد تجد ما يكفي لدفع الرواتب الشهرية لموظفيها ثمّ تطالبهم بالصبر لحين ميسرة، فإنها – على الجانب الآخر – لم تتب عن أعمالها الفاحشة و« مشيها البطّال» وممارسة عاداتها السيئة التي لا ترحم منها عدوّا ولا حبيبًا، فالجميع عندها سواسية رأسًا برأس، فهي من أجل مصالحها وأطماعها الكبرى.

رقصة أوباما الأولى

لا تعرف الصداقة ولا تؤمن بالمُثل العليا ولا تحترم أخلاق القريّة، ولم تسمع عن الحياء والخجل، وكلّ هذه المعاني التي كانت، في يوم ما، من صفات البنت البِكر التي يحمّر وجهها من مجرد كلمة عابرة، أو نظرة طائشة غير مقصودة من مراهق أرعن، أو متحرّش محترف!!

أوباما بنظامين: قرارات تعارض الخطابات

 الولايات المتحدّة الأمريكية اسم ضخم مرعب، صدى رنين هذه الكتلة من الحروف المدعومة بـ”ال” التعريف ثلاث مرّات تسمع له دبيبًا في العظام، وضجيجا في الكيان وفي أغوار الروح، فبمجرد سماع “ال” الأولى وما تجرّه خلفها من مقطورة حروف، يمتلئ الخيال بصور كل أفلام الرعب التي شهدها المسرح السياسي العالمي على مدى ما يقرب من خمسة وسبعين عامًا، أي منذ سطوع القوة الأمريكية المتغطرسة الجبّارة التي أعلنت عن نفسها بوضوح في غمار الحرب العالمية الثانية، فمن يومها، والعم سام يجلس على قارعة الطرق العالمية ليتحرّش بالمارة ويجبرهم على الانحناء له وتقديم فروض الطاعة والتعظيم والولاء إلى ما يشبه العبوديّة.

يجر أذيال الخيبات

 وبالرغم من العاهات المستديمة التي خلّفتها المغامرات الطائشة والغرور القاتل وعلى رأسها علقة فيتنام التي تشبه طعنة مطواة قرن غزال على جبهة التاريخ الأمريكي المعاصر، ثمّ المستنقع العراقي الذي لم تنجُ منه أمريكا وهي نظيفة اليدين والسمعة، فإنها لا تعبأ بمثل هذه العاهات التي تشين فتوات الحارات الشعبيّة وتجرّسهم وتحقـّر من شأنهم في أعين الجيران، كما أنها لا تصغي أو تشغل بالها بما يقوله أمثالي من المتسكّعين في شوارع الكتابة ومحترفي اصطياد الحروف الشاردة في صحراء السياسة، هي كيان ضخم ممتلئٌ قوّة وغرورا وغطرسة، ويحمل في داخله أعراف بيوت الدعارة وأخلاقياتها!

 لا مجالَ هنا للحديث عن الشرف والعفة والطهارة والقيم العُظمى، وكم من بغايا يرتدين الملابس السادلة المحتشمة ويمشين في الشوارع فينحني لهن المارة !!

 هي دولة أصابها جنون العظمة والنرجسية والتورّم اللا معقول، فراحت تقاتل بكل وسيلة وتغامر بأيّ ثمن لتحافظ على وجودها وتصدّرِها وبقائِها مصنعًا للأحداث الكبرى في كل بقاع الكرة الأرضيّة، غير مبالية بحسابات الآخرين ولا بمشاعرهم ولا بردود أفعالهم إذا تعلّق الأمرُ بحقوقهم المشروعة وخصوصياتهم التي لا مجال للعب فيها أو المقامرة بها.

 ولهذا لم يكن مُستغرَبًا أن تفوح رائحة التجسس الأمريكي على العالم كلّه،التجسس الحديث المواكب للعصر ومتطلبات القرن الحادي والعشرين، أو قل ” في طبعته الجديدة “، وذلك بانتقاله من التجسس على الدول والجيوش والمشروعات الاستراتيجيّة الكبرى، إلى التجسس على تليفونات أعز الأصدقاء من رؤساء الدول الحليفة ووزرائها المؤثّرين وعلمائها النابغين، وصولا إلى التجسس على مئات الملايين من المواطنين العاديين من عابري الانترنت في المواقع الاجتماعية الساخنة مثل جوجل وياهو وتويتر وفيس بوك واختراق حساباتهم وتقليبها للوقوف على ما في نيّاتهم تجاه أمريكا.

وأجدني لا أستبعد أن تكون المخابرات الأمريكيّة قد اخترقت حساباتي على هذه المواقع الالكترونية، وأن تكون قد أحاطت بكلّ ما أفكّر فيه وأخطط له تجاه أمريكا، وأعتقد أنهم تمكّنوا من التجسس على تليفوناتي المحمولة والأرضية والبرمائية ونقلوا رسائل المعايدة الواردة من الأصدقاء، ويحتفظون بكل تفاصيل مواعيدي الغرامية لاستخدامها كأوراق ضغط ضدّي عندما أتصدّى لأمريكا في لحظة المواجهة الحاسمة القادمة لا محالة، والتي ستكون نتيجةً منطقيّة لــ”جرّ الشكل” الذي أمارسه ضد أوباما على صفحته بالفيس بوك إذ أفعل معه ما فعلته مع محمد مرسي العيّاط وفرقته الاستعراضيّة، بل وأنقح !! ولا أبالغ إذا قلت إنهم ربما اصطادوا هذا المقال سطرًا سطرًا وأنا أكتبه وقبل أن يصلَ إلى القارئ.

 هذه الدولة المفترية البجحة مدت أنف مخابراتها في أدق أمور حلفائها والموالسين معها والمنبطحين أرضًا عشقًا وهياما بها، وإمعانا في الكشف عن الوجه القبيح لساكني البيت الأسود في واشنطون، أعلنوا أنهم لم يتجسسوا على بابا الفاتيكان ( ذات نفسه )، كما تعهّدوا بعدم التجسس مستقبلا على منظمة الأمم المتحدة ( هي ليست على أرضهم فقط، بل في جيبهم الصغير )، أمّا دول أوربا فحدّث ولا حرج، الجميع دخلوا الماسورة، والأمريكان أوهموهم بأن ذلك لصالحهم وليس ضدهم، تماما كمن يجلس في حمام الجيران ليشاهد النساء وهنّ ـ لا مؤاخذة ـ يتحمّمن، بحجة أنه يخشى عليهن من الاختناق بالغاز، أو أن تنقطع المياه أو أن يهاجمهن برص أو صرصور والعياذ بالله، وما حدث مع المستشارة الألمانية الست أنجيلا ميركل لهو شيءٌ لا يمحوه اعتذار،ولا يغسل آثاره التعهّد بعدم فعل ذلك مستقبلا، وقديما قال الشاعر العربي:

 لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى

حتّى يُـــــراقَ على جــوانبهِ الدَّمُ

 ولكن يبدو أن الألمان يأخذون هذا البيت بالطريقة القُصرية ـ أي طريقة عبد الفتاح القصري ـ في فيلم ابن حميدو، فبعد تجسس الأمريكان لمدة 12 سنة على الست ميركل بما يكفي لمعرفة كل تفاصيل حياتها من قيادتها للدولة إلى مقاسات أشيائها الداخلية الخاصة، فإن الأمر يوشك أن ينتهي بقعدة عُرفية بين مخابرات البلدين،وأن يقوم مندوب أوباما ويبوس رأس مندوب ميركل، و….

صافي يا لبن ؟ حليب يا قشطة، وزغروتة يا بنات هاتوا الشربات !!

 إذا كان هذا حال أوربا، فما الحالُ بالنسبة لحالنا ؟ لا أستطيع أن أتخيّل ما يمكن أن تكون أمريكا قد فعلته بنا ومعنا، فبمجرد تفكيري في الوضع وجدتني ” عايز أعيّط “، فانتزعت قدميّ من براثن هذه الأفكار الشيطانية وقلت: فشـر، همّا يقدروا ؟ وهل لدينا ـ أصلا ـ شيء لا يعرفونه ؟

أوباما رجل غلبان، أوقعه حظه الهباب ليكون رئيسا لأمريكا في هذه الظروف الأشد هبابية، وأشهد أن ثورتنا في 30 يونيو وما تبعها قد قصمت ظهره وجعلته ينخ أمام سوريا وأمام إيران، وجعلت منه شخصًا ” هزؤ ” مثل صديقه العيّاط الهزؤ الذي عزلناه، ولا أستبعد أن يقوم الأمريكان بتجريس أوباما بأن يربطوه بالمقلوب على حمار أعرج أزعر أجرب، ثمّ يهتفوا وراءه ـ بالأمريكاني ـ العبيط آهه آهه!!

(نشر في فيتو: بتاريخ الإثنين 11 نوفمبر 2013 )

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات