بي نظير بوتو.. نهاية دموية لحياة سياسية حافلة

08:27 مساءً الخميس 19 ديسمبر 2013
أحمد محمد حسن

أحمد محمد حسن

كاتب ومخرج بالتليفزيون المصري، القاهرة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2013 تحل الذكرى السادسة لاغتيال بي نظير بوتو التي تعد أصغر رئيسة وزراء في العالم حيث تولت رئاسة الوزراء في دولة الباكستان وعمرها لم يتجاوز 35 عاما ، وهي أيضا أول رئيسة وزراء لدولة إسلامية .

بي نظير بوتو

و بوتو هي الإبنة الكبرى لرئيس الباكستان الأسبق (ذو الفقار علي بوتو) رئيس حزب الشعب ومؤسسه عام 1967 وقد ولدت بوتو في 21 يونيو/ حزيران عام 1953 في مدينة كراتشي الالباكستانية .

بعد إكمالها لدراستها في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة وجامعة اكسفورد في بريطانيا عادت إلى الباكستان . وقد عاشت بوتو في الخارج من عام 1969 حتى عام 1977 وكانت تعود لالباكستان لفترات بسيطة في هذه الفترة لتستمتع بالسلطة فترة حكم أبيها ، واعتقلت قبيل إعدام أبيها في عام 1979 وبقيت في المعتقل حتى عام 1984 ثم سمح لها بمغادرة البلد إلى بريطانيا ومن هناك تولت قيادة حزب الشعب الالباكستاني وعادت إلى الباكستان في 10 أبريل/ نيسان عام 1986 لتستعد لخوض الإنتخابات التي كان يتوقع أن يجريها الجنرال (محمد ضياء الحق) رئيس الباكستان في تلك الفترة .

واستقبلت استقبالا ضخما في مدينة لاهور حينذاك وبقيت بعد ذلك مرتبطة بالحكم سواء في السلطة أو المعارضة حتى عام 1988 عندما غادرت الباكستان إلى الإمارات العربية المتحدة وبقيت مع أولادها بين بريطانيا والإمارات ولحق بها زوجها (آصف علي زرداري) بعد ذلك إلى أن اقترب موعد الإنتخابات وبدأت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالضغط على الجنرال (بيرفيزمشرف) لإجراء انتخابات في ضوء فقدانه شعبيته ، وكانت مصالح تلك الجهات تقتضي أن يتولى السلطة شخص مخلص لهم ويكون في عين الوقت متمتعا بقاعدة شعبية كبيرة وكان ذلك الشخص في نظر الولايات المتحدة هو “بي نظير بوتو” .

وقد صارت بي نظير بوتو أول رئيسة وزراء لدولة الباكستان عام 1988 وأصغر رئيسة وزراء في العالم واستمرت في الحكم إلى عام 1990 حيث اتهمت هي وزوجها بالتربح غير المشروع واستمرت بي نظير ثلاث سنوات من عام 1990 إلى 1993 تناضل من أجل استعادة مكانها ومكانتها وتنفي عن نفسها تهم الفساد التي لاحقتها وفاقت الحدود .

وفي عام 1993 عاودت بوتو صعودها مرة أخرى في عالم السياسة لتتولى منصب رئاسة الوزراء (للمرة الثانية) من عام 1993 حتى عام 1996 حيث عاودت جرائم الفساد المالي لزوجها الظهور مرة أخرى (خصوصا أنها عينته هذه المرة وزيرا للإستثمارات الخارجية) وقامت سويسرا بتجميد أموالها بناء على طلب من الحكومة الالباكستانية ، مما أدى إلى انهيار شعبية حزب الشعب في انتخابات فبراير/ شباط عام 1997 حيث مني الحزب بخسارة فادحة أمام “عصبة الباكستان الإسلامية” بزعامة نواز شريف .

لقد كانت بي نظير بوتو تحب الحكم والسلطة إلى أبعد الحدود فالسلطة هي محور حياتها ومن أجل السلطة يهون الكثير فقد كان حزب الشعب الالباكستاني الذي أسسه والدها عام 1967 حزبا يغلب عليه الميل إلى النظرة الشيوعية وكان الحزب يفضل النموذج الصيني للشيوعية وكان (ذو الفقار علي بوتو) نفسه يرى “ماوتسي تونج” نموذجا يحتذى به .

لكن لما رأت بوتو أن الظروف قد تغيرت وأن النموذج الليبرالي الغربي هو الأدعى للقبول لدى أمريكا والغرب وكانت قد أدركت حقيقة أن الوصول إلى السلطة في الباكستان والاستمرار فيها يتوقف على رضا أمريكا ، حولت عندئذ قبلة الحزب وغيرت اتجاهه من الشيوعية إلى الليبرالية الغربية ، كون ذلك يقربها من هدف الوصول إلى السلطة .

وعندما عادت بي نظير بوتو إلى الباكستان يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2007 كانت هناك إتفاقيات عقدتها مع الجنرال مشرف بضغوط أمريكية وبريطانية على أن يكون مشرف رئيسا للدولة وبوتو رئيسة الحكومة القادمة وكانت متيقنة من توليها المنصب المذكور عند عودتها ، ولكن المدبرين لحادث إغتيالها لم يمهلوها هذه المرة واغتالوها يوم الخميس 27 ديسمبر عام 2007 في أكبر إغتيال سياسي في تاريخ الباكستان المعاصر .

وقد كانت هناك محاولة أولى لإغتيالها في كراتشي يوم 18 أكتوبر عام 2007 حيث أستهدف موكبها ومناصريها بتفجيرين انتحاريين ولكنها لم تصب بسوء .

وأعلن تنظيم القاعدة مسئوليته عن إغتيال بوتو وقال زعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان أن عملية الإغتيال جاءت بناء على قرار اتخذه الرجل الثاني في تنظيم القاعدة (أيمن الظواهري) وقال : ” لقد قضينا على أغلى رصيد أمريكي (بوتو) والتي أعلنت عن عزمها إلحاق الهزيمة بالمجاهدين ” .

بينما ذهب البعض إلى أن جهات غربية وربما تكون هندية هي التي نفذت عملية الإغتيال لإشاعة مزيد من الفوضى في الباكستان ، ويرى بعض المحللين أن بيرفيز مشرف هو المستفيد من إغتيال بوتو وأن من دبر الحادثة هي الإستخبارات الالباكستانية وليست بفعل عناصر إسلامية وذلك أن مشرف يرى أن بوتو هي البديل القوي والمرشحة من الولايات المتحدة بعد أن رأت أمريكا أن تستغنى عنه ، فقتل بوتو هو خسارة للولايات المتحدة فالمؤشرات كلها كانت تؤكد أن واشنطن قد أعدت الأمر بأن تتولى بوتو الحكم في الباكستان بعد ظهور رائحة مشرف وإنتهاء دوره وفشله في القضاء على طالبان والقاعدة .

وعموما فإن بي نظير بوتو أفلحت في تصوير نفسها بإعتبارها نقيضا للمؤسسة السياسية في الدول الإسلامية التي يهيمن عليها الرجال على نحو ساحق فقد كانت بوتو في مرحلة من المراحل تعتبر رمزا للديمقراطية والحداثة في المجتمع الالباكستاني .

وبإغتيال بوتو تنطوي صفحة مهمة بل قد تكون الأهم في تاريخ الباكستان فلا أحد يستطيع أن ينكر أن بوتو كانت شخصية كاريزمية طاغية استطاعت أن تؤثر في الحياة السياسية في الباكستان .

الكاتب في متحف الشمع، أمام تمثالي بي نظير بوتو وأنديرا غاندي

وقد أسعدني الحظ بزيارة متحف ” مدام توسو ” في العاصمة البريطانية لندن ، ولازلت اذكر البهجة التي غمرتني وأنا التقط صورة شخصية بجانب تمثال واحدة من أهم السيدات اللاتي خضن غمار السياسة المعاصرة على مستوى العالم .. فبالرغم من أنه تمثال  إلا أنه رمز لسيدة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه وساهمت في صنع صورة مغايرة عن المرأة اليوم .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات