تمتثل البنية الشكلية في ديوان رنيم ضاهر :” أتثاءب في مخيلة قطة” ( الغاوون – بيروت 2013) لجملة من الآليات التي تتعاضد لإنتاج وعي جمالي كلي للنص/ الديوان، وهذه البنية تتساوق والرؤية الكلية التي تريد الشاعرة طرحها في هذه التجربة الجمالية.
إن الشاعرة تريد أن تقدم لقطات ومشاهد للحالة الجوانية للكائنات، لتصرفات الكائنات في الطبيعة، وهذه اللقطات والمشاهد لا تسرد شكل هذه الكائنات أو وصفها الخارجي، قدر ما تريد الدخول إلى الإحساس الجواني لها. ولهذا تذكر الشاعر طرفا من فعل أو واقعة أو مشهد، ولا تنتج سيرة للكائن وشكله وترصد أنواعه. هي تقدم خيال الكائن فحسب، وهذا الخيال يتم بالضرورة عبر وعي طفولي بالأشياء، إنها تتأمل الكائن في براءته ، في حضوره الباذخ في المخيال الطفولي.فهي ربما كانت تتأثر بأصوات أو أشكال أو حركات هذه الكائنات في طفولتها، في بيت جدها الريفي كما تذكر في أحد حواراتها .
ويأتي الشكل الشعري هنا لينقل بنا قطرات من هذا التأثر على هيئة لقطات ومشاهد تحاكي شكل الذاكرة الطفولية بالفعل التي لا تعبر كليا، ولكنا تعبر وتتذكر بشكل جزئي متقطع.
تفصح الشاعرة هنا عن عمل شعري يسعى للاختلاف. إنها حين تذكر لنا في ديوان شعري يعد من الدواوين المكثفة، المضغوطة كلماتها إلى حد بعيد مجموعة كبيرة من الحيوانات والكائنات والطيور، فنحن هنا حيال شاعرة ترى بحسها أكثر من رؤيتها الواقعية المضغوطة :
عند شاطىء السلاحف
الهدوء ووالده البطء
يسيران على مهل
يتابع العنكبوت
تأرجح
على خيط الوقت تنتظر الحياة
حادثا لن يقع.
والشاعرة في نصوصها المكثفة هذه، شاعرة تتأمل لا تسرد، وتقدم السؤال بديلا عن الإجابة، سؤال الكائنات ابنة الوجود، وابنة اللحظة المراقبة المرصودة، ويتم ذلك عبر جملة من الآليات تنسرب في نصوص الديوان بوصفه كلا، وتتمثل هذه الآليات في التالي:
إن هذه الآليات التي تتواتر على امتداد قصائد الديوان هي آليات ناجمة عن استثمار البنية القصيرة للقصيدة. لم تعد هناك مقولات جاهزة تعزز من هذا وتحفز من ذاك.فالكتابة عبر البنية القصيرة تستدعي من كاتبها أن يكون مكثفا هو أيضا، أن يتسم بقدر من المرونة في استقصاء الأشياء وتتبع دلالاتها في مختلف السياقات التي يقدمها.
في مشهد من مشاهد الديوان نجد أن اللغة ” تعاني التهابا مزمنا في مفاصلها” اللغة هنا تشخصت، لكنها تعاني من السير، هي لا تمضي إلى حيث وجهتها السياقية التي تتركب بها الجمل وتتلاقى الكلمات.
وإذا ساءلنا الشاعرة عن جوهر اللغة وعلاقة الشعر بها فإنها تسفر لنا عن مجموعة من القصائد التي تكون فيها اللغة هي المحور الرئيسي لدلالة القصيدة، ولا تصبح مجرد ضيف على النص لكنها هي صانعته وهي التي تشكله وتقوده، لنصغ إلى هذا المشهد:
رأسها كرة معنى
تؤرجحها هررةُ الحيّ
تنتظر زوجها
على حافة الورق
ذقنه جورب رطب
يسيرُ إلى ختام الغابة
يودعُ أرملته في البئر
ويمضي كفيلسوف شاحب.
لنجد أن الانتهاك السوريالي للرؤية الشعرية يتجلى بشكل واضح، مع الكثافة، مع المفارقة في السطر الأخير، وهنا يصبح القصد الشعري لا شعريا بالضرورة بل قصدا يتوامض في خلفيته الحس الفلسفي بالعالم وتفاصيله الدرامية المثيرة.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.