الشاعر مؤمن سمير في ديوانه: تفكيك السعادة

05:23 مساءً الخميس 23 يناير 2014
د. أحمد الصغير

د. أحمد الصغير

ناقد، أستاذ مساعد الأدب العربي بكلية الإلهيات ــ تركيا

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الشاعر مؤمن سميرمؤمن سمير شاعر مصري أحد أبناء جيل التسعينيات الشعري ، يمتلك صوتا شعريا مائزا في الحركة الشعرية المصرية ، فقد استقر الشاعر مؤمن سمير في أرض التجريب الشعري بكياناته المتعددة وفي نصوصه وعوالمها الغرائبية .

       كَتَبَ مؤمن سمير في ــ شكل بسيط  ـــ  قصيدة النثر، منذ ديوانه الأول(بروتريه  أخير لكونشرتو العتمة 1998 )  ، مؤمنًا بألاعيبها وتشظيها المنفلت الذي لا حدود له ، ومنحته القصيدة النثرية بعض ملامحها المطلقة التي تعطي للشاعر كياناتها وعذاباتها المتعددة ، فمعظم نصوص سمير هي صورة من حياته الشخصية ، ومعاناته إزاء أفكار بالية ومجتمع ينزف أبناؤه كل ثانية ..

    حاول مؤمن ولا يزال الاتكاء على جراح الماضي مستشرفا أحداث المستقبل من خلف نظارته العميقة التي تترصد أجساد الشوارع والحواري والأزقة في القاهرة ، وبني سويف والسويس والبحر الأحمر ، يبحث عن قصيدته في جيوب عمال التراحيل ، وأصدقاء الغرفة التي ينبعث منها دخان الخلود .. هذه هي قصيدة مؤمن سمير كما تجلت في ديوانه المهم ” تفكيك السعادة”  .

     تفكيك السعادة هو الديوان الشعري الثامن للشاعر،  فقد صدر له منذ أواخر التسعينيات ديوانه الأول ــ بروتريه  أخير لكونشرتو العتمة 1998 ـــ  هواء جاف يجرح الملامح  2000  ــ غاية النشوة  2002 ــ  بهجة الاحتضار 2003 ــ  السريون  القدماء 2003 ــ  ممر عميان الحروب 2005 ــــــ تحت رجة الحنين 2009 ــــــ ، تفكيك السعادة 2009 .

       اللافت للنظر في تجربة الشاعر مؤمن سمير الشعرية هذا الإنتاج الشعري الغزير الذي قدمه في فترة زمنية قصيرة من زمنه الشعري لم تتجاوز عشر سنوات ، وهذا لايخلو من دلالة مفادها،  أن الشاعر مؤمن سمير غزير الإنتاج  الشعري ، يمتلك عوالم عدة من المجازات والاستعارات المتوالدة من رحم قصيدة النثر ؛ لأنه يملك أرضية الشعرية المتحركة دائما التي استقر نصه فيها ، وتسيطر عليه رغبات المغامرة الإبداعية ،  والمبارزة الشعرية ، أو فيما عرف بالنزال الشعري في قصيدة النثر الذي يختلف عن المفهوم القديم للنزال  ـ لأن مؤمن لايرى في نفسه إلا شاعرا مغامرا بالشعر ومن أجل الشعر.

تجلى في نصوص ديوان تفيكيك السعادة  المفهوم المنطقى  لطبيعة الديوان ، وهو أنه يتكون من مجموعة  من القصائد المتضامة  فيما بينها حول فكرة رئيسة واحدة ،  أو حالة شعرية متشابكة . هذه الحالة النصية المخاتلة التي نَتَجَ عنها مجموعة من الحالات الشعرية الفرعية التي تلحتم بذات العالم الأرضي ؛ ملبية نداءات الآخرين الذين يلهثون خلف حقائق مكذوبة منها السعادة الأبدية ، فلا سعادة منقوصة ، ولا سعادة دائمة ولا فرح أو حزن ، يتخللان حياتنا الورائية التي نلوذ بها كلما ضاقت مسالك الراهن التعس والممزق الغاضب دائما .

     أولى العتبات النصية  لهذا الديوان ألا وهي : العنوان (تفكيك السعادة ) ، وعلى الرغم من بساطة العنوان ، من خلال عملية التفكيك التي تقوم بها الذات الشاعرة ، فإنه عنوان فلسفي يحمل الكثير من الغموض والمخاتلة والخلل المنطقي ، وإثارة الأسئلة في الوقت نفسه ،ومنها كيف تتفكك السعادة ؟ وكيف نوزعها على الأصدقاء والمعارف ؟ ـــ الأمر جد مقلق ومربك ـ في حقيقة الأمر ؛ لأن الذات تبحث عن ماهية السعادة من خلال تفكيكها وتفتيتها إلى جزيئات صغيرة أيضا، يبدو أن الذات الشاعرة تعتصم بحبال السعادة كي لا تفر من أيديها محاولة خلق عوالم أكثر اتساعا مناسبة ،  للسعادة في شكولها الجديدة في واقعنا الراهن .

   العتبة الثانية للديوان صورة الغلاف تصميم الفنانةعلا بدار، وهي ترصد تلك الوجوه التي تبستم ابتسامات تائهة لا هدف منها ، بل مجرد ابتسامات صفراء ، لا تحمل صورة السعادة الحقيقية ، وقبل الولوج في المتن ، نلاحظ التناص المباشر لمقولة ماركيز : “بلسمى السم يا أماه”  ، تنبثق روح ماركيز في أول جملة يتناص معها سمير في ديوانه تفكيك السعادة لنرصد من خلالها الوجع الحياتي الذي تعاني منه الذات الشاعرة فتقوم بتفكيك السعادة الصاخبة التي لا لون لها ، بل هى مجرد تهويمات عادية ، وكأن السعادة هي السم والبلسم في الوقت نفسه ، ولامفر من تذوقه والحياة به . يقول مؤمن سمير في الفصل الأول من الديوان : تهويمات الفرشاة  ،” التي لاينقصها الإخلاص عادة”. :

”  تعالوا لنحكى عن السعادة

نحكى قليلا ..

أجل ، السعادة يا أصدقاء

صدقونى

الأمر يستحق بجد

أن نترك مشاعرنا

إلى جانبنا على المقعد

التعب زاد كثيرا ، والمرارة لم تعد تُصَدِّقُ

أننا مللنا طعمها الاستعماري”

         يبدأ النص الشعري عند مؤمن سمير بالحوار الافتراضى الذي يفترض مُخَاطبة مجموعة من الأصدقاء (المتلقين أو القراء)  الذين يتفاعلون مع عالم النص الشعري ، ويمنحهم طرفا واضحا للمشهد الدرامي الذي تتناوله الذات الشاعرة ، رغم سخرية الأصدقاء،  واندهاشهم من القول ، تعالوا نتحدث عن السعادة يا أصدقاء ، يرتكز النص السابق على بنية لغوية حزينة أيضا مندهشة مما يحدث ، تعالوا ــ صدقوني ــ الأم نترك ــ مشاعرنا ــ الأمر يستحق ــ إلخ ) من خلال هذه البنية النفسية للتركيب اللغوي للنص تمدنا بمدلولات متعددة ،منها طرح بنية السعادة المفككة في مشاهد شديدة الحزن والوجع الدرامي الذي تتنوع أشكاله داخل الذات التي تعبر من نص إلى نص داخل المتن الشعري وهى متلبسة لحالات الأصدقاء الذين كانوا قد كفنوا السعادة في قلوبهم وبيوتهم وغرفهم المغلقة ومما يعزز هذا القول في موضع آخر من الديوان ، حيث  يقول الشاعر:

 ” أنا وصديقي

 نصنع كلاما

لنسمعنا

ونرسل الضحكات

كلما سنحت الظروف

لضعفنا

الأجمل

من الطيور

والصور “

    يتكىء الشاعر على بنية درامية تتخلق من خلال الحوار الداخلى الذي صنعته الذات ، من خلال حديث الأنا للأنا التي تحاول أن تُلَمْلِمَ أجزاء السعادة جزءًا جزءًا ، ومن ثمَّ فإنه حاول أن يصنع هذا المشهد المضغوط ( المكثف في مساحة النص الشعري ) . ونلاحظ الفراغ الذي تشكله السعادة في النص الشعري فيقول سمير :

تعريف السعادة

السعادة  هي ……………

………………………، ……………………………….،

تفيد الأسطر الفائتة  التي تشكل البياض الأعلى ماهية السعادة المتوهمة التي يفر الناس حيواتهم الورائية ؛ بحثا عن ملذاتها ، وفي النهاية لن يجدوها كما تخيلوها أو قرأوا عنها في مواقع افتراضية متعددة ، حتى المواقعه الافتراضية تفترض عليهم سعادة متشابهة  سرعان مايتبدد ألقها ، وتنقلب إلى الحزن والتشاؤم المقيم في قلوبها …

       يلعب الشاعر بالفراغات التي تفرض على المتلقى أن يشارك في عملية الخلق النصي نفسه ،  أوبمعنى آخر، هو أنَّ كل إنسان لديه سعادة تختلف عن الآخر فكلٌ يصنع سعادته بنفسه ، محاولا استنطاق الكائنات التي تتسرب إلى روحه متخفية في مسام البدن الحائر .

يرتكز مؤمن سمير على صياغة اللألعاب الشعرية من خلال الألوان المختلفة التي تكمن السعادة داخلها ، حيث إنها تمنح الذات شكولا مختلفة من السعادة الغائبة في العوالم الأرضية . فيقول:

” الأحمر  ، عندما نكتشف  فجأة 

وبدون ترتيب 

أننا نحب الحياة :

أنت  تقيم في نقطة

لايراها غيرك

على الخريطة المدرسية

تخرج مبكرا

ليتاح لك

نعيم  الحديث مع السيارات “

             يتكيء الشاعر على اصطياد لحظات السعادة من خلال العشق الأبدي للألوان التي تعبر عن سعادة البشر من خلال انتقائها وارتدائها فالأحمر يدل على السعادة والفرح والرومانسية ، ومن ثم تصبح الألوان هي بنية أساسية من البنى التي تتكون من خلالها سعادة البشر ، ويأتي اللون الأخضر  ليضفي نوعا جديدا من السعادة التي تضيع في التفاصيل اليومية دائما عندما يهمشها الإنسان ويبحث عن قوت الحياة ومادياتها التي لم تنته ولن تنتهي طالما بقى الإنسان على وجه الأرض يعدو في جنباتها بحثا عن نفسه ولن يجدها إلا إذا ترك كل شيء وانتبه إلى أبسط الأشياء وهي تفاصيل السعادة اليومية الحزينة .  ، فيقول مؤمن سمير  :

الأخضر ،

عندما تتأكد من حب أحدهم .

أبوك بالضرورة  يحبك

وأمك بالضرورة تحبك

وكل صديق  تأتي فترة عليه

كل مرحلة

يكن لك حبا حقيقيا .

يشي النص السابق القصير بالعلاقة الأبدية بين الألوان والأحبة ، محبة الأب والأم والصديق ، فكل مرحلة من حياة الإنسان لها ألوانها كما لها أحبتها ، وكأن الكائنات اللونية هنا تبدو أكثر إشراقا في الدلالة على محبة الابن لأبيه ، ومحبة الصديق لصديقه ، فالأب هو صانع السعادة في فترة الطفولة مثلا ، أما الصديق فهو صانع السعادة في فترة الشباب ، وباقي العمر ، لكن البعد الرؤيوي للذات الشاعرة يكمن في إزاحة الألوان ( ومنها الأخضر ، الأحمر) عن دلالتها المباشر إلى موقع أكثر عمقا وانصهارا داخل الذات المشغولة بتفكيك الأشياء بحثا عن رغبتها في الحياة ……

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات