لغة الأشياء / وردة أنطوان الدويهي

09:22 صباحًا الإثنين 17 فبراير 2014
باسمة العنزي

باسمة العنزي

روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بعض الكتب تأتي للقارئ كوجبة طعام معدة على نار هادئة، استغرقت زمنا طويلا لتجهز وبحاجة لاهتمام وتركيز المتلقي، لا تصلح للقارئ العجول ولا الباحث عن الأحداث المتسارعة والقصة المبهرة والشخصيات اللامعة المتصارعة. يأتي الروائي انطوان الدويهي في عمله (حامل الوردة الأرجوانية) والذي رشح في القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية هذا العام، ليؤسس عالمه الروائي حول بطل مغاير، مسلوب الإرادة جزئيا، يملك وعيا يؤرقه وهو يشهد حرمانه من حريته في مدينة تفقد طبيعتها وحرية أفرادها، معزول في يقظته، مقصي وسط الجموع، مثقف صامت عدم رضاه لم يتعد رسائل سرية مموهة.

الدويهي وروايته

تبدأ الرواية باعتقال البطل وهو كاتب بوعي مغاير ومهاجر سابق وسجنه في (حصن الميناء) المطل على البحر دون تهمة محددة، وبقائه من دون تحقيق في إحدى الغرف التي تخلو من النوافذ و معلق على جدارها صورة للطاغية كتب تحتها « بطل بلاد دجلة و الفرات و العاصي و قائدها الملهم» حاكم في الخمسينات من عمره يرتدي بزة عسكرية، وصل عن طريق انقلاب عسكري.

لا تكشف الرواية عن سر اعتقال الكاتب سوى في نصفها الثاني، يبدو عالم البطل وكأنه نسخة مكررة عن عوالم المواطن العربي الرازح تحت حكم الأنظمة القمعية التي تهاوت قلاع جبروتها بعد الربيع العربي.

«الطاغية، لا يساورني أي شك في أن يده امتدت الآن بقوة إلى المدينة، وان الآتي أعظم»*

الكاتب طوال فترة حبسه المريبة، يغوص في أعماق ذاته مسترجعا ذكرياته في فرنسا مع حبيبته آنا، محاولا المرور بمحطات كثيرة من حياته التي لم تكن استثنائية على جميع الأصعدة.

«لقد قتل جهاز الطاغية في ذلك الشعور، كما قتل مشاعر ومشاهدات وأشياء كثيرة أخرى»*

تتابع المنولوجات الداخلية للبطل على امتداد الصفحات، فتظهر ملامح رجل الذي فقد حبيبته لعجزه عن اتخاذ القرار المناسب، وكاتب لم يذعن لمحاولة شرائه في غربته عبر الكتابة في مجلة تصدر في المهجر بتمويل خفي من الطاغية.

العمل لم يحمل الكثير من الشعارات ولم يلجأ لاستدرار عطف القارئ، وقف على مسافة مما يحدث في حاضرنا محاولا تفسيره بنظرة محايدة معتمدة على المنطق والتاريخ و الرغبة في تحليل سطوة الاستبداد.

«يتسابق معظم الوجهاء لتقديم أنفسهم للنظام، ويتسابق معظم الناس لتقديم أنفسهم للوجهاء. ومن لا يسير في هذه الحركة ينتظره بؤس المصير»*.

في النهاية نكتشف المفارقة في مساومة النظام لقاء طلب غريب وعبثي!

الرواية استخدمت ضمير المتكلم، جاءت بلغة هادئة متمكنة تحفر بعيدا في العمق دون النظر للهوامش والإضافات، مغايرة دون إبهار، تحمل فلسفتها من دون استعراض، تبني عوالمها مستخدمة رموزا واضحة، بطلها لا يمر بمنعطفات، متصالح مع ذاته المهزومة، يحمل وردته الأرجوانية كما يحمل قلمه و يخطو وهو معصوب العينين لقدر أقوى منه ولسلطة أعلى بدأت تترنح، العمل مختلف بإيقاعه البطيء المتأمل وبموضوعه الذي يوهم القارئ أول الصفحات أنه عن أدب السجون فيكتشف أنه عن أدب الحرية عبر قصة سجين عربي مختلف، تمر عليه اللحظات ثقيلة فيستغلها في انارة جوانب من ذاته عبر طرح أسئلة فلسفية مستحقة عن الحب والزمن والحرية وعلاقة الإنسان بالطبيعة الخارجية، عن الوطن ومن يحكمه وفهم ماهية النسيان والموت.

رغم سطوة جهاز الطاغية على تفاصيل حياة الشعب وتغلغله لأمورهم الشخصية و مراقبته لكل شاردة وواردة، حيث الكل عالق في شبكة عنكبوت النظام الرهيبة، إلا أن العمل يبشر بانهيار خلاياه وعروقه وشرايينه، ويعد بفجر حرية يخرج فيه الشعب كالنهر الهادر آخذا في طريقه كل شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات