نادر القنة يخترع (نوبل العرب)!

06:50 مساءً الأربعاء 19 فبراير 2014
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ألفرد نوبل ونادر القنة: هل أصبحا متعادلين؟

في سبتمبر الماضي عقد د. نادر القنة، بوصفه رئيس الهيئة الاستشارية المحكمة مؤتمراً صحافياً في رابطة الأدباء للاعلان عن الجائزة «العربية للابداع الثقافي»، وأوضح أنها تقام للمرة الأولى بالتعاون ما بين وازرة الثقافة العراقية، بمناسبة اختيار بغداد عاصمة للثقافة العربية، ومنظمة «الألسكو» التابعة لجامعة الدول العربية، وتنقسم الى أربع مجالات، بقيمة 40 ألف دولار، تشمل أيضاً مكافأة أعضاء الهيئة المحكمة وعددهم ثمانية.

أما المجالات الأربعة فهي: الأول: التأليف في اللغة والرواية والشعر والنقد الأدبي والفن التشكيلي وأدب الأسرة والخط العربي (ما الذي يجمع بين كل هذا الخليط؟)، والثاني: الأعمال العربية المترجمة الى لغات أجنبية، والثالث: المسرح والسينما، والأخير: التلفزيون والاذاعة. وفيما يلي عدة ملاحظات وتساؤلات أساسية:

اعلان القنة يأتي متأخراً أكثر من أسبوعين عن تداول خبر الجائزة في عدة مواقع عراقية تشير بوضوح الى «اغلاق» باب الترشح لها في 31 أغسطس! فكيف يقيم رئيس هيئة تحكيمها اعلاناً عنها بعد غلق الباب أساساً؟!

كيف يغطي ثمانية محكمين كل هذه الأنشطة والمجالات المتباينة جداً؟

ثم ما تلك القيمة المادية الهزيلة جداً «40 ألف دولار» شاملة أربع مجالات وعشرات الفائزين؟

لا يوضح مؤتمر رئيس هيئة المحكمين أي شروط تفصيلية للجائزة!

رغم ان «الألسكو» كما هو معلن ترعى الجائزة، التي تتولى وزارة الثقافة. العراقية تكاليفها، الا أنني عجزت عبر البحث في موقعها «الرسمي» عن أي خبر يتعلق بالجائزة.

كل ما توصلت اليه من مواقع مختلفة ان الشرط الأساسي ان يكون «المرشح حاصلاً على الجائزة التقديرية أو التشجيعية في بلده».

فهل المقصود ان العمل «المرشح» يكون حاصلاً على جائزة؟ أم ان صاحب العمل نفسه يكون قد حصل على جائزة؟ وما أهمية هذا الشرط «اللوغارتيم»، هل هي الرغبة في منح «جائزة لعمل فاز بجائزة»؟

النتائج

مرت ستة أشهر تقريباً ثم خرج رئيس الهيئة المحكمة د. القنة خلال مؤتمر صحفي أقيم في بغداد وأعلن نتائج المسابقة. وأيضاً لا يوجد في موقع «الألسكو» أي بيان بالنتائج. وما تم تداوله عبر صحف ومواقع الكترونية ان هناك 32 فائزاً في المجالات الأربع، وبالكاد استطعت التوصل الى أسماء 24 فائزاً، منهم 13 فائزاً في المجال الأول وحده! واثنان في الترجمة، وأربعة في المسرح والسينما أحدهم فاز بجائزة اسمها «السيناريو المسرحي»! واثنان في الاذاعة والتلفزيون فقط! وثلاثة بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

طبعاً ثمة عدم توازن على الاطلاق في منح الجوائز بين المجالات الأربعة، لان أكثر من نصفها ذهب الى مجال واحد، عدا ان معظمها لا يرتب مراكز كما هو متبع (طالما هناك أكثر من فائز)، بل اعتمد تقريباً منطق مناصفة كل جائزة، وكل من يحكمون في لجان يعلمون ان «المناصفة» تعبير مباشر عن ترضية أسماء أو دول.

نأتي الى التوزيع الجغرافي للفائزين، وهو يتحدث بوضوح عن نفسه، فثُلث الجوائز ذهب الى العراق (ثمانية)، تليها مصر (ستة) والكويت (اثنتان)، بينما فازت كل من السعودية، الأردن، فلسطين، سلطنة عمان، الجزائر، المغرب، وسوريا.. بجائزة واحدة. اضافة الى فائزة من ايران، ولا أعرف ما علاقة مترجمة ايرانية بجائزة تحت مظلة الجامعة «العربية»، ومقامة بمناسبة اختيار بغداد عاصمة للثقافة «العربية»! فهل ايران أصبحت عضواً في جامعة الدول العربية؟ وهل لا يوجد أحد جدير بأي جائزة من كل هذه الجوائز في اليمن وقطر والبحرين والامارات وليبيا؟ وحسب المعلن، ورغم هذا الكم الواسع من المجالات، والمناصفات، فان الأعمال التي تقدمت للمسابقة ضئيلة، (129 عملاً)، أي تقريباً عمل من كل ثلاثة شاركوا فاز بجائزة! ناهيك عن التحيز الجغرافي الواضح للدولة داعمة الجائزة! تليها مصر.

القواعد

بالعودة الى الشرط الأساسي للجائزة وعلى لسان رئيس هيئة التحكيم فقد قال في مؤتمر اعلان النتائج: «حددت المشاركة بأولئك الذين نالوا الجوائز في دولهم وكذلك أولئك الذين ولأسباب سياسية ورغم ابداعهم حرموا من الفوز بأي جائزة من دولهم» فما الذي نفهمه من هذا الكلام! ألا يعني ان من فاز أو من لم يفز بجائزة من حقه المشاركة؟ فما الداعي لشرط ينفي نفسه بنفسه! وما الذي يتبقى اذن من شروط الجائزة!

وباستقراء لبعض أسماء الفائزين سنجد ان الكاتبة سعداء الدعاس فازت عن روايتها «لأني أسود» الصادرة في 2010، وهي حائزة بها على جائزة الدولة التشجيعية، مناصفة مع الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة عن روايته «المسكوبية» الصادرة أيضاً 2010، والمؤلف نفسه أصدر روايتين بعدها، أليس من باب أولى تكريمه على عمله الجديد؟ وكذلك الباحث طلال الرميضي فاز عن دراسته» الكويت في السالنامة العثمانية» وسبق له الفوز عنها بجائزة الدولة التشجيعية عام 2010، أي مر على دراسته أربع سنوات وربما أكثر. وفي المسرح فاز الكاتب المصري ابراهيم الحسيني عن مسرحيته «جنة الحشاشين» التي سبق له الفوز عنها بجائزة ساويرس قبل عامين.

بالطبع كل الأسماء المذكورة مجرد أمثلة ولها كامل التقدير والاحترام لمنجزها، والذي سبق ان حصدت عنه بالفعل على جوائز لها قواعد وآليات واضحة، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها.. لكن التساؤلات التي تطرح نفسها ما المغزى من «تفويز» أعمال سبق لها الفوز بجوائز؟ أليس الأولى منح الجوائز لأعمال لم تفز من قبل؟ وكيف يستقيم منح جائزة في عام 2014 لأعمال قدمها أصحابها قبل سنوات طويلة؟.

من المفترض ان أية جائزة تكون لها فلسفة ما، تحدد توجهها، وأهدافها، ومعايير وشروط الاشتراك فيها.. بداية من نطاقها الجغرافي، هل هي دولية بما يتيح لمترجمة ايرانية الفوز فيها أم عربية أم محلية؟ ثم يأتي مثلاً شرط السن، هل هي للشباب دون الأربعين مثل جائزة دبي الثقافية؟ هل هي للاصدار الأول مثل جائزة الشارقة؟ هل هي في مجال الرواية وحده بغض النظر عن سن الكاتب مثل جائزة «البوكر»؟.

لا توجد أي شروط أو معايير، فهي لمن فازوا بجوائز ومن لم يفوزوا، ولمن أصدروا أعمالاً جديدة ولمن أصدروا أعمالاً قديمة، للعرب ولغير العرب.. في الأدب واللغة والسينما والتلفزيون والاذاعة والمسرح.. فأي منطق هذا الذي يحكم جائزة في كل المجالات، ولأي شخص، وعن أي عمل، وبلا أي شروط؟ رغم ان المفهوم «الفطري السليم» لكلمة «جائزة» أنها تقوم على «منافسة في مجال ما وفق قواعد معينة في سياق محدد» والا كيف أقرر كمحكم استحقاق هذا العمل دون غيره، اذا كانت أبسط الشروط الاجرائية غير متوفرة؟! واذا سألت أحد الفائزين هل تعرف المبلغ المقرر لك؟ هل تعرف المركز الذي حصلت عليه؟ هل تعرف كم الأعمال التي نافستك؟ هل تعرف المعايير التي زكت عملك؟ هل تعرف الشروط التي على أساسها تم قبول عملك دون الآخرين؟ لن تحصل على اجابة واضحة! كذلك من المفترض مع اعلان نتائج أي مسابقة ان يتم اعلان أعضاء لجنة التحكيم، واذا افترضاً أنه أمر مؤجل لحفل توزيع الجوائز، فلماذا الاعلان عن اسم رئيس هيئة التحكيم وتوليه مهمة الترويج لها منذ سبتمبر الماضي؟ ألا يثير ذلك شبهات؟ ولماذا لا يوجد بيان صحفي بجميع أسماء الفائزين وأعمالهم ونبذة مختصرة عن تقارير التقييم، وعدد الأعمال التي شاركت في كل فرع؟

والطريف أنه رغم كل هذه الضبابية، واللامنطق، واللا قواعد، والافتقار حتى للحد الأدنى من الاجراءات الشكلية، وصف رئيس هيئة المحكمين الجائزة بأنها «نوبل العرب»!

من المؤكد ان اطلاق أية جائزة لتشجيع الثقافة، أمر محمود، لكن المنطق الذي قد تُدار به، يفتح الباب لـ «مفاسد» لا أول لها ولا آخر، من هنا أهمية المعايير، والسقف الزمني لانتاج الأعمال موضع التحكيم. اذا كان القائمون عليها جديين.. والى ان يحدث ذلك، فهي تبقى جائزة من جوائز الغموض «العربي» اللذيذ.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات