“بين البارحة واليوم قُتِل مئاتُ البشر في بانجوي. حصيلة الموت أكثر من 60 في موسك، و130 في المشرحة (ولا يزال جلب الجثث قائما من المكان الذي غادرناه) والعشرات منها لا يزال في الشوارع. لا توجد أية احصاءات عن عدد الاشخاص الذين قتلهم السيكيتا اليوم، ولكن الأرقام مرتفعة جدا كما وصلتني مكالمات من جميع أنحاء بانجوي طيلة اليوم تبلغني عن أناس يجري نهبهم أو إعدامهم من قبل سيكيتا، خاصة في المنطقة التي جاءتها ميليشيات أنتي بلاكا يوم أمس، مثل بوينغ، وفاطمة الخ
** أنا في البيت آمنة **”
تلك كانت كلمات الصحفية الفرنسية كاميل لوباچ (26 عامًا) التي دونتها خلال أحد يومياتها المصورة في رحلته إلى جمهورية أفريقيا الوسطى. كاميل التي عشقت التصوير، ودرسته، وقررت أن تمارسه بشكل مستقل، تنقلت من وطنها إلى الدانمرك للدراسة ثم مصر حيث سعى زميلها في الدراسة، المصور أحمد هيمن، لإلحاقها بالعمل في الطبعة الإنجليزية من جريدته “المصري اليوم” قبل أن نتنقل عاشقة القارة السمراء إلى جنوب السودان، ومنها إلى الأحداث الساخنة للعنف الطائفي بين متمردي “سيليكا”، وأغلبهم من المسلمين، وميليشات أنتي بلاكا ذات الأغلبية المسيحية.
طافت صور كاميل لوباچ العالم، عبر وكالة أنباء رويترز، وصحف لوموند ونيويورك تايمز وإيجيبت إندبندنت وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ترافق مقاتلي “أنتي بلاكا” قبل أن يتم العثور على جثتها في غرب البلاد قرب الحدود مع الكاميرون، في سيارة تابعة لهم.
حسب وكالة أنباء أسوشيتد برس بلغ عدد النازحين جراء الصراعات والعنف الدائر في بلدانهم رقماً قياسياً ، بعدد 33.3 مليون شخص حول العالم في عام 2013، بحسب مسؤولين في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين والمجلس النرويجي للاجئين. ويزيد العدد بنحو 4.5 ملايين شخص عن إجمالي عدد النازحين في عام 2012
وشكلت سورية وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وهي التي تعاني من أسوأ مستويات النزوح الجديدة، 66 في المئة من 8.2 ملايين نازح جديد في السنة المشمولة بالتقرير.
كتب أحمد هيمن، الذي التقط صورة للمصورة الراحلة ، تغرس الابتسامة على وجه قروية مصرية حين تريها صورتها التي التقطتها لها:
“أسوأ خبر سمعته .. واحدة من أعز اصدقائي درسنا مع بعض في الدانمرك وكنت السبب انها تيجي مصر تشتغل في الجورنال وقررت انها تبقى مصورة وسافرت السودان وعملت شغل صعب جداً ومتميز وصورها إتنشرت في جرايد العالم ووكالات أنباء ومن شهور قررت تروح جمهورية أفريقيا الوسطى تغطي الأحداث هناك ..النهاردة لقوها مقتولة في عربية في الشارع في جمهورية أفريقيا الوسطى.. ربنا يرحمها كانت بنت جميلة و طموحة الصورة دي صورتها وهي بتفرج الناس صورهم علشان تفرحهم في مصر إدعوا لها”.
لم تكن الصحفية الفرنسية كاميل لوباج تمسك آلة، بل كانت تصور بقليها، تحاول أن تجد الأمل وسط الدماء الكثيفة التي بدأت تنسال في شرايين القارة السمراء، حروبا أهلية، وعنفا طائفيا، وحروب ردة لا تنتهي. السلاح يأتي هؤلاء الأفارقة بدلا من طلمبات المياه. الذخيرة تتدفق بدلا من جوالات القمح. أفريقيا التي تحاول أن تخرج من قيد الاستعمار تلو الآخر، كانت مزارع عبيد الرق، ثم مرتع جحافل المستعمرين، وتحولت إلى قطعان الديكتاتوريات المتحالفة مع المستعمرين السابقين، وسوقا للعولمة الاقتصادية المُفقرة، قبل أن تصير اليوم ساحة معارك باسم الطائفية والقبلية، صراعا حول السلطة وموارد الحياة والطاقة.
“سأكون في بانجوي، بجمهورية أفريقيا الوسطى، في غضون ساعات قليلة. ويمكن الوصول لي على الهاتفين +23672213824 أو +23670138839 .. في 25 أكتوبر 2013، قبل وقت طويل من انهيار كل شيء، عند الكيلو 5، من منطقة المسلمين في بانجوي رأيت هذا الشاب يلتقط جوال الأرغفة من المخابز المحلية لبيعها في الشوارع. في ذلك الوقت، كان المسلمون يعيشون بسلام، وكانت منطقة الكيلو 5 حيوية جدا تجري بها الأعمال على قدم وساق، على عكس معظم الأماكن في بانجوي في ذلك الوقت. بعد أربعة أشهر، غادر معظم المسلمين بانجوي خوفا على حياتهم من حملات الإعدام خارج نطاق القانون وعمليات القتل المتكررة التي تستهدف المجتمع المسلم (من يوميات كاميل)”
دعوني أتساءل معكم: متى تصبح أفريقيا عارفة بجميل عشاق رائعين لها مثل كاميل؟ الفتاة الفرنسية التي كتبت ذات يوم ** أنا في البيت آمنة ** لم تعد كذلك.
أفريقيا كلها، لم تعد آمنة.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.