تامر أمين … داعش السينما النظيفة

08:12 صباحًا الأحد 7 ديسمبر 2014
شريف صالح

شريف صالح

قاص وروائي وكاتب صحفي، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ميرفت أمين وعبدالحليم حافظ : أبي فوق الشجرة

ما ذنبي أن تامر أمين عنده عقدة من البوس؟!

في جملة عفوية لخصت سلوى خطاب أزمة السينما المصرية وقالت إنها “باظت من ساعة ما بطلوا بوس”!
إشارة لا تخفى على إكراهات الرقابة، والتسويق، التي ابتلتنا ب “السينما النظيفة”، وكأن ما سبق كان “سينما قذرة”! وكل الهدف تقزيم صناعة السينما وتحويلها إلى وسيط لأفلام الفيديو والعرض التلفزيوني.
إكراهات تتغذى على تشدد ديني، وعلى سطوة رأس مال يقوم بعمليات غسيل أخلاقية عبر قنوات تعرض دراما منزوعة الدسم.

سامية جمال وفريد الأطرش

فمن المستحيل أن نجد في سينما اليوم نجمات مثل سامية جمال، برلنتي عبد الحميد، هدى سلطان، هند رستم، شويكار، سعاد حسني، سهير رمزي، ميرفت أمين، وشمس البارودي. ومخرجين مثل صلاح أبو سيف، وحسن الإمام، وحسن الصيفي. ولن نجد عشرات القصص التي تعالج قصص الحب والسقوط والرذيلة، بالجرأة التي كانت.
لن نجد “سينما” لأنه قد جرى تأميمها لتصبح رديفا للتلفزيون، بشروطه وجمالياته القائمة على الثرثرة. وهنا عبقرية جملة سلوى لأنها كناية مكثفة ودالة على كل هذا الانهيار.
بعدما تعرض جمهور ما يسمى “السينما النظيفة” في أفلام هنيدي وحنان ترك وأحمد السقا، إلى عملية غسيل مخ، فتصور أن ما يقدموه “سينما” رغم أنها مجرد أشرطة للاستهلاك التلفزيوني. بينما اختفى ذلك الجمهور الذي كان يعد “قبلات” نادية لطفي في فيلم “أبي فوق الشجرة”.
والسؤال: لماذا غضب المذيع تامر كل هذا الغضب، هل هو لا يعترف بأن تاريخ السينما المصرية كان حافلا بالبوس؟ هل لديه عقدة شخصية من البوس؟ هل لم يتعلم من أي كتاب عاطفي مر عليه أن “القبلة رسول الغرام”؟ هل هو لا يؤمن بأهمية تقبيل الزوجة والأولاد من باب توفير اللعاب؟
الأقرب للمنطق أنه يدافع عن ثقافة أصحاب القنوات التي تدفع له آلاف الجنيهات، وهؤلاء من صنعوا السينما النظيفة العقيمة المعقمة.. فاليوم يهاجم تصريح سلوى خطاب، وغدا قد يطالب بحذف كل المشاهد الحميمة من أفلام ناهد شريف، وهي في ظني أكثر ممثلة قدمت قبلات حميمة مع كل الممثلين الذين مثلوا معها!
تامر هنا يرتدي عباءة “حارس على الأخلاق والفضيلة” و الوصي على السينما، وعلى المجتمع المصري، وعلى سلوى خطاب نفسها، ولو دخل ماكيير الاستديو وركب له لحية، سيظل كلامه متسقًا تمامًا مع اللحية. ولو وضع له قناع الشيخ الذي قاضته إلهام شاهين، سيظل كلامه متسقًا مع كلام ذلك الشيخ! فهل هو مذيع أم رجل دين قرر أن يلقنها درسًا كي تحترس مستقبلا، ولا تعبر عن رأيها إلا بما يوافق قناعات تامر؟!
واللافت أن أخلاقه الفاضلة ظهرت في إشارته إليها بقوله “سلوى” رغم أنها ليست صديقته، وحتى لو فرضنا أنها كذلك، فهو مذيع محترف يفترض أن يقدم الناس بألقابهم بمنتهى الاحترام، ولو أتيح له أن يشاهد بعض التسجيلات للمرحوم طارق حبيب سوف يتعلم معنى احترام الآخرين حين يقدمهم أو يتكلم عنهم.
كما تضاعف شعوره الأخلاقي الفضيل إلى درجة أن وجهه غمرته انفعالات غريبة، واضطر إلى تحريك يده متهكمًا ووضع إصبعه…. “في فمه”.. كل ذلك بالطبع غيرة على الأخلاق الحميدة التي أضاعتها سلوى خطاب بتصريحها.
ولم يعط نفسه حق الحكم على رأيها ومصادرته فحسب، بل منح ذاته أيضا سلطة التهكم على زميلته المذيعة، وبخل عليها ـ ولو تأدباـ بذكر اسمها مسبوقًا بكلمة “الزميلة العزيزة” ـ حسب ما يقتضي العرف ـ بل قال فقط “والمذيعة…” من دون تسميتها كأنها نكرة غير جديرة بالذكر!
ألا يفترض أن يواصل خداعي بكونه حارس الفضيلة بإبداء القليل من الاحترام لزميلة تشاركه نفس المهنة، ولو من باب “سبك الدور”؟!
ولعل من أهم نتائج كثرة حراس الفضيلة في مجتماعاتنا من أمثال تامر، استبدال المشاهد العاطفية الحميمة والناعمة للبنى عبد العزيز وزبيدة ثروت وزيزي البدراوي، بمشاهد كتل اللحم التي يقدمها السبكي في أفلام لا يبدو أنها تتعارض ومقاييس تامر عن الأخلاق الفاضلة، ولا مقاييس من يعمل لديهم، والدليل أنها تعرض بسخاء في أفلامهم المتلفزة!
جماليا يأتي البوس، ومشاهد الفراش، والجري على البحر، كتعبير درامي، مجرد “تمثيل” للحظات حب وأمل في الحياة، أما مشاهد “الكتل” فهي لا تزيد عن أوكازيون لعرض”لحم رخيص”. وهذا فارق جوهري بين سينما الستينيات التي تعنيها سلوى ، والسينما التي تعرضها قنوات تامر وشركاه.
ولو ذهبنا في اتجاه المحاكمة الأخلاقية الدينية المضمرة في كلامه، لفكرة البوس والحب في الأفلام.. فلن يكون البوس وحده المؤثم، بل ستصبح السينما كلها حرام، والدراما حرام، والرقص حرام.. فهل هذا ما يسعى إليه؟ هل هو فقط يعبر عن “الداعشي” الصغير المختبئ في حنجرته؟! وما ذنبي إذا كنت كإنسان طبيعي أحب البوس.. أحب ممارسته ومشاهدته، ولا أخجل منه، بل مثل أي إنسان طبيعي أبتسم عندما أشاهد الأجانب يقبلون بعضهم البعض في الشارع، لأنهم يمنحنوننا إحساسا رائعا بالحب والأمل.. وكأن تامر يضن علينا بأن نعيش مثل هذا الإحساس!

رشدي أباظة وسعاد حسني

فكيف أقنع مذيع شعبوي وديماجوجي مثل تامر، بأنه يغذي الدواعش، وتجار “اللحم الرخيص” لا أكثر و لا أقل.. فبعدما غاب البوس ـ بفضل إخلاص أمثال تامر من حماة الفضيلة ـ غابت العلاقات الحميمة التي كنا نراها في سينما زمان، ولم يعد هناك صلاح ذو الفقار وشادية، ولا رشدي أباظة وسعاد حسني، ولا ليلى مراد وحسين صدقي، ولا صباح وفريد الأطرش… لأن علاقات الرجل بالمرأة المبالغ في تعقيمها، والمبالغ أيضاً في ابتذالها على يد السبكي و الدواعش معًا، انعكست في الواقع علاقات مرضية ومشوهة، ونسبًا عالية من العنف الجسدي والتحرش. فالمتحرش لا يفكر على الإطلاق في قبلة، أنه فقط مهووس بطعن جسد المتحرش بها بيده أو بآلة ما.
هؤلاء المتحرشون القتلة هم على الأرجح لديهم أيضًا عقدة من البوس، وتربوا مثل تامر على تحريمه وتجريمه، فهم يفضلون أن يهرلوا في ظلام الشوارع والاستمتاع بضرب امرأة على مؤخرتها ثم الفرار قبل أن تراهم. فمن أين لهم ثقافة القبلة التي لا يمكن أن تتم إلا عن حب، وتراضي الطرفين؟!
وبرغم إعجابي بتصريح تامر بأنه يلجأ إلى طبيب نفسي وقد نصحه بأن يعد “إلى عشرة”، وهي نصيحة ساذجة لا تستحق أن يدفع نقوده من أجلها، ولو استشار زينات صدقي لأعطته نصائح أفضل.. لذلك أظن أنه بحاجة إلى طبيب نفسي أكثر كفاءة يساعده في اكتشاف سمو القبلة.
أما إذا واصل حملته ضد البوس واستعدى الأزهر لمنع أغنية عبد الوهاب التي يقول فيها: “فحرقنا نفوسنا في جحيم من القبل”.. فالجحيم أولى به، هو وأمثاله من الدواعش.

One Response to تامر أمين … داعش السينما النظيفة

  1. asmaa رد

    9 ديسمبر, 2014 at 5:04 م

    مقال رائع و تحليل حقيقي جدا.
    لطالما كان هذا رأيي في مدعي الفضيلة هذا.فدائما ما يحرص علي قول ما يرضي ثقافه الشريحه الاكبر من المجتمع.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات