كالناس … وكناسون

09:21 صباحًا الثلاثاء 12 مايو 2015
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

هل يمكن أن تتصور كيف يمكن أن تبدو مدينة بدون عمال نظافة؟

نحن الذين نهرول لاستدعاء خدم القوات الاحتياطية لتنظيف المنزل إذا رأينا الغبار على الوسائد، أو البقع على الفراش، أو الطل المبلل بالتراب على النوافذ، لنا أن نتصور كيف يمكن ان تتحول مدينة ، مهما كانت عراقتها أو حداثتها، إلى مكب قمامة للبشر الذين لا يبرعون إلا في ابتكار النفايات.
بقايا طعام، وآثار معلبات، وحطام وركام لبيوت ومكاتب ، كل هذا يَصب في الشارع، ليحمله الكناسون ، ومنهم من يصنع ثروة إذا عرفت نفاياته الطريق إلى التدوير، وأكثرهم من لا يجني سوى قوت يومه.
لكن المدينة ، نفسها ، يمكن أن تعيش بلا وزير!
سيسافر “الوزير” مع عائلته للاستجمام، أو مع سكرتيرته لمؤتمر عاجل، فيركب الدرجة الأولى ويسكن الخمسة نجوم ويخصم نفقاته من جيوب المواطنين العالقين بالمدينة، وفيهم دافعو الضرائب ومنهم الكناسون.
وزير العدل لم يكن يتحدث بلسانه، ولكن بلسان جمهرة الذين يرتقون، بصدف تاريخية، إلى المناصب، فينسون الناس، ويدعون أنهم ليسوا كالناس، ويحتقرون الكناسين، ومن على شاكلتهم، فالحقيقة أن احترام المواطن يبدأ باحترام من يشغلون أقل المنصب أهمية، ومن يقومون بالأعمال الدنيا، التي تجعل الحياة ميسرة وسلسة ونظيفة.
المواطنة مفتقدة عن الطرفين، الوزير الذي يظن نفسه فوق المواطن، والعامل البسيط الذي يعيش محروما من حقوقه، ومن طموحه، وما أكثر الذين حُرموا من التعليم، لكنهم ناضلوا كي يتعلم أبناؤهم، ليحققوا لهم ما عجزوا عنه.
وإذا كان ما سبق، من حديث، يعتقده البعض بلاغة لفظية، فذلك لأن الاعتقاد السائد أن القيم ولدت لتبقى على الورق، خاصة في المجتمعات الطبقية.
لقد كانت الطبقية إقطاعا وفلاحين، ثم أصبحت عسكر ومدنيين، وها هي تتجلى في أسوأ صورها بين المدنيين أنفسهم، وزراء كالناس، وآخرون كناسون.
كيف نبدأ؟
إنها المواطنة الحقة، التي يجب أن تعيش ككائن حي، في مجتمع ما بعد الثورات، وهي مواطنة لا تكتفي بتعريف المواطن – منذ طفولته – بواجباته وحقوقه، بل تحثه على ممارستها.
في المدرسة، مثالا، يدرس الطالب أهمية الوظائف كلها، وكيف يتأهل لها، ويعود الفن، وخاصة المسرح، ليؤدي الطلاب الأدوار كافة، ولا شك أن الرياضة ، كذلك، لها دور مثالي في تكريس المواطنة، بنبذ التعصب، وتكوين روابط ترقى بالتشجيع باعتباره فنا يعبر عن الحب، وليس ممارسة تكرس للعنف. ولا ننسى أن الولاء الأكبر قوامه مجموعة من الولاءات الصغيرة، للفريق الذي تحب، والبلد الذي ترتاح فيه، والطعام الذي تعشق، وهكذا، وصلا للوطن الأكبر الذي تنتمي له وتدافع عنه ولا تشعر فيه بالتمييز أو العنصرية يمارسها أحدٌ ضدك.
لن تأتي الكلمات بجديد، كل ما يتأكد لنا هو أن تلك الكلمات يجب أن تخرج من غلافي كتب التنظير ومواثيق الدساتير، إلى الشارع، وتتحول إلى واقع معاش في الاعلام، مقروءا ومسموعا ومرئيا، وأن يكون هناك حساب متجدد، يسمح بالمراجعة والإصلاح ، ويمهد للتطور والتقدم.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات