غسالة النوادر

10:49 صباحًا الخميس 19 سبتمبر 2019
سعيدة الزغبي خالد

سعيدة الزغبي خالد

إعلامية من تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 غسالة النوادر هو عنوان مسرحية شهيرة في تاريخ المسرح التونسي من إنتاج فرقة المسرح الجديد لسنة 1980 بطولة جليلة بكار و محمد ادريس و فاضل الجزيري و جمعت هذا الثلاثي مع الحبيب المسروقي و التي تعتبر منعرجا هاما في الكتابة المسرحية في تونس تدور أحداثها في يوم ممطر يعلن بداية الخريف و يطلق عليه التونسيون تسمية غسالة النوادر و هي أمطار موسمية غزيرة و رعدية تدوم يوما واحدا و غالبا ما تحدث أضرارا مادية و أحيانا بشرية إذ قد تتسبب في فيضان بعض الأودية و تكون في أوسو و هي فترة تبدأ من 25 جويلية و تنتهي في 2 سبتمبر و قد تتأخر قليلا و هي أمطار تأتي غالبا خلال العشر الأواخر من شهر أوت (أغسطس). 

جليلة بكار

جليلة بكار

و غسالة النوادر أو طهمة الخريف هي الأمطار التي تعّد الأرض لموسم فلاحي جديد يبدأ بحرث أول لتتنفس الأرض ثم تحرث الأرض ثانية لبداية موسم البذر , ويعتقد التونسيون في أهمية فصل الخريف الذي تحدد كميات الأمطار فيه رخاء الموسم من عدمه فيقولون في المثل الشعبي ” الشتاء شدة و الربيع منام و الصيف ضيف و الخريف العام ” أي أن مصير السنة يتحدد من خلال ملامح فصل الخريف كثير الأمطار عالي الرطوبة .

غسالة النوادر هي إذن الأمطار التي تغسل النوادر و المنادر و النادر هو رصف لرزم التبن ( و تسمى الرزمة في اللهجة التونسية بالة و هي عبارة عن كمية من التبن تشكل في مستطيل يشد بالأسلاكليسهل نقله و تخزينه) و تبنى بالات التبن في مستطيلات تنتهي بشكل هرمي ويوضع على سطحها طين مخلوط بروث البقر لحمايتها من الأمطار المحتملة و من اعتداءات اللصوص و شره المواشي وهي علفها طوال مدة الصيف التي تختفي فيها الأعشاب الخضراء و عادة تنتهي كميات مخزون التبن مع نهاية الصيف و غسالة النوادر تذهب ببقايا التبن معلنة انتهاء كمياته من النادر و بداية موسم العلف الأخضر الذي يينع بعد المطر بينما تقول رواية أخرى أن النوادر كانت في الأصل المنادر و مفردها  مندرة و هي المكان الذي تجمّع فيه صابة الحبوب و تدرس ليتم فصل الحبّ عن قشره باستعمال الدواب ثم يذرى فتتطاير القشور مع نسمات الصيف و تستقر حبات القمح أو الشعير في المندرة وحين تأتي الأمطار الأولى تغسل ما علق بالأرض من بقايا أيام الحصاد و تعلن بداية ألاستعداد لفصل جديد من العمل الشاق و أمل في حصاد وفير بداية الصيف المقبل . و غسالة النوادر هي محطة من محطات التقويم الفلاحي أو العجمي كما يعرف في تونس و تقول الأسطورة التي تشرح أصل التقييم , أن راعي الإبل غيلان و الذي اختلف الناس في نسبته و نسبه فتذهب إحدى الروايات إلى نسبته إلى الامازيغ و أخرى ترده الى قبيلة “أولاد غيلان “ في سبيطلة         ( سفيطلة ) وتنسبه أخرى إلى دريد من بني هلال بجهة الشمال التونسي و تقول رواية رابعة أنه من قبائل الجنوب . المهم أن غيلان كان يرعى إبله في الشتاء في الوسط و خاصة في ربوع قمودة ( سيدي بوزيد حاليا ) ذات الطقس المعتدل و التربة الخصبة .

استطاع غيلان من ملاحظاته الدقيقة لتغير الفصول و تبدل الطقس أن يضع حسابا دقيقا ضبط فيه تفاصيل المواسم الفلاحية و التي ترتبط بالغراسة و الزراعة و الرعي حتى أن عددا من العارفين بالتقويم من بلاد المغرب زاروا غيلانا لفهم منطق الجداول التي وضعها في تحديد المواسم و الفصول فأكرم وفادتهم لكنه تركهم عند الفجر بعد أن حلب ناقة ووضع لبنها في احدى القرب و غادر المكان ثم عاد آخر النهار و حلب ناقة أخرى ووضع لبنها في قربة أخرى وحين بدا له منهم الامتعاض و قلة الصبر قال ” سريع مطيع، مشيت في الشتاء جيت في الربيع” أي أنه غادر في فصل وعاد في الذي يليه ثم قدم له ما حلب في الصباح و في المساء من لبن النوق في إبريقين فوجوا فرقا بين الإثنين فالحليب في الربيع أصفى و أنقى.

يتأخر التقويم العجمي أو الأمازيغي أو الفلاحي عن السنة الميلادية بثلاثة عشر يوما فيوافق اليوم الرابع عشر من شهر جانفي الأول من شهر يناير .

وتحتوي السنة الأمازيغية من اثني عشرة شهرا وهي: يناير- فورار– مارس – ابرير – مايو – يونيو – يوليوزغوشطسكتمبركتوبرومبردجمبر.

يبدأ الموسم الفلاحي بالليالي البيض التي تبدأ يوم 25 ديسمبر وتدوم عشرون يوما وتتميز ببرودة الطقس ليلا ودفئه نهارا و تليها الليالي السود التي تبدأ يوم 14 جانفي الموافق لرأس السنة الأمازيغية 1 يناير وتدوم أيضا عشرين يوما و تتميز ببرودة النهار ودفء الليل نسبيا. و تبدأ العزارة يوم 3 فيفري الموافق لليوم الحادي والعشرون من يناير وتدوم احدى عشر يوما ويكون الطقس متقلباكما تقلب حال الشباب فالعزري و جمعها عزارة تعني الشاب في عنفوانه و قبل أن يتزوج فتحد المسؤوليات من اندفاعه .

وبنهاية العزارة ينتهي شهر يناير ويبدأ شهر فورار باردا بيوم يسمى قرة العنز و يوافق هذا اليوم 14 فيفري ( و القرة من القرّبسبب شدة برد هذا اليوم )، تقول االحكاية أن العنز خرجت ترقصبهجة و فرحا بخروج شهر يناير و تغني ينار، نار على نار، لا تغرد فيه أطيار ولا جار يطل على جار فرد عليها يناير قائلا نتسلفنهار من فورار نخلي قرونك يلعبوا بيها الصغار في ساحة الدوار.

 ثم يكون نزول جمرة الهواء من 20 الى 26 فيفري يصبح فيها الهواء دافئا تدريجيا، ثم جمرة الماء بداية من 27 فيفري وتدوم اسبوعا تزول فيه برودة الماء، و يكون نزول جمرة التراب في 6 مارس ويدوم أربعة أيام

ثم تأتي “الحسومالتي ذكرت في القرآن الكريم وهي فترة تبدأ يوم 10 مارس وتدوم ثمانية أيام 4 منها توافق أواخر شهر فورار وأربعة مع بداية شهر مارس الأمازيغي (العجمي) والحسوم هي فترة تلاقحالأزهار.

تقول الحكاية الشعبية أن شخصا قال لغيلان “اذا فاتت الحسومنحي كساك وعوم” فاستدركه غيلان “لا بعد اربعين يوم” لأن بعد الحسوم مواسم أخرى باردة منها قرة حيان و هي من 17 الى 22 مارس و تعرف بأسبوع الجوارح و تظهر فيها أوراق الأشجار الجديدة، ثم يأتي أسبوع الصوالح من 23 الى 29 مارس وفيه تبدأ الثمار في الظهور.

أما قرة حيان أو غيلان فتأتي في شهر أفريل  يقال عنها “قرة حيان عقب مارس تهبط الحلاليف من روس الجبال” ومدتها أيضا ثمانية أيام أربعة منها في نهاية مارس العجمي (الأمازيغي) و أربعة أخر في بداية شهر ابرير أي ما يوافق امتدادها من 10 الى 17 أفريل. ويقول المثل الشعبي في هذا السياق “ما تقول جديانك جديان ولا خرفانك خرفان الا بعد قرة حيان”.

يمتد شهر مايو العجمي حسب التقويم الفلاحي التونسي من 14 ماي الى 13 جوان، و يسمى أسبوعه الأول الأسبوع الأخضر ثمالأسبوع الأصفر و يليه دخول الصيف يوم 17 مايو الموافق لـ30 ماي.

و كما للبرد قراته و مفردها قرة فإن الفترات الحارة صيفا تسمىالوغراتو مفردها وغرة و ترتبط بظهور بعض الكواكب والنجوم لذلك سميت بأسمائها بين كل وغرة وأخرى 18 يوما و تتواتر من 30 ماي الى 29 اوت و تدوم كل واحدة أسبوعا وهي كالتالي:

وغرة الثريا ثم وغرة عيوق و تليها وغرة العصيا ووغرة المرزم وأخيرا وغرة النجيمات ليأتي أوسو يوم 25 جويلية ويمتد أربعين يوما و يقال عنه “أوسو بارد أطرافه” أي أن أطراف النهار فيه باردة.

تقول الحكاية الشعبية أن لغيلان زوجتان، واحدة من البادية و الثانية من الحضر , في الشتاء يغادر غيلان لرعي الإبل في بلاد قمودة و ترافقه في هذه الرحلة زوجته البدوية ، لكن الزوجة الثانية تملكتها الغيرة فسقت شجراللوز ماء دافئا، فأزهرت قبل موعدها، فما كان منها إلا وضعت بعضا من تلك الأزهار في منديل و أرسلتها إلى زوجها في البادية ، فلما رآى غيلان الهدية علم أن فصل الربيع حلّ، فقفل راجعا إلى المدينة لكن الثلوج فاجأته في قمودة فماتت إبله، و سمي المكان الذي قضت فيه إبل غيلان ”أم العضام” لكثرة ما تكدس فيها من هياكل النوق ، و كان غيلان لشدة ولعه بالإبل و مواطنها أوصى أن يدفن قرب عين ماء كانت تردها قطعانه تسمى عين رباو .

وقد نعته زوجته المدنية بعد أن قتلته غيرتها فقالتغريت بيا يا نوار اللوز، خليتني في راس المقارح، لاني من البل ولاني من السارح”.

مات غيلان بسبب لحظة لهفة و شوق أنسته الإنتباه إلى ما دوّن من جداول و ما أقام من حساب للأيام و الليالي و الفصول و المواسم ولكن تقويمه مازال عماد حسابات الفلاحين في البذر و الغرس و الحصاد و القطف و في تحديد مواعيد حفلات الزواج و إعداد مؤن الشتاء (العولة ) و تلك حكاية أخرى ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات