خافيير بوجمارتي: نجم الحديقة في المجرّة التشكيلية

10:18 صباحًا الأربعاء 10 مارس 2021
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

حين أسس أبيقور (الحديقة)، وهو الفيلسوف اليوناني  (341-270 ق.م)، كان يعني بتأسيس مدرسة يلقي فيها رسائله في  الأخلاق والطبيعيات والآثار العلوية، ووجهها على التوالي إلى ميناقايوس، وديوجينس، وهيرودوت، وهي الرسائل التي حفظت من بين 300 ضاع معظمها، وكانت غاية فلسفته الأبيقورية أن يصل الإنسان للحياة السعيدة  والمطمئنة  عبر خاصتين؛ آتاراكسيا – ومعناها الطمأنينة والتخلص من الخوف، وآبونيا – وترادف غياب الألم، واكتفاء الإنسان بأصدقائه المحيطين به، يصنع بهم ولهم ومعهم الحياة السعيدة.

بوجمارتي

جال ذلك كله بخاطري حين وجدت نفسي في (الحديقة) التي أسسها الفنان الإسباني المقيم في الفيوم، بمصر، خافيير بوجمارتي، ووضع أعمدتها؛ أو لنقل بساتينها وأحواضها متعددة الخامات، في قاعة مشربية للفن المعاصر. ففي هذا البياض اللانهائي للقاعة والجدران والأضواء، توزعت لوحات الفنان مثل أجرام سماوية في مجرته التشكيلية.

يحدث الفنان جمهوره، عن جذور حديقته: “في عام 2018 عرضتُ هنا، بقاعة مشربية للفن المعاصر معرضا أسميته (مناظر طبيعية)، ضم لوحاتي عن الصحراء. يرى الزائر  لها رجالا ينقبون ويجمعون الحفريات، ويلتقي بنساء تلهو بالأجرام السماوية. ذات مرة قالت لي امرأة، وقد بدت كملاك: (في الصحراء توجد حداق مخفية، ابحث عنها وارسمها، ولنرَ ما يمكنك فعله).”

بحث خافيير بوجمارتي، فلم يجد شيئا، كانت الحدائق جميلة وهشة، لكنها اختفت، ليدرك بعد أمد أن “تلك الحدائق تعيش في ذاكرتي، وفي تاريخ الرسم، وكان  هذا طريقي الوحيد لاستعادة تلك الجنان المفقودة، ولهذا فقد كان علي أن أختار نهجا، فبمجرد أن أرسمها، ستبث فيها الحياة، وتصبح حقيقة مرأى العين.”

بالنسبة لبوجمارتي، يحفل تاريخ الرسم بالعديد من أساليب رسم الحدائق، لكنه استلهم لوحات البردي للمصريين القدماء، واستقى كذلك لوحات خوان ميرو الأشهر (لا ماسيا) أو (المزرعة)، وغاص في حب الطبيعة، يحكي ويحاكي تفاصيلها “فالزهرة يمكن لها أن تصبح نجمة، أو حشرة، وربما توازي النملة جبلا“.

حين وجد بوجمارتي الطريق، صادفه ملاك آخر، سأله أن يزوره في إيران، وحين ذهب اكتشف الحدائق الفارسية، حيث تتحقق الأحلام والذكريات.

مع بوجمارتي تحققت الفلسفة الأبيقورية، جلست في طمأنينة، والحدائق حولي، لم يكن الهدوء وحده هو ما وفر لي الطمأنينة، ولم تكن الابتسامات الودودة هي ما خلصني من الخوف، لكن كان أصدقائي من الأعمال الفنية حولي هي التي فتحت لي باب الحياة السعيدة.

حديقة في الجبل

تتوزع الأعمال، بين مخططات أولية ملونة على الورق، أو أعمال زيتية متباينة الأحجام على الكانفاه، أو لوحات كأنها الملائكة تلهو بخامات متعددات بارزة كدمى في يدي صبية توزعها، أو أصداف بكف عرافة تصفها.

إنك تقرأ اللوحة مرة فتتأرجح بين لونين مسيطرين على فضائها، وتعيد  القراءة فتتأمل المنمنمات، عليك أن تقترب لتقرأ التفاصيل، فالمجرة التشكيلية تتسع لرواد الفضاء، رجالا ونساء، مثلما تتسع للنجوم والأقمار، وستجد أن اللقاح ينتقل بين شجرتين كما تسافر كواكب المريخ والزهرة وعطارد، بألوانها وحرارتها، وكأنه يقول رسما: دعوا الأشجار تتبادل اللقاحات!

Bonsiana in Summer

كتبت في دفتر القاعة عن (الحديقة) التي جاءت من أجواء أوروبا، وبلاد فارس، ومصر، لتجد مهندسا تشكيليا يعيد رسمها بعناية مؤرخ للفن، ويترك للمخيلة أن تبتكر ساكنيها. لا بأس أن نرى آدم وحواء، حينا، أو نلمح تسلل قطة وتأمل هدهد حينا آخر، فالكائنات الحية سواء في (الحديقة).

طمأنينة في (الحديقة)

One Response to خافيير بوجمارتي: نجم الحديقة في المجرّة التشكيلية

  1. Fatema al zahraa Hassan رد

    10 مارس, 2021 at 11:14 ص

    رحلة ممتعة بين لوحات المعرض البديعة المتناغمة في وحدة موضوعية كان اختيار عنوان المعرض دالا ومعبرا تماما عن محتواها المتنوع ( الحديقة )
    أتمنى زيارة المعرض بالفعل لان لوحاته هي مزيج من الروح المصرية لاسيما الواحات والمناطق الخضراء وسط الصحراء وهو مانجده تماما في الفيوم وبين منمنمات الحضارة الفارسية .

    كل التقدير والمحبة

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات