الشاعر هاشم شفيق عاش وتنقل وتشرّد… “ونجوت بأعجوبة في بيروت”: لندن منحتني الحرية ورفعت الحجاب عن الذهن

10:27 صباحًا الثلاثاء 11 مايو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يعيش الشاعر العراقي هاشم شفيق في لندن، منفاه الإختياري، منذ ربع قرن. بعد أن تشرّد وتجوّل في أرض العرب والعالم.عرفته أغلب المدن العربية والأوروبية، وكتب القصيدة ، والنص النثري المثقل بصور الغربة والحنين الى أرض الوطن الغائب. بقيت العراق بلاده البعيدة،ولم تبتعد عن حياته وأيامه أينما حل وارتحل.أصدر عشرات الكتب،وكان مخلصاً وما زال، القصيدة له ، هي الزمن الذي يحيا في أروقته.ويتحدث هنا،في هذا الحوارعن شجون الشعر والغياب والسعادة،وما آلت اليه الأحاسيس بعد هذا العمر الحافل، فماذا قال في جلسة جمعتنا في شارع الحمراء ببيروت؟:

الشاعران هاشم شفيق واسماعيل فقيه

  • أين وكيف تعيش اليوم، ماذا تفعل في غربتك القارسة؟
    ـ منذ اكثر من ربع قرن وأنا في لندن، أقرأ وأكتب وأعيش، لندن منحتني الحرية، ورفعت الحجاب عن الذهن، لقد عشت في أكثر من مضطرب عربي، عشت في دمشق وبيروت وقبرص وبراغ، في بيروت ذقت ويلات الحرب اللبنانية، ونجوت بإعجوبة خلال حصار بيروت، حيث المكان الإعلامي الذي كنت أعمل فيه، قد قصف مرات عدة، من قبل القوات الإسرائيلية، كنت أمشي بين قذيفة وأخرى، لم أكن آبه للموت حينذاك، وهو يتقدم من كل اتجاه، وكذلك كان الآخرون الذين صمدوا في المدينة، كنت ثورياً وماركسياً وفتى عاشقاً، وفي الظن أن العشق هو الذي أنقذني من الموت والنهايات المُحتَّمة، وهو مَن أبقاني حياً حتى هذه اللحظة .
    أنا الآن متفرِّغ للكتابة، أكتب بشكل منتظم لصحيفة عربية، وأنشر مقالات نقدية وأدبية، أكتب شعراً كثيراً ولكنني لا أنشره الا بمحض المصادفة، فدور النشر تطلب من الشاعر انْ يدفع لها، وأنا منذ يفاعي الأدبي والشعري، ومنذ فجر أشعاري الأولى، قد أخذت عهداً على نفسي، ألا انشر كتاباً على حسابي الشخصي، وقد جرى ذلك منذ مجموعتي الأولى” قصائد أليفة” التي طبعتها “وزارة الثقافة” العراقية، فحصلت مقابل نشرها على مكافأة نقدية، كانت بمثابة حق المؤلف على الكتاب، حينئذ كنت شاباً في أواسط العشرينات، ولم أكن أمتلك في غرفتي سرير نوم، فذهبتُ واشتريتُ سريراً لي، بدلاً من “الكنبة” التي كنت أنام عليها، آخر مجموعة صدرت لي هي ” شال شامي” صاحب الدار شاعر شاب، دفع لي نسخاً كتعويض عن الحقوق، وهذا بحد ذاته، يُعد كرماً منه، حيث الدار هذه لم تزل في خطواتها الأولى، أما المجموعة التي سبقتها وهي ” كتاب الأشياء ” فلقد طُبِعَتْ في دار” بلومز بري ” البريطانية ـ العربية، إذ دفع المشرفون على الدار حقوقي كاملة، نضير ذلك، الآن أنا انتظر مثل هذه الفرص، وهي فرص نادرة وقليلة، في زمن صار الكل يتهيّب نشر الشعر، ويتحاشاه تحت ذرائع شتى ومسميات عديدة، مثل سوق الكتاب الشعري في حالة كساد، أو سوقه في حالة هبوط وتراجع، أو زمنه قد مضى والآن هو زمن الرواية، الى آخره من الحجج والذرائع والمسوِّغات التي يتقن أصحاب دور النشر التبشير بها، ومن ثَمَّ تسويقها الى الشعراء والكتاب العرب .

  • ماذا قال لك الشعر من جديد، والى أين أوصلك ؟
    ـ الشعر فن هرمسيّ، لا يكشف عن محتواه بسهولة، غنوصي يسترعي التمحيص والتأمل والسرحان والتفكر، وهو فن التحليق باتجاه الأباعد، هو الرؤى المهاجرة خلف التخوم والأقاصي والمنعطفات المجهولة والغامضة، وكذلك للشعر كشوفاته ولذته وسياقه الذي يحتفي بالحياة والكون والاشياء، كل شعر هو موقف وأقصد هنا الشعر الحقيقي الصادر عن شاعرية حقة، موقف من الحياة وتفاصيلها الكثيرة والمعقدة، موقف من الانسان في معاناته الوجودية، موقف من الطبيعة التي تكاد تكون هي الأخت الكبرى لنا، موقف من الذات والعالم، من المحيط الذي يحيط بنا، الشعر هو موقف أزلي من الإنسانية جمعاء، فالبشر هم اخوة حيثما كانوا، وكيفما بدا جنسهم وعِرْقِهم وديانتهم، ومذهبهم وأينما حلوا وأقاموا” خلقناكم شعوباً وقبائلَ لتتعارفوا” الشعر لغة الآلهة وهو مادة سحرية، معجونة بالهواء، وبذا قد يُصبح خبزاً أو طيفاً أو نسيماً، ولهذا هو منحاز الى البشرية، دون تمييز فوق هذه الارض التي لم تعد تقبل بالآخر، ولم تعد تتنوع، ولم تعد تتناسج، ولم تعد تتداخل، ولم تعد تتماهى، وتتآخى وتتكافل، ثمة زمن وحشي آخر حلّ، زمن قوميات وصراع هويات وحضارت، وهنا يأتي دور الشعر، لكي يجنح دون تردد، صوب الأخوة الانسانية، مهما ظهرت في الحياة من أعطاب وفجوات كبرى وأسافين، مهمة الشعر هنا، هي تحطيم الاسوار ورفع الحواجز، تلك التي تحجب الرؤيا وتحجب الفن وتحاول وأد الجمال والرومانسيات والعوالم الشاعرية .

  • كيف ترى البلاد والانسان من مكانك البعيد، كيف ترى وطنك؟
    ـ وطني لم يعد وطني، ،أنّه بلاد مذهبية، ثمة اصطراع واضح على المال والسلطة، والبلاد هي بلاد منهوبة ومنكوبة، والانسان فيها يحيا حياة العبودية والقهر والإذلال، في زمن قادة منبوذين وأنذال ومُسيَّرين ومحكومين من الخارج، لا هُوية للعراقي، سوى الأنحناء وقول كلمة نعم بدلاً من كلمة لا، هويته الوحيدة هي تقديس الماضي وتأليه القوى النائمة في بطون التاريخ، وعبادة الصورة، وتجليل كلّ غاية دموية ثأرية، انتسبت للبعيد، وصارت جزءاً من التقليد، لكي تكون النتيجة كما هي عليه الآن، عزل وتنابذ وكراهية مُثلى تسود المجتمع العراقي، يُعمِّقها الشعار والراية والعقل الأسود الذي لم يكتفِ بالتجارب، ويستغني عن الدم والقتل والثأر، بل أوغل في تمهيد المسار الجديد بعد تغيير النظام الديكتاتوري السابق، الآن يتم القتل على الهُوية والاسم، لا بل وصل الأمر كل شخص وسيم وله طلعة جميلة وبهية، أو له آراء وأفكار مغايرة للسائد، يُختطف ويُعذّب أثناء الإختطاف، ثم يُقتل برصاصة في الرأس، كما حدث مع الفنان المسرحي الوسيم، الشاب كرّار نوشي، الآن وبعد انتشار الامراض التي تصيب العراقيين مثل السكري والقلب وأمراض الكلى والكبد، وزيادة المتعلمين في العراق وعودة بعضهم من الخارج، بدأ قتل الأطباء، خصوصاً المُساندين للفقراء، وآخرها تعذيب طبيب عائد من الخارج في كربلاء، ناهيك عن الخطط المُبرمجة والنافذة منذ زمن، والداعية الى تصفية أساتذة الجامعات والعلماء والمتنورِّين الكبار، والمتخصّصين في البحوث العلمية .
    عن أيّ وطن تتحدّث يا صديقي وعن أيِّ انسان، هذه الأمور والوقائع والإحداثيات والتسلكات المريضة هي السائدة الآن في العراق الجديد!
  • هل زرت بلادك بعد ، وماذا رأيت وشعرت؟
    ـ أجل زرت البلد، فكانت الصدمة كبيرة، بلدي تغيّر كثيراً، ومن هنا وجدتني غريباً، فيه، أجوس في أرض غريبة عني، الناس بدّلتْ جلودها، البعثي السابق انشق الى نصفين، النصف الأول صار لطّاماً وسبّاقاً لتقبيل يد الدجّالين، ممن يُسمَّون أنفسهم بالسادة، وهم أشد البعد عن الانتساب لأهل البيت الكرام، السيِّد الذي يحكم الآن، ويلبس العمامة يده ملطخة بدماء العراقيين، أنه لص كبير ودجال ومتآمر مع الخارج، وبالأخص دول الجوار، أما النصف الآخر، فقد ذهب وصار داعشياً، يحامي ويدافع ويناضل ببشاعة وقسوة وعنف لا يضاهى عن الماضي المندثر .
    لقد جسّدتُ كلَّ ما رأيتُ وشاهدتُ ولمستُ من تجارب شخصية، وواقعية ويومية، تفصيلية في كتابيَّ ” بغداد السبعينات، الشعر، والمقاهي، والحانات” وهو كتاب نثري وسيرة أدبية، وفي روايتي الثانية التي صدرت قبل خمسة أعوام ” أشهر من شهريار” وكذلك في ديواني الذي يصدر الآن في القاهرة ” كم كنت غريباً ” .
  • هاشم شفيق حزين أو سعيد اليوم لماذا ؟
    ـ أني حزين دون شك لما أصاب المنطقة العربية من كوارث وهزات ودمار وخراب شبه شامل، العراق المتمثل بخراب الفلوجة والموصل، وخراب سوريا وأجزاء كبيرة من أراضيها، سوريا الجميلة والأنيسة والمحبوبة بين البلدان العربية، سوريا الغنج والدلال والنِعم الأرضية، شُرِّد اهلها الكرام الى شتى البلدان، وهُجِّرتْ عوائل بالملايين، وتم قتل الآلاف من خيرة ابناء هذا الشعب العربي، الذي كان يُعَد رمزاً كبيراً للبلاد العربية، رمزاً للقيم الحقيقية الأصيلة، ومثالاً للعيش المشترك في المعمورة العربية.
    اليمن وما يسودها من حرب مدمرة، وما يفتك بها الآن من أمراض، اليمن السعيد، لم يعد سعيداً لعقود لاحقة، ليبيا والتناحر الواضح والفاضح في سياستها التي صارت نهباً للميليشيا العنيفة والمتطرفة، ورحيل العقول الراجحة والمُسالمة والمُحبة للتآلف والتعاضد والبناء عنها، لترتع في ظلامها الآن الضواري والافكار التدميرية التي تحاول رسم سياستها ومستقبلها المعتم والمجهول.
    أما سعادتي فيمكن تلخيصها في تواصلي مع القراءة والكتابة ومع مَن أُحب .
  • ما أخبار الحب في أيامك وغيابك، هل داهمك الحب مجدداً ؟
    ـ الحب يدهمني كل لحظة، فأنا كائن هش ورقيق، وقد تطيح بي نسمة إذا كانت تقصدني، الحب الآن وأنا في هذه السن، اتخذ مسلكاً آخر، ومفهوماً مغايراً، وطريقاً عامَّاً، ومتعدداً، ومتشعِّباً، ومختلفاً عما هو متعارف عليه، الحب بين ذكر وأنثى بين عاشق ومعشوق، هذا الحب الفيزيائي هو موجود فيَّ ومترسخ وهو ما يجعلني اعمل وأكتب وأنشر وأتضامن وأختلف مع الآخر، لأكون أنا في النهاية، هذا الحب المتعارف عليه، متوافر في العميق من باطن أعماقي، أنه منجم الذهب الذي أضاء جميع فصول حياتي، ولكنني الآن دخلت طوراً جديداً مع الحب، فأني مُحِبٌّ ميتافيزيقي، أو محب بوهيمي، أحب الفراشات وأنواعها، ديواني الجديد وهو عبارة عن قصيدة نثرية طويلة سميته ” أستعين بفراشة ” أنا الآن اتماهى مع حركة الفراشات، ومع تحولاتها وأحياناً أرى الفراشة فتاة حالمة تعبر افق مخيلتي .
  • أما زلت تكتب الحب في أيامك وغيابك، هل داهمك الحب مُجدّداً ؟
    ـ أنا كائن مُحِب، الحب صنعني، وصيَّرني عاملاً في خدمته، أنا خادم الحب، وأجير لديه، أُجرتي هي الكلمات، الكلمات العاشقات، يمنحني الحب مقابل العمل لديه، قصائد في منتهى الرقة والجاذبية والشفافية، هذا يسعدني كوني مدللاً عنده، أظن أنه يعاملني معاملة مختلفة عن الآخرين، هذه الصيرورة الفنية المُلفتة، كيف لا أعبدها، وقد تجلتْ في أكثر من ديوان وبالأخص ديواني الذي أعدّه نقطة تحول في سياق تجربتي الشعرية” غزل عربي ” الذي صدر قبل اكثر من عقد عن” دار رياض الريس” والناشرهو صحافي وكاتب مرموق أولا وناشر ثانياً، ويُقدِّر الابداع والجهد الفني والمعرفي، ولقد طبع منه دفعة واحدة، خمسة آلاف نسخة، في هذا الديوان صببتُ كل تاريخ عشقي الطويل، ونثرتُ الغزل المُرمَّز والأيروسي على صفحاته العديدة .
    أما الديوان الآخر الذي حمل قصائد غزل وحب وعشق أخرى، فهو ديوان ” الرجل الرومانسي” ولكنه تعثر في الصدور، ولم يصدر حتى كتابة هذه السطور، وما زلت ابحث له عن ناشر يقدِّر مضمونه، وتجلياته ومعانيه ويطبعه، طبعاً على نفقته الخاصة، وهنا تنبغي الإشارة، الى أن قصيدة ” أستعين بفراشة ” وهي لم تنتهِ بعد، وأظن أنها ستشكل ديواناً شعرياً صغيراً، هي أخر ما كتبت، وفيها يعود الحب متجلياً في اكثر من صورة، وهدف ورؤية، هنا شعر الحب غدا شكلاً آخر، وأتخذ نهجاً وسبيلاً مختلفين، عما كنت أكتبه من قصائد حب، هنا في هذه القصيدة التي لم انشرها بعد، ثمة رؤى فلسفية، وروح عرفانية، وجهد هرمسي يستبطن القصيدة، ليجعلها تتجه وتسير نحو مناحيَ نافرة، وغير مهمومة بالتنميط الشعري السائد في شعر الحب الآن .
  • متى تصل الى مبتغاك في الحياة، وهل ترى مستحيلاً يمنعه ؟
    ـ الانسان بطبيعته غير قنوع وراض ومكتف، بما منح وأعطي ووُهِبَ له خلال مسيرته في الحياة، أنا بطبيعتي لست طمّاعاً، ولست باحثاً عن الجاه والمال والسلطة، هذه الأشياء لا تعنيني مطلقاً، الشعر هو غايتي الوحيدة، الجوائز كذلك لا تهمني، فوراؤها تقف المصالح والمنافع المتبادلة والتدليس، وأنا لا أملك شيئاً لكي امنحه لهذ المُحكِّم أو ذاك، منذ قرابة الثماني سنوات، قدّمتُ لجائزة ” سلطان العويس ” أعمالي الشعرية، فأني أراها نزيهة، وغير متحيِّزة، ومُنِحَتْ لشعراء مبدعين يستحقونها، ولكني ما زلت أنتظر، ولا يهمني هنا أن نلتها أم لا، فجائزتي هي مواصلة كتابة الشعر الذي أقدسه تقديساً خاصاً، وخارقاً للعادة، لقد صدرتْ لي أربع وعشرون مجموعة شعرية، آخرها في القاهرة وهو مجلد يحمل اربع مجموعات شعرية جديدة، لم تصدر من قبل، ولي في رصيدي غير المنشور ستة وثلاثون مجموعة شعرية موزونة، هي حصاد العمر الوفير، ولكن المعضلة التي ستواجهني هي، مَن سيطبع هذا الخزين المُنضَّد والمصفوف على شكل مجموعات شعرية جاهزة للطباعة، دار نشر كريمة، أم مؤسسة ثقافية مرموقة، أو دولة عربية تهتم بالشعر والثقافة والأدب، ولا توجد الا في الخيال ؟
  • بعد التجربة الطويلة في الشعر والحياة ، ماذا ستقول بعد ؟
    ـ هناك المزيد من المواضع والاشياء والتفاصيل الصغيرة، المهملة والمنسية والهامة في الوقت عينه، لم نكتب عنها بعد، وهناك الكثير من الحب الذي سيجعلنا نغوص عبر لججه وتياراته نحو الأعماق، بحثاً عن الجواهر، تلك التي ستنير ما تبقى من حياتنا .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات