مقال للفنان: أمير وهيب، مصر
معرض ” كراسي السياسي “، هذا المعرض الحالي هو نتاج تفكير و حصاد ثمار ٢٨ سنة ابداع، فأول معرض كان سنة ١٩٩٣، مضمون هذا المعرض هو عن ” حاجة ” من ضمن الحاجات المهمة بالنسبة لي و الأخرين أيضا، الا و هو ” الكرسي “، و الكرسي انظر له و بلغة أكاديمية و هي مادة تدريس أيضا اسمها ” منظور “، انظر له من منظور ” وظيفته ” و ” شكله “، و بحكم عملي ك ” مصمم موبيليا “، فـ ” الكرسي” هو أول و اهم المفردات الإنسانية الذي يتعامل ب شكل مباشر مع جسم الإنسان ك ” تشريح “، لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ” يجلس “، و بالتالي لابد في تصميم الكرسي ان تتحقق وظيفته، فكل كرسي يأخذ شكله من وظيفته.
فمثلا الكرسي المخصص للجلوس لكي تأكل، و المعروف ب ” كرسي الطعام ” أو ” كرسي السفرة “، ف ظهر الكرسي ليس به ” درجة ميل “، ظهر الكرسي زاوية حادة، و يشبه الي حد كبير الكرسي المخصص ل الجلوس ل المذاكرة و المعروف ب ” كرسي المكتب “، في حين ان كرسي مخصص ل مشاهدة التليفزيون المنزلي يختلف تماما و يأخذ لقب ” كرسي فوتيل ” ( و هي كلمة فرنسية ) و المقصود كرسي منجد ذو مخادع بغرض الاسترخاء، و ستلاحظ الفرق في ال كراسي المخصصة لصالات العرض السينمائي و المسرحي، بما أنها عامة، تختلف بدرجة ما مع احتفاظها ل تحقيق الغرض، و مع ذلك، يختلف هذا المفهوم، في كراسي المدرجات المخصصة ل الالعاب الرياضية والمعروفة ب ” الاستاد “.
و كان لزاما عليا ان اخذ كل هذه الاعتبارات أثناء التفكير ل عمل ” تصميم ” كرسي، و اهم هذه الاعتبارات و أصعبها، لكي يكون ” عمل فني “، ان يكون جديد و جميل، بمعنى ” اصلي ” و احيانا تستخدم ب ” أصيل “، اي ان يكون غير منقول أو مقتبس، و هذه اهم نقطة في عالم الفن بشكل عام.
و قد كان، و تفوقت و بشكل بارع في وضع تصاميم ل ” الكرسي ” ل تحقيق ” وظيفة و شكل جميل ” من خلال مجموعة تصميمات ل ” كراسي “، كان من ضمن معرض خاص و هذا المعرض منحني جائزة عالمية ك ” مصمم ” من مؤسسة أمريكية في ” نيويورك ” معنية ب ” ريادة الأعمال “.
اما فيما يتعلق ب ” الكرسي ” ك ” فكر و فلسفة “، ف طبيعة عملي تجبرني على عمل ” رسومات تحضيرية ” و المعروفة ب ” اسكتشات “، اختار منهم ما يعجبني ل ” تنفيذه ” يا في ” ورشة النجارة ” او في ” المرسم “، و بناء عليه، عند هذه النقطة، انظر إلي الكرسي من منظور ” روحه الملهمة “، ف الكرسي له شخصية و يبحث عن شخص، و العكس صحيح أيضا، ف هناك شخصية تبحث عن كرسي، و ب التعبير الدارج ” يليق ب مقامها “، اذن نحن أمام حالة توافقية، سوف يحددها طبيعة عمل الكرسي مع قدرات و مهارات الشخص، و الكرسي ضمنا هو يمثل ” المكان “، لأنه ليس هناك ابدا ” كرسي في الفراغ “، بمعنى آخر، و بمثال توضيحي، هناك شخص يحلم ان يكون ” طبيب اسنان “، طبيب اسنان، يعني ” كرسي ” شهير، خاص ب عيادة طبيب اسنان له مواصفات معينة، و بالتالي هذا الكرسي محتاج شخص يوصف ب انه ” طبيب اسنان ” . في مستوى اخر، هناك شخص من الأرياف يحلم ب الوصول إلي المدينة بحثا عن ” كرسي حارس عقار “.
و كما هناك شخص يبحث عن كرسي، هناك أيضا كرسي يبحث عن شخص.
ف هناك كم غير قليل ل ناس وجدوا نفسهم على ” كراسي ” دون نية البحث و القصد.
و ب التالي، اذا وجدت شخص جالس على ” كرسي مراقبة ” على شاطئ بحر أو حمام سباحة، فنحن لا نعلم، بيقين، ما اذا كان هذا الشخص يحلم و يبحث عن هذا الكرسي، أم أنه فرصة عمل، كرسي شاغر و يبحث عن شخص يملؤه.
الكرسي ثابت و الشخص متغير، ف نفس الكرسي يمكن أن يتعاقب عليه شخصيات و يمكننا أن نلاحظ الفرق، ف بعض الشخصيات أبدعوا في مواقعهم و حققوا نجاحات و انجازات، عن سائر زملائهم من خلال نفس الكرسي و أشهر مثال على ذلك هو ” كرسي الوزير “.
الكرسي ب النسبة لي يمثل الذكر و الترابيزة تمثل الانثى و هي علاقة ازلية ابدية لا يمكن فصلهما، اما المفارقة الجميلة، فهي اننا نشاهد دائما مجموعة من ” الكراسي ” حول ” ترابيزة ” واحدة، و لن نشاهد ابدا عدد من ال ” ترابيزات ” حول كرسي واحد، و هو ما دفعني ل تسمية هذا المعرض ب ” كراسي السياسي “، ف السياسة معناها تدبير الشئون، و هذا معناه ان كل الناس تدير شئونها، الا انه و بسبب الاعلام، الكلام عن السياسة هو الكلام عن تدبير شئون الدولة، تماما كما لو سمعت عن ” الكرة ” سوف تظن ان الكلام عن ” كرة القدم ” لأنها الأشهر، في حين ان كل الالعاب تمارس ب ” الكرة “، نفس الكلام ب النسبة ل ” الفن” تظن انهم يقصدون ” التمثيل ” في حين انه تاريخيا و علميا المقصود ب الفن هو الفن التشكيلي.
و بناء عليه، السياسي ب النسبة لي ليس من يدبر شئون الدولة، و لكن من يحسن تدبير شئون حياته و شئون حياة الأخرين، اي ان يحسن تدبير شئون مجتمعه، بمعنى أخر هو سياسي دولة ” متطوع ” هدفه رفع شأن وطنه، لأن من هم في نظر الشعب و يوصف بأنه رسميا ” سياسي دولة ” معظمهم قدراته محدودة و انجازاته معدومة و لا نعلم هل هو على ” كرسي السلطة ” عن جدارة، أم هو ” كرسي شاغر ” يبحث عن شخص، عن اي شخص.
و مع ذلك لا ابخل ب تمرير ” فكرة ” قد تكون ملهمة، كان سياسي رسمي أو سياسي متطوع، وهي انك ايها السياسي عليك ب خلق ” كراسي “، بمعنى فرص عمل، و استحداث كراسي، و كيفية التعامل مع ” الناس ” و مع الكراسي، و معرفة طبيعة كل شخص و ما يلائمه من طبيعة كل كرسي، خاصة فيما يتعلق ب اختيار ” مسؤول “، لأني لو شبهت ” مشكلة ” ب ” مسألة ” في علم الرياضيات، حل المشكلة هو حل المسألة و عادة كي يكون صحيحا هو اتباع خطوات مرتبة متسلسلة و تكون اول خطوة هي اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب هي اول خطوة صحيحة ل حل ” المسألة “.
هذا الشخص، يمكن أن يكون، و بكل ثقة، ” امرأة “، ف المرأة على مدار التاريخ، موجودة حاضرة دائما ابدا على كرسي من الكراسي.
” الكرسي ” له سحر و اغراء، و قد يتكالب الناس عليه خاصة ” كرسي السلطة ” و يدبرون المؤامرات مما يذهب ب بعضهم خلف القضبان، أو الي الإعدام ب ” الكرسي الكهربائي “، أو في احسن الأحوال إلى ” كرسي الاعتراف “.
الكرسي هو ” رمز ” إلى القوة و النفوذ و احيانا ” الملك ” و احيانا ” الحكم ” و احيانا ” الوزارة “.
ما الدنيا الا كراسي يسعى الناس إليها أو تبحث عنهم الكراسي، خاصة الكراسي غير المشهورة أو غير المرغوب فيها، لذلك أتخيل ان هناك كرسي يشبه ” الحصان البري “، هذا الحصان بمجرد أن اي شخص يجلس عليه تنتابه حالة هياج رافضا ان يجلس عليه اي شخص، مهما كانت قدراته، اقواهم ل فترة زمنية قصيرة جدا، لذلك تخيلته كرسي لا يمكن الجلوس عليه، أطلقت على هذه اللوحة اسم ” الكرسي المزعج “.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.