الفنان أمير وهيب: فلسفة الكرسي

06:10 مساءً الجمعة 21 مايو 2021
مدونات

مدونات

مساهمات وكتابات المدونين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مقال للفنان: أمير وهيب، مصر

معرض ” كراسي السياسي “، هذا المعرض الحالي هو نتاج تفكير و حصاد ثمار ٢٨ سنة ابداع، فأول معرض كان سنة ١٩٩٣، مضمون هذا المعرض هو عن ” حاجة ” من ضمن الحاجات المهمة بالنسبة لي و الأخرين أيضا، الا و هو ” الكرسي “، و الكرسي انظر له و بلغة أكاديمية و هي مادة تدريس أيضا اسمها ” منظور “، انظر له من منظور ” وظيفته ” و ” شكله “، و بحكم عملي ك ” مصمم موبيليا “، فـ  ” الكرسي” هو أول و اهم المفردات الإنسانية الذي يتعامل ب شكل مباشر مع جسم الإنسان ك ” تشريح “، لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ” يجلس “، و بالتالي لابد في تصميم الكرسي ان تتحقق وظيفته، فكل كرسي يأخذ شكله من وظيفته.

فمثلا الكرسي المخصص للجلوس لكي تأكل، و المعروف ب ” كرسي الطعام ” أو ” كرسي السفرة “، ف ظهر الكرسي ليس به ” درجة ميل “، ظهر الكرسي زاوية حادة، و يشبه الي حد كبير الكرسي المخصص ل الجلوس ل المذاكرة و المعروف ب ” كرسي المكتب “، في حين ان كرسي مخصص ل مشاهدة التليفزيون المنزلي يختلف تماما و يأخذ لقب ” كرسي فوتيل ” ( و هي كلمة فرنسية ) و المقصود كرسي منجد ذو مخادع بغرض الاسترخاء، و ستلاحظ الفرق في ال كراسي المخصصة لصالات العرض السينمائي و المسرحي، بما أنها عامة، تختلف بدرجة ما مع احتفاظها ل تحقيق الغرض، و مع ذلك، يختلف هذا المفهوم، في كراسي المدرجات المخصصة ل الالعاب الرياضية والمعروفة ب ” الاستاد “.

و كان لزاما عليا ان اخذ كل هذه الاعتبارات أثناء التفكير ل عمل ” تصميم ” كرسي، و اهم هذه الاعتبارات و أصعبها، لكي يكون ” عمل فني “، ان يكون جديد و جميل، بمعنى ” اصلي ” و احيانا تستخدم ب ” أصيل “، اي ان يكون غير منقول أو مقتبس، و هذه اهم نقطة في عالم الفن بشكل عام.

و قد كان، و تفوقت و بشكل بارع في وضع تصاميم ل ” الكرسي ” ل تحقيق ” وظيفة و شكل جميل ” من خلال مجموعة تصميمات ل ” كراسي “، كان من ضمن معرض خاص و هذا المعرض منحني جائزة عالمية ك ” مصمم ” من مؤسسة أمريكية في ” نيويورك ” معنية ب ” ريادة الأعمال “.

اما فيما يتعلق ب ” الكرسي ” ك ” فكر و فلسفة “، ف طبيعة عملي تجبرني على عمل ” رسومات تحضيرية ” و المعروفة ب ” اسكتشات “، اختار منهم ما يعجبني ل ” تنفيذه ” يا في ” ورشة النجارة ” او في ” المرسم “، و بناء عليه، عند هذه النقطة، انظر إلي الكرسي من منظور ” روحه الملهمة “، ف الكرسي له شخصية و يبحث عن شخص، و العكس صحيح أيضا، ف هناك شخصية تبحث عن كرسي، و ب التعبير الدارج ” يليق ب مقامها “، اذن نحن أمام حالة توافقية، سوف يحددها طبيعة عمل الكرسي مع قدرات و مهارات الشخص، و الكرسي ضمنا هو يمثل ” المكان “، لأنه ليس هناك ابدا ” كرسي في الفراغ “، بمعنى آخر، و بمثال توضيحي، هناك شخص يحلم ان يكون ” طبيب اسنان “، طبيب اسنان، يعني ” كرسي ” شهير، خاص ب عيادة طبيب اسنان له مواصفات معينة، و بالتالي هذا الكرسي محتاج شخص يوصف ب انه ” طبيب اسنان ” . في مستوى اخر، هناك  شخص من الأرياف يحلم ب الوصول إلي المدينة بحثا عن ” كرسي حارس عقار “.

و كما هناك شخص يبحث عن كرسي، هناك أيضا كرسي يبحث عن شخص.

ف هناك كم غير قليل ل ناس وجدوا نفسهم على ” كراسي ” دون نية البحث و القصد.

و ب التالي، اذا وجدت شخص جالس على ” كرسي مراقبة ” على شاطئ بحر أو حمام سباحة، فنحن لا نعلم، بيقين، ما اذا كان هذا الشخص يحلم و يبحث عن هذا الكرسي، أم أنه فرصة عمل، كرسي شاغر و يبحث عن شخص يملؤه.

الكرسي ثابت و الشخص متغير، ف نفس الكرسي يمكن أن يتعاقب عليه شخصيات و يمكننا أن نلاحظ الفرق، ف بعض الشخصيات أبدعوا في مواقعهم و حققوا نجاحات و انجازات، عن سائر زملائهم من خلال نفس الكرسي و أشهر مثال على ذلك هو ” كرسي الوزير “.

الكرسي ب النسبة لي يمثل الذكر و الترابيزة تمثل الانثى و هي علاقة ازلية ابدية لا يمكن فصلهما، اما المفارقة الجميلة، فهي اننا نشاهد دائما مجموعة من  ” الكراسي ” حول ” ترابيزة ” واحدة، و لن نشاهد ابدا عدد من ال ” ترابيزات ” حول كرسي واحد، و هو ما دفعني ل تسمية هذا المعرض ب ” كراسي السياسي “، ف السياسة معناها تدبير الشئون، و هذا معناه ان كل الناس تدير شئونها، الا انه و بسبب الاعلام، الكلام عن السياسة هو الكلام عن تدبير شئون الدولة، تماما كما لو سمعت عن ” الكرة ” سوف تظن ان الكلام عن ” كرة القدم ” لأنها الأشهر، في حين ان كل الالعاب تمارس ب ” الكرة “، نفس الكلام ب النسبة ل ” الفن” تظن انهم يقصدون ” التمثيل ” في حين انه تاريخيا و علميا المقصود ب الفن هو الفن التشكيلي.

و بناء عليه، السياسي ب النسبة لي ليس من يدبر شئون الدولة، و لكن من يحسن تدبير شئون حياته و شئون حياة الأخرين، اي ان يحسن تدبير شئون مجتمعه، بمعنى أخر هو سياسي دولة ” متطوع ” هدفه رفع شأن وطنه، لأن من هم في نظر الشعب و يوصف بأنه رسميا ” سياسي دولة ” معظمهم قدراته محدودة و انجازاته معدومة و لا نعلم هل هو على ” كرسي السلطة ” عن جدارة، أم هو ” كرسي شاغر ” يبحث عن شخص، عن اي شخص.

و مع ذلك لا ابخل ب تمرير ” فكرة ” قد تكون ملهمة، كان سياسي رسمي أو سياسي متطوع، وهي انك ايها السياسي عليك ب خلق ” كراسي “، بمعنى فرص عمل، و استحداث كراسي، و كيفية التعامل مع ” الناس ” و مع الكراسي، و معرفة طبيعة كل شخص و ما يلائمه من طبيعة كل كرسي،  خاصة فيما يتعلق ب اختيار ” مسؤول “، لأني لو شبهت ” مشكلة ” ب ” مسألة ” في علم الرياضيات، حل المشكلة هو حل المسألة و عادة كي يكون صحيحا هو اتباع خطوات مرتبة متسلسلة و تكون اول خطوة هي اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب هي اول خطوة صحيحة ل حل ” المسألة “.

هذا الشخص، يمكن أن يكون، و بكل ثقة، ” امرأة “، ف المرأة على مدار التاريخ، موجودة حاضرة دائما ابدا على كرسي من الكراسي.

” الكرسي ” له سحر و اغراء، و قد يتكالب الناس عليه خاصة ” كرسي السلطة ” و يدبرون المؤامرات مما يذهب ب بعضهم خلف القضبان، أو الي الإعدام ب ” الكرسي الكهربائي “، أو في احسن الأحوال إلى ” كرسي الاعتراف “.

الكرسي هو ” رمز ” إلى القوة و النفوذ و احيانا ” الملك ” و احيانا ” الحكم ” و احيانا ” الوزارة “.

ما الدنيا الا كراسي يسعى الناس إليها أو تبحث عنهم الكراسي، خاصة الكراسي غير المشهورة أو غير المرغوب فيها، لذلك أتخيل ان هناك كرسي يشبه ” الحصان البري “، هذا الحصان بمجرد أن اي شخص يجلس عليه تنتابه حالة هياج رافضا ان يجلس عليه اي شخص، مهما كانت قدراته، اقواهم ل فترة زمنية قصيرة جدا، لذلك تخيلته كرسي لا يمكن الجلوس عليه، أطلقت على هذه اللوحة اسم ” الكرسي المزعج “.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات