سليمان نعمة … شاعر بعيد الظلال، غاص في الغربة حتى أذنيه

08:55 صباحًا الجمعة 4 يونيو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

سليمان نعمة شاعر لبناني من جيل الخيبة والغربة والتشرد في المنافي الباردة. ابن جيلي ،ولدنا في نفس التوقيت البارد من الحياة والخيبات والأحلام الكبيرة الضخمة والتي كانت وما زالت مثل جبل على صدورنا.
سليمان اليوم في غربته التالية،يعيش في فرنسا،مدينة نيس،يتسلق برد المدينة ويحاول الصعود الى دفء الوجود الممكن.وبعد هذه الغربة الفرنسية لشاعرنا والتي امتدت في الدول الاسكنافية،يستقر في ارض فرنسا الحنونة،يقطف اللغة وازهارها،يرسم عذاب غيابه على جدرانها.

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


منذ سنوات وانا افتقد لسليمان،وذهب ظني العاطل الى احتمال غيابه الابدي،الا ان الصدفة جمعتنا فجأة واكتشفت ان شاعري ما زال على قيد الشعر والامل،وحياته بظلال كثيرة..حاولت الامساك بظلاله،بهُنيةٍ من سحر صوته،وتلاقينا في الكلام ،تمادينا في الصراخ والعناق:
-وينك يا شاعر سليمان نعمة،غائب مغترب بعيد الظلال والخطوات؟
— انا ما زلت على قيد الحضور، في غيابي القريب من الاوطان التي كلما خرجت من مطارتها اعادني الحنين الى غيابي عن بيروت.
الهروب الاول كان الى اسوج في عام ٨٤ فقط للانتظار في الغابات بكفن ثلجي بعيداً عن صوت الرصاص الذي ما زال الى اليوم لحناً سيفونياً يعزفه ضحايانا كلما تذكرناهم ،ولم يعد هناك اثر لخطواتي لاني امشي دائما الى الوراء كي لا يجدني ظلي كلما تحداني الحنين الى البكاء حين تعانقني رائحة البيت في الاشرفية وانا امسح الدموع عن براويز صور احبائي التي تعبت مساميرها وسقطت في القلب،

  • ما أخبار قصيدتك ،كيف صارت في حياتك وغربتك،ما الجديد في محتواها وظلالها؟
    — بالنسبة للقصائد باللغة العربية لا تعرف عني شيء ولا من يكتبها اهملها من وقت لوقت متل التدخين واعود اليها اشعلها بنهم كأني “خرمان على تدخينها بالحروف ومن ثم حبيت غيرها اي اللغة السويدية وبدأت اكتب بها في الصحافة السويدية بروح شرقية ولغة غربية وساجمعها في كتاب ساطبعه في السويد قريباً ،كنت دائماً اخبأها للقصائد كأني اواجه الخوف حين اعود اليها بعد وقت طويل لا اصدق انها لي وكأنه الشاعر الذي يجلس جنبي “واتنقل “عنه هو الذي وضعها امانة في جاروري كهدية الميلاد، وأما محتواها كأنها صور اشعة او حِمض النووي الذي لم يكن يوماً مطابقاً بيني وبينها.
  • عرفناك شاعر الحنين ترسم وتدون الزمن العابر بلا رجعة،ما هي أخبار زمنك الضائع في عينيك وخطواتك؟
    –ما زلت ابحث عن الزمن الضائع ولن نجده حتى منذ زمن “بروست” هكذا الحياة فرصة غائبة عنا نحاول رسمها بالحنين او ملئ الفراغ بالكلمات الضائعة لاننا نجهل معرفتنا ولن تتكرر ذكرياتنا مهما حاولنا الرجوع اليها او التوسل لها امام صورنا معها.
  • أما زال أرثر رامبو مهيمنا في نهاراتك ؟
    –رامبو المشعوذ دائماً حاضر في جلسة الارواح التي نحضرّها معاً كل ليلة، استطاع ان يتغلب على الشعر باكراً وانتهى قبل العشرين من العلاج من مرض الشعر اي شفي من وباء القلق والهلوسة
    ولم يطبع من جيبه الا “فصله في الجحيم ” ولم يعد الى الناشر في بروكسيل ليدفع له ويستلم النُسخ مما اضطر الناشر الى حرق جزء منها وما تبقى اصبح من اغلى ديوان شعر في العالم ثم هاجر الى هرر وعدن ليبحث عن التعب
    لم يكتب من بعدها الا رسائل وتقارير يعتبرها المرضى الحقيقيين من الشعراء دواءً شافياً لجنونهم ،اتمنى لنا جميعاً الشفاء العاجل .

  • كيف تتقرأ اسم بلادك من بعيد،من الاقاصي الباردة،هل تغيرت ملامحه في خارطة ذاكرتك؟
    — البلد لم تتغير خارطته من الاقاصي الباردة ما زال موجود في جواز سفري القديم لم يعد صالحاً الا في مكانه بين كتبي وافكر ان اكتب قصائدي على صفاحاته الصغيرة المعنوانة بي ” الفيزا “
  • كيف حال طقوس الكتابة معك اليوم ؟
    –اترك القصيدة تمارس طقوسها بالمخفي كي لا يتلبسني الجن المتربص لي منذ اللعنة الاولى اثناء الولادة.
  • متى سنقرأ ديوان الجديد ؟
    –لي فقط ديوان واحد في ٢٠٠٩ حتى اليوم ،قريباً ساجمع كل اللعنات الجديدة في ديوان صغير “مجهول العنوان مع كثير من العناوين المحيّرة من حولي” صار لازم خروج جنازته قريباً عن دار “المجهول”……
  • ماذا قالت لك المدن التي غزوتها أو لجأت اليها ،هل هربت اليها أو هي التي نادتك ؟
    — المدن لا تلحق بأحد الحرب اجبرتني الرحيل الى اسوج في ٨٤ وبقيت حتى ٩٨ من ثم الرحيل الى نيس في فرنسا الى المدينة التي تشبهني وتشبه بيروت ببحرها وناسها وما زلت حتى اليوم في نيس المحطة الاخيرة لقطار الحياة .
  • ما لون وطعم الحب في حياتك اليوم ؟
    –الحب كان دائما مغامراً في حياتي لاننا لم نتفق ابداً لان الشعراء الملعونين راسبين دائماً في الحب لعدم احترافهم الخيانة فهو ليس سوى صورة مزورة عن الجنس
  • كيف تعرف نفسك اليوم ؟
  • –سليمان نعمة هذا اسمي “مش انا” ولا يريد التعرف الي ، والفتى ما زال بنتظرني في المرآة التي هشمتها الحرب في بيتنا المهجور والمسكون بالذكريات.

من قصائد الشاعر سليمان نعمة:
( متاهة)
قبل أن أبدأ ألكتابة
تضع لي امرأتي
شمعة في فمي
لئلا يجرفني الليل
في متاهاته المظلمة.

(مسودة العتاب)

كلما تحداني الحنين
وجدتني منفياً من ذكرياتي
اتسول دعسات ظلي
كلص
لا يثق بالابواب المفتوحة
ملثماً بكفن محشو بالغمام
حائراً كالنحل بالجرار
ومقيداً بحبل قديم العنق
كشمس تنزف
تحت ثلج المساء .

(نوستالجيا)

عند المساء
حين اشعر باليأس
ابلل المنشفة بالمياه
واخرج لملاقاة الهواء
عند منتصف الليل
احلم اني استيقظتُ في نومكِ
” سباحاً بحبك الاوحد “
عند الصباح
بعيني المحقونة بالدم
اتلصص من سرّة بطنك
على عاشقين ينامان
في تابوت بوسادتين
ينتظران موعداً
مع موت
…. مؤجل

(فرناندو بيسوا)


هل اطمأننت
ايها الشاعر
المجهول من لدن ذاته
المنفي في حواسه
السكير في حاناته
عاشقاً شاذاً بعادته السرية
محاطاً بانداده
اللذين جعلوا منه
شاعراً وحيداً
حائراً كذبابة
تضرب رأسها بالزجاج
وبائساً ،
كما كتبت قبل ساعات
من موتك
” الحياة لا تساوي شيئاً “

One Response to سليمان نعمة … شاعر بعيد الظلال، غاص في الغربة حتى أذنيه

  1. الاعلامي الشاعر محمد درويش رد

    5 يونيو, 2021 at 11:16 ص

    الشاعر سليمان نعمة المهاجر الى فرنسا يقول كل شيء دفعة واحدة يكتب كما يتنفس القلق والغربة والأبعاد في قصيدة النثر عنده غنية تخرج الى القلب وتدخل الى العقل ممزوج هو بالوجود والعدم غني المشاعر والاحاسيس يختزن الحزن ويفلسف الانتظار
    ان ما كتبه فيه وما قاله عنه الشاعر الجميل اسماعيل فقيه هو شهادة اساسية من شاعر يتربع على كرسي مملكة النثر منذ عقود عدة وله صولات وجولات في عالم القصيدة الجديدة
    ..يحق القول ان فقيه اضاء بشكل جديد على الشاعر سليمان نعمة وان القارىء له بامعان يعرف كم اضاف الى سيرته من اعتبار وتأسيس لمستقبل افضل لقصيدة لا تكتمل الا بالقراءة والاطلاع والتجربة الشعورية الغنية العميق الممزوجة بالحياة والتجربة التي تستفيد من أعلام الترجمات الشعرية في الغرب والشرق أيضا” ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات