الشاعر والروائي سمير اليوسف ديانته “التعددية”: لا مبرر للوجود الانساني من دون حب وجمال..

06:39 صباحًا الجمعة 18 يونيو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الشاعر والروائي سمير اليوسف،شخصية مختلفة الحضور والترحال، تحمل في معجمها التعريفي،أو في مرآتها العاكسة المتعاكسة،شخصية “تعددية” ترتقي، في افكاره، الى الديانة المقدّسة.
غرّد اليوسف خارج السّرب وداخل السّرب، ولم يحد أو يبتعد ،قيد أنملة، عن منبع الحب والجمال والشعر والكتابة الروائية .غاص في الكتابة ، غرق في بحرها، لكنه نجح بالعوم والسباحة والوصول الى أعماق جديدة ، وبلقائي معه ، طافت هذه الاعماق على السفح النقي الهاديء. فماذا يقول سمير وبماذا يعترف ويجاهر ويتهم؟

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


نبدأ بسؤال الى سمير الانسان والكاتب،كيف تعرّفنا على نفسك؟
أفضل طريقة لتعريف نفسي هي القول بأن “التعددية” بمثابة قدر وديانة بالنسبة لي. الانتماء الخالص لهوية واحدة ممتنع عليّ. أنا فلسطيني ولدت في لبنان لأم من الطائفة الشيعية وأب من أهل السنّة.
قضيت العقد الأول من حياتي في مخيم للاجئين الفلسطينيين والعقد الثاني في قرية شيعية جنوبية وما تبقى حتى رحيلي عن لبنان في مدينة اسلامية سنيّة.
معظم أصدقائي، وبعض أعزّ اصدقائي، لبنانيون، وكنت صديقاً للحزب الشيوعي اللبناني، ولكن ولائي السياسي كان دائماً، وما زال، لحركة فتح الفلسطينية وإن لم أتورع يوماً عن انتقاد سياسة الحركة وقياداتها.
منذ ثلاثة عقود أقيم في لندن ومنذ عشرين عاماً أحمل الجنسيّة البريطانية. أنتمي الى ثلاثة بلدان: فلسطين، لبنان وبريطانيا.
اتهام البعض لي بالتناقض أحياناً أعتبره بمثابة شهادة على مصداقية استجابتي لحقيقة تناقضات وتعقيدات الحياة التي عشتها وأعيشها.
حياتي الشخصية تتلخص بقراءة الكتب والفلسفة والشعر وعلاقات حبّ معقدة مع أربع نساء (ليس في وقت واحد طبعاً) ولكن هذا أمر يحتاج الى شرح وافر.

لماذا اخترت الكتابة سبيلا للتعبير والفعل والعمل؟
القراءة المتواصلة، الوجدان العاطفي والسياسة هي الحوافر الرئيسية لإقبالي على الكتابة.
القارئ بمعنى ما هو تلميذ وما يتعلمه التلميذ لا بد وأن يمارسه في مرحلة لاحقة من حياته والكتابة هي عملياً ممارسة للقراءة. ولا غرابة أن الجزء الأكبر من انتاجي كان عبارة عن الكتابة عن مؤلفين وأفكار وكتب.
أنا شخص عاطفي متشائم ميّال دائماً للمعارضة والتناقض وميّال أكثر للعزلة والابتعاد عن الناس ما استطعت الى ذلك سبيلاً. ومن ثم كان لا بد من اتخاذ سبيل الكتابة وسيلة للتعبير عن نفسي وميولي.
أخيراً السياسة، الوعي السياسي كان منذ البداية ملازماً للوعي بأي أمر آخر تقريباً. أنتمي الى شعب تمّ السطو على الأرض التي يعيش عليها بمباركبة أكثرية شعوب الأرض ونخبتها السياسية والفكرية. حكومات ودول تتكلم دائماً على حقوق الإنسان، مثقفون وشعراء ومؤسسات انسانية، رأت ما جرى لفلسطين ولاذت بالصمت أو حتى باركت الجريمة التي حصلت. لا بد من الاحتجاج ضد الظلم والنفاق، التي تستوي وفقهما السياسة في العالم، والكتابة وسيلة مهمة للإحتجاج.

الى اي مدى ساهمت مهنة الصحافة التي تمتهنها في تمرسك بالكتابة الابداعية؟
لم تساهم أبداً في الكتابة الإبداعية. بالعكس أعاقت قدرتي وتطوري في الكتابة الابداعية، خاصة في كتابة الشعر. ولكنني غير نادم. كانت تجربة مفيدة في اكتشاف والكشف عن عالم فاسد تماماً.

الشعر في في حياتك وايامك،كيف ولد وهل تعتبر أن قصيدتك لها مسارها المختلف عن سائرها،وماذا تخبرنا عن بداياتك مع كتابة الشعر؟
مزاجي كان منذ البداية مزاج شاعر ولكنني لم أجرؤ على كتابة الشعر إلا متأخراً وبعد تجربتين استشنائيتين. الأولى كانت قراءة نيتشه التي حررتني من وهم الايمان بالفصل ما بين العقل والعاطفة، او الحكمة والفن، أو بالضرورة الشعر والفلسفة. نيتشه كان حريصاً على الكتابة بلغة أدبيّة خلّاقة بقدر حرصه على أصالة الفكرة وقوة الحجة وعمق المعنى.
التجربة الثانية تتعلق بالموت. رحيل أعزّ وأقرب شخص عرفته في حياتي. كانت أول تجربة فعليّة لي في مواجهة حقيقة الموت. توقفتُ عن الكتابة والقراءة. تخلصت من كتبي ولم أعد الى القراءة، وبعد ذلك الكتابة، إلا من خلال الشعر. قراءة الشعر، لغة الشعر، زودتني بالقدرة على الإحاطة بلغز وحقيقة الموت. فجأة أيقنت بأن المجاز ليس مجرد استخدام للغة لأغراض سياسية أو جمالية، كما تعلمنا في المدراس والجامعات أو من خلال قراءة نقّاد معدومي الخيال. لا، المجاز هو اكتشاف، المجاز معرفة جديدة ومغامرة في اجتراح معانٍ مختلفة وطرق تفكير ورؤية غير مسبوقة. المجاز مؤشر للحياة التي تستحق أن نعيشها.
في ما يتعلق بقصائدي، كتبت حتى الآن خمسة كتب، ونشرت منها اثنين. ولكنني لا أريد أن أبالغ في أهميتها. على الأرجح ما أكتبه من شعر، شأن الكثير من الشعر، لن يصمد أمام امتحان الزمن.

٥ تكتب مواقف وافكار لاذعة وتنقد بقسوة بعض الشعراء العرب؛لماذا اخترت هذا المسار النقدي للشعر؟
المثقفون والأدباء والصحفيون العرب غارقون في مستنقع من الضحالة الفكرية والبلادة الأخلاقية، النفاق والكذب والإدعاء والأوهام والظلامية والارتزاق واسترخاص كرامة الناس وحياتهم، فكيف لا تكون مواقفي وآرائي لاذعة؟
أما بالنسبة لانتقاد الشعراء بقسوة فأظنك تقصد موقفي من أدونيس.
دعني أخبرك أنني، منذ جريمة اغتيال لقمان سليم، أرى أن كل المرتبطين بجهاز الدعاية الايرانية الذي حرّض على قتل لقمان سليم، بأية طريقة كانت طبيعة الصلة بهذا الجهاز المأجور، وأولهم أدونيس، هؤلاء أدنى من أن يظفروا باحتقارنا. هؤلاء مجرد حشرات تقتات في المجارير.

متى تكتب،وهل من طقوس معينة في حياتك تعتمدها للكتابة؟
لا أتبع أية طقوس في الكتابة أو الحياة. قد اكتب في أي وقت ولكن شريطة أن أكون مستعدّاً للكتابة. وفي الحقيقة لا أرى أية حدود في مجال الكتابة. قد أكتب مقالة في الفلسفة السياسية الآن وبعد ساعتين أكتب عن سبب الاجترار الذي يعيشه عالم الأزياء او عما يجري في سوق الشكولا، او أي أمر آخر قد يخطر على بالي.

أين تعيش اليوم،وهل للغربة التي تعيشها تأثير داخل نصك؟
أعيش في بريطانيا منذ ثلاثين عاماً. الوعي بمكان الإقامة أمر أساسي بالنسبة لي، لدواعي النجاة أولاً ولكن أيضاً لأسباب جمالية وفنية. وهذا ما انعكس وتمثّل في كتاباتي.
قصص مجموعتي القصصية الأولى “هموم عائلية” الصادرة قبل أكثر من ربع قرن تدور أحداثها في لندن وبتأثير الحياة في العاصمة البريطانية.
لست من أؤلئك المهاجرين الذي يقضون معظم حياتهم في بلدان الهجرة ويظلون جاهلين بالمجتمع الذي يقيمون فيه. منذ البداية أردت أن أتعلم وأفهم ما يجري في العالم الذي أعيش فيه. وقد تعلمت لغته الى درجة أنني صرت أكتب وأنشر كتاباتي باللغة الانكليزية.

هل تعتبر انك في الهجرة او التشرد؟
يعتمد الأمر على السياق المقصود:
تشرد، بالمعنى الميتافيزيقي للكلمة، الوجود في العالم البديل لما هو محسوس ومتعارف عليه.
منفى، في سياق المعنى السياسي والأمني.
هجرة، لدواعٍ تتعلق بصعوبة الحياة حيث كنت أعيش قبل هجرتي الى لندن.
أما الإحساس بالغربة فهذا ما أحسّه أينما كنت. أظن من الضروري للكاتب، للفنان، وللشاعر تحديداً أن يحسّ بالغربة. يعجبني كثيراً قول الفيلسوف الألماني ثيودور أدورنو “أرقى أشكال الوجود الأخلاقي ألا تحسّ بأنك في الوطن حتى حينما تكون في الوطن” والأخلاق هنا لا تعني الإلتزام الصادق بالقيم الأخلاقية التي تؤمن بها فحسب وانما القدرة على التمييز ما بين الحقيقي والزائف وما بين القبيح والجميل انطلاقاً من رفض قياس المصلحة الذاتية والكسب.
منذ انتصرت الرأسمالية المتوحشة ومعظم الاعمال الفنية ما هي الا بمثابة اجترار لما سبق انتاجه خلال القرن العشرين. انتصر المقياس الذي يرى بأن العمل الناجح هو العمل المُربح مالياً. لا بد للفنان الحقيقي، للشاعر بشكل خاص، أن يحسّ بغربة في عالم كهذا.

وماذا عن الحب والجمال في حياتك وكتاباتك؟
لا مبرر للوجود الإنساني من دون حب وجمال، من دون البحث عن الحب والجمال واكتشافهما. الشاعر الانكليزي فليب لاركن كان متشائماً سوداوياً في جلّ ما كتب، غير أنه في إحدى قصائده يؤكد بأن ما سيبقى من البشر بعد الزوال النهائي هو الحب.
ولماذا تظن أن محمود درويش شاعر كبير بينما أدونيس شاعر تافه؟
لأن درويش كتب عن الحب، البحث عن الحب والشوق للحب وحتى التحسّر على فقدان الحب. أدونيس لا يعرف معنى كلمة حب ما لم يستعن بالمعجم.
الحب هو أرقى أشكال الجمال ومن هنا جمال قصيدة محمود درويش. في حين أن قراءة أدونيس هو تمرين كريه في معاناة انعدام الذوق وعقم الخيال. مجازات مثيرة للضحك وصوّر لا يجرؤ على كتابتها إلا من كان وضيع الأصل والذائقة.
لم يحدث أن كان هناك شاعر كبير، أو مميزبصوته، ما لم يعرف الحب، يستمتع بجماله ويعاني آلامه، أو على الأقل ينشغل بأمره.

ماذا تعني لك المرأة؟
كيف يمكنني الإجابة على هذا السؤال؟ أنهيت قبل اشهر قليلة كتاباً يحمل عنوان “البحث عن المؤنث”. إنه ثمرة قراءة وتفكير في أمر الغائب الأكبر، أي المؤنث، الذي بفعل غيابه انحدرت البشرية الى الدرك الأدنى من الحضيض.
البحث قادني الى التأمل في أمر مصير النساء على مدى التاريخ، سواء كان وجودهن فعلياً أم رمزياً متخيلاً، الشاعرة سافو أو هلن طروادة مثلاً، جاكوستا (أم ولاحقاً زوجة أوديب) أنتيغون، مدّيا، زوجة نوح وزوجة لقمان، سارة وهاجر وزليخة، مريم العذراء ومريم المجدلية، خديجة وعائشة وهند بنت عتبة وزينب بنت الرسول، شهرزاد ومدام بوفاري واليزابيث بَنِت، في رواية جين أوستن “الكبرياء والتحامل، وكاتبات وناشطات نسويات مثل كيت ملِت ونوال السعداوي..
أنا نادم الآن لأنني لم أكتب عن نجمات أفلام البورنوغرافي مثل نينا هارتلي، التي صمدت في هذه المهنة، الذكورية الادارة والغرض على نحو صارخ فظ، حوالي أربعة عقود. أو حتى نجمتنا “المهضومة” ميا خليفة.
إن جود مثل هؤلاء النساء، واللواتي تمثل كل واحدة منهن، بطريقة أو أخرى، محطة استثنائية في رحلة الكشف عن ذلك المؤنث الغائب، والمغيّب، بفعل سيطرة النظام الأبوي الذكوري على المجتمع منذ آلاف السنين. هذه جريمة غالباً ما نميل الى الصمت حيالها.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات