الفنانة التشكيلية الشابة رنا البساط … الحماس اللذيذ باللون المتدحرج

08:02 صباحًا الخميس 24 يونيو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الفنانة الشابة الهادئة المتحمسة للعزف على وتر اللون ، رنا البساط ، صبية ناشطة في مدار اللوحة التشكيلية المتكئة على ألوان الحياة والانسان.
الدخول الى “متاهات” لوحة رنا أو أي منحوتة وعمل فني عندها،يستوجب ، للناظر المهتم، الوقوف بتهيب ومد النظرة تلو النظرة صوب افاق داخل اللوحة وخارجها ، محيطها في آن معاً. ربما هي تلك المعادلة التى اسرتها رنا بتعاكس مطابق.بمعنى انها نجحت في بناء الشكل من خلال كثافة المضمون الظاهر في لوحتها. وكذلك الاشارات والدلالات الخفية في أعماق اللون الذي عكفت على تحقيقه بلمحة واسعة البرق واللمعان.وأعتقد،وأغلب الظن أن رنا الفنانة الرسامة النحاتة تنطلق بعملها من النظرية القائلة، “المضمون هو كثافة الأشكال”.

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


رنا البساط فنانة شفافة الى حد التلاشي والاختفاء. خجولة “بتستحي” كثيرا، ويحمر وجهها وتبتسم بقسوة كلما (تراصنت) في بثّ المشهد المرسوم أو المنحوت.
تشرح رنا وتفسر بدايتها مع رحلة الرسم والفن التشكيلي : لقد قرأت وأنا في المدرسة كتاب “طيور أيلول” للاديبة الراحلة اميلي نصرالله، وانطبعت في ذهني رفرفة أجنحة كثيرة وطيور ممشوقة تملأ السماء في صفوف مذهلة. كنت أيضاً أنتظر سنوياً كل خريف هجرة الطيور من على شرفة منزلنا في جبيل وأراقب حركتها بإعجاب وفرح.
عندما علمت بتكريم الأديبة اميلي نصرالله، قفزت إلى ذهني صورة طير يفرد جناحيه على لوحة التكريم، كأنه سيطير للتّو إما للهجرة وإما للعودة . قصدت أن أنحته في الخشب، والخشب مادة تراثية تشابه في تقشفها ونبلها شخصية اميلي، ومن خشب فاتح  اللون  يتفاعل مع عمر المنحوتة ويتحول لونه مع الزمن، كي يمنح كل سنة وجوداً مختلفاً لمنحوتة صامتة. كما قصدت صقل الأجنحة كي تشابه بسطحها الأملس الحصى التي تصقلها تحولات الطبيعة، فتقارب الخلود… وكان نحت إنحناءة جناح العصفور أهم عندي من تحديد واقعية شكله، مما منح المنحوتة إيحاء وروحا”.

كيف تعرفين نفسك كفنانة وانسانة؟
-أنا فنانة تشكيلية تخرجت من “الجامعة اللبنانية الأميركية”  في “الغرافيك ديزاين”، ولكن التأثير الكبير كان للجو الذي تربيت فيه، حيث كانت جدران المنزل في بيروت لا تتسّع للوحات الفنية التي اعتادت عيني من خلالها على التأمل والتذوق.
رنا البساط مع العضو المنتخب في الأكاديمية الفرنسية البروفسور كريستيان روبان والسيف الذي حمل توقيعها
أما في جبيل، فقد كانت الطبيعة، كما كانت الأحجار القديمة، والآثار منبع خيالي وتذوقي، وكان جدي رفيق يدعوني إلى محترفه للموبيليا الفنية، مثيراً فيّ حس الاتقان والإبداع.
لن أفشي سراً إذا قلت أن أمي د. إلهام هي مؤرخة فنون وأستاذة جامعية في هذا المجال، وفي كل أنحاء البيت تتراكم الكتب الفنية كوليمة لا تنتهي. إنما أعتقد صراحة أنني لا أزال طفلة تلعب على شاطئ بحر جبيل وتبني بالحصى ورقة، والرمل والألوان والموج منحوتاتها الخيالية.

ما هي المواد التي تعملين عليها؟
وتقول رنا :حتى اليوم لا تزال كل المواد تجتذبني، وكل التجارب تحفزني. فلقد بدأت أولاً بالرسم الكلاسيكي واستخدام الأكريليك على قماش مشدود، وانتقلت إلى الرسم السريع بالحبر الصيني والنحت في الخشب والحجر، ثم أخيرا” استخدام الخيط المعدني القوي لصنع بورتريهات تجمع بين الواقعي والتجريبي.
التجريد الواقعي
وماذا عن مسيرتك مسيرتك الفنية؟
-مسيرتي تنحو إلى التجريد الواقعي، فلقد رسمت بالأكريليك على لوحات كبيرة إيحاءات الطبيعة مثل حركة أشجار الحور أمام شرفتي في جبيل على خلفية الألوان التي تكون المشهد، ثم انتقلت إلى رسوم سريعة مثل الإسكتش، تلتقط الميزة الأساسية للشخصية والحركة السريعة لأشخاص غرباء ألتقيهم في الشارع أو أراهم في المقاهي. وهذه الرسوم أحوّل بعضها إلى منحوتات بالخيط المعدني مع وصلاته وفراغاته الموحية والفضائية.
أعتقد بأنني لا أزال أفتش عن شيء لم تقله بعد لوحاتي أو منحوتاتي، وهذا التفتيش يحمل معه لذة المفاجأة والخلق… لذا أتمنى في قرارة نفسي أن أبقى دوماً في هذه الحالة…

تتحدث رنا عن مفهومها للفن وتقول:
-تكوّنت مفاهيمي من خلال عملي وثقافتي الفنية وأكاد أقول من خلال أطباعي ومزاجي النفسي. أنا أميل إلى اللوحة التي لا تفصح بمقدار ما توحي، وإلى اللوحة التي توحي بالأمل والاقبال على الحياة، ولذا أميل إلى الألوان القوية ذات الشخصية الفرحة. وأميل إلى التجريد والاستغناء عن كل الزوائد التي تفيض عن المعنى. فالفن أرقى وسيلة للوصول إلى تذوق الجمال والسلام. قد أميل أكثر إلى التيار الفني “المينيماليست” الذي يحتفظ فقط بالخط واللون الأساسي.
أما بالنسبة إلى رسومي بالحبر الأسود على الصفحة البيضاء دون أي زخرفة، فهي تهدف لإيصال الشعور الخاطف الذي شعرت به في لحظة الرسم، سواء كان احساساً بالفرح أو القلق أو الغضب أو الطرافة.. وأنا أفضل هذه الأخيرة.
وعن رأيها بالفن المعاصر؟
-هل تصدق أنني كفنانة عارفة أكاد أضيع وأحياناً أغضب في متاهات الفن الحديث وإنجازاته، فكيف بالشخص أو المتذوق العادي؟
لقد حدث انقلاب عميق وكبير في مفاهيم الجمال والقبح والتذوق الفني. فاليوم كسرت  اللوحة حدودها، وتحولت أحياناً إلى تجهيز وتركيبات فنية تحتاج إلى من يفسّرها أو إلى استعراضات غريبة مذهلة رائعة أو منفرة أو عادية. وقد ساهم التبادل الاستهلاكي في إنتاج سوق للوحات الفنية تغذيه الثروات الطائلة وقد لا يعطي الفنان الحقيقي حقه… إنما سيغربل الزمن الفن الصحيح من الاستعراض العابر.
أضافت :لقد ساعدتني الظروف على أن أكون مصمّمة لسيف عضو منتخب في الأكاديمية الفرنسية هو البروفسور كريستيان روبان، صديق العائلة منذ أمد بعيد. وعندما انتخب لاختصاصه في حضارة اليمن كعضو في الأكاديمية الفرنسية التي تسمى “أكاديمية الخالدين”، حاولت أن أستوحي من الحضارة الحميرية أكثر رسم متكرر، وهو الجدي المقوّس، وجعلته مقبض السيف، وحفرت على السيف بهذه اللغة أسماء ملوك اليمن واسم البروفسور روبان، ساعدني في التنفيذ، بالخشب و الفولاذ، الفنان الحرفي رفيق الكلاّب، الذي أتعاون معه دوماً في محترفه في عمشيت . وقد دعيت إلى صالة الاحتفالات في السوربون عند الاحتفال الرسمي لتسلمه السيف، وهو قد أشاد به كما أشاد بلبنان وقوة شعبه وإبداعه.

  • تقول رنا :كم أنا سعيدة لأنني استطعت أن أزور مطولاً اللوفر والمتحف البريطاني ومتاحف نيويورك وإيطاليا، وأن تتذوق عيني كل هذا الجمال.
    لذا كان يصعب عليّ تفضيل فنان على غيره. ولكن عندما أغمض عيني وأخلو إلى نفسي يميل قلبي إلى لوحات الفنان دافيد هوكني، لألوانه القوية وجرأته ورسمه للحياة اليومية وكأنها خالدة، والتقاطه للمعة الأساسية في أي منظر عادي. من الأكيد أن إبداع واتقان ليوناردو دافنشي يدهشني دوماً، لكن مصدر وحيي السري هو الفنان موندريان الذي أعتبر أن التربيعات والمستطيلات التي يرسمها سكنت يده عشرات السنين من مناظر وأحداث ورؤى قبل أن تبدو مجردة بسيطة.. أحبّ أن أتخيل لوحاتي أحياناً مطبوعة مثل لوحاته على ثياب وفساتين وكما خلد لوحاته إيف سان لوران… ربما… سأحلم!

One Response to الفنانة التشكيلية الشابة رنا البساط … الحماس اللذيذ باللون المتدحرج

  1. الاعلامي الشاعر محمد درويش رد

    26 يونيو, 2021 at 1:11 م

    الفنانة التشكيلية اللبنانية رنا البساط
    يبدو انها ملكة من ملكات اللوحات الناصعة ببيان ساحر وبنيان ثابت على مواد ومستلزمات الرسم بكل ما فيها من عمق وتواصل بين الاحاسيس كافة ترسم من لبنان لكن توجهها عالمي انساني يحمل من الحداثة ما يفيض كنهر جارف لا حدود لعينها التي تتسع لكل موجودات الحداثة والمدن والكون ….
    حوارها غني مع اسماعيل فقيه الاستاذ في النقد والصحافة والشعر انه ينم عن ثقافة واسعة في الدراسة العلمية لتقنيات الرسم ومحتوى ورسالة اللوحة ….
    ان الحوار الذي اجراه الشاعر المثقف المجدد اسماعيل فقيه مع الرائدة في الحداثة رنا البساط يشير في عدد من الامكنة الى امكانات هائلة تملكها هذه الفنانة التي يترسخ حضورها في المجال الفني التشكيلي في لبنان خاصة والعالم العربي
    ..لهذا اني اقترح ان يصدر كراس يتضمن هذا الحوار المفيد معها لكل من يتعاطى الر سم والفن والتعبير الحر ان في لوحات بساط موسيقى الصمت والذوق المرتفع الوسيم في الاضاءة على اللوحات والاشياء التي تبهر وتسحر في العين والقلب وتثير الدهشة الفلسفية والواقعية الممزوجة بالخيال ، نعم هناك جمال حقيقي في لوحة البساط رنا والكلمة ، هناك تطابق بين ريشة بساط ودقات قلبها وتنهيداتها العفوية هناك ابتسامة ساحرة لبساط الى جانب اطلالة ساحرة أيضا” يضاف الى كل ذلك شفافية عاليبة واتزان موضوعي يرسم على استراتيجية فنية منها بناء عالم الالوان والقصص في لوحات قل نظيرها في لبنان والعالم العربي
    انها رنا البساط صاحبة تجربة جديدة تستحق المتابعة والاهتمام
    شكرا لاسماعيل فقيه على هذا الانجاز الثقافي الباهر والمشع في دنيا العرب ولبنان بالتحديد لوحة تضيء من جديد ولبعيد مسافات وسنين في عتمة الغياب والتكاذب السياسي الر اهن في البلد المنكوب ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات