جورج يرق … الراوي الذي كتب النهايات المفتوحة والاحتمالات الكثيرة

07:38 صباحًا الإثنين 28 يونيو 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

جورج يرق ، كاتب وروائي لبناني أصدر رواية “ليل” و “حارس الموتى”، وسرعان ما لفتت لغته الروائية الإنتباه وجذبت القاريء والناقد في آن معاً. ووصلت روايته الثانية الى جائزة البوكر العربية،حيث رشحت لها للعام 2016.
تتميز أفكار الرواية في نص يرق، ذلك أنه اختار خصوصية المرحلة القاسية والصعبة التي عصفت ببلاده في أيام وأثناء محنة الحرب ، ورغم قساوة الماضي وتأثيراته على مجرى السياق الروائي الذي اختاره،استطاع الراوي جورج يرق أن يرسم صورة منوعة وقديرة في مسار الكتابة،اذ نجح في إظهار مشاهد باطنية عميقة في الواقع الصعب، مشاهد الحب والعاطفة، ولم يترك (الحرب) تتغلغل كأساس ثابت لا سواه في السياق الروائي.سارت روايته بين خطين متوازيين، الحب والموت.

رسالة بيروت – إسماعيل فقيه


وهنا يتحدث يرق ويشرح أكثر تفاصيل تجربته الروائية :

ـــــــــــ الرواية في حياة جورج يرق تحضر بقوة وتتقدم بسرعة، أين كانت هذه الموهبة، وكيف ظهرت بهذه السرعة والنجاح اللافت؟

  • لم تظهر سريعاً، فمنذ أن بدأت العمل في الصحافة، كنت اتطلع الى الكتابة الروائية. في مطلع التسعينيات نشرت في “النهار”، أيام كانت قسمها الثقافي تحت مظلة الشاعر الكبير شوقي أبي شقرا، مقاطع ذات نَفَس سردي من وحي طفولتي. كذلك نشرت في الجريدة نفسها مطلع العام الفين فصولاً من “حارس الموتى” التي لم تكن مكتملة وقتذاك، والتي لم أتبنّ أياً منها عندما استأنفت كتابتها بعد أربعة عشر عاماً. سبق أن جرّبت كتابة الشعر ولم أنشر لعدم اقتناعي بالتجربة.
    ــــــــــــــ روايتاك “حارس الموتى” و “ليل” اشتغلت عليهما كأنهما رواية بجزئين، لماذا؟
  • لا ليستا كذلك. ما يجمعهما هو الحرب واجواؤها، وادانة القتل والقهر والموت. صحيح أن الراوي في كلتيهما مقاتل، لكنه في “ليل” هو غيره في حارس الموتى من حيث العمر والدور والتكوين الفكري. عدا أن الاول ذهب الى الحرب بملء ارادته. أما الثاني فذهب اليها مرغماً. لست من محبذي الرواية الطويلة المتسلسلة في بضعة اجزاء. لكني مع النهاية المفتوحة التي توحي بأن ثمة جزءاً ثانياً يتبع. فالعصر عَصر عصر، يميل إلى الاختصار ويمل الاطالة. ولا بد تالياً من زيادة جرعة التشويق لجذب القارىء.

ـــــــــــــ يميّز التشويق كتاباتك وترك النهايات المفتوحة القارئ أمام احتمالات كثيرة، هل يمكن القول أن هويتك الروائية تبلورت على هذا النحو أم أن تجريب أساليب أخرى أمر لا بد منه؟

  • النهاية المفتوحة تتيح للقارىء أن يذهب مع الشخصيات والحوادث الى حيث يمضي به الخيال. أي انه شريك غير مباشر للكاتب، وانا اتعمد هذا النمط من النهايات لأني ارفض أن افرض نهاية واحدة على القارىء. في الفرض شيء من الديكتاتورية.
    لا اطمح إلى هوية روائية. كل رواية تأتي بهويتها معها. قد تختلف هوية هذه الرواية عن هوية تلك مع ان كاتبهما هو نفسه. والادلة على ذلك وافرة، أمسك عن تعدادها من باب الحياء الثقافي ورفضي عرض العضلات. كذلك لا ادعي اني أجهد لتكوين مشروع روائي على غرار ما يدّعي كل من حصدت رواية له بعض الصدى. الادب لي ليس اكثر من “امتاع ومؤانسة”.
    ــــــــــــ هل تعتبر روايتك التي قاربت زمن الحرب اللبنانية متفردة بخصوصيتها بين التجارب المماثلة، كيف ولماذا؟
    *متفردة في دورانها في حيز لم تدنُ منه الرواية اللبنانية، ومحوره برّاد الموتى في أيام الحرب. ولك ان تتخيل ما يجري في مكان كهذا والبلاد في دوامة المعارك والقصف والقنص وتفجير السيارات والجثث المرمية هنا وهناك. متفردة أيضاً بصعودها من محيط مسيحي يميني تتبدى علاماته مبطنةً في غير موقع من النص. أترك للنقد أن يعيّن الفرادة ويدل عليها.

ــــــــــــــ لماذا لجأت الى التلميح هنا، وفي “ليل” لجأت الى التصريح، فسمّيت الشخصيات والاماكن بأسمائها؟

  • لاني في “حارس الموتى” قصدت ادانة الحرب والمليشيات التي شاركت فيها. وهذا ما قصدته أيضاً في “ليل”. القارىء المتأني لا يفوته، برغم التلميح، اكتشاف المنطقة التي تدور فيها حوادث الرواية. تعمّدت ابراز بعض الاشارات التي تيسّر عليه المهمة.

ـــــــــــــ كتبت في روايتك الواقع الصعب الذي عاشه الإنسان في وطن خائف ومذعور، هل فعلا كتبت الواقع كما هو أو أدخلت على الرواية مشاهد تأتي من سياق خاص خيالي ابتكاري تقني؟

  • طبعاً لعب الخيال لعبته لكن في اطار مكمل للواقع. هنالك قراء، لفرط الواقعية، ظنوا أني بطل “ليل” ربما لأن السرد بصيغة المتكلم. لكنهم هم أنفسهم غيّروا رأيهم بعد قراءة “حارس الموتى” التي يقوم السرد فيها ايضاً على الصيغة نفسها. فقد اكتشفوا ان الراويين ( البطلين) مختلفان. أعترف أن النواة في كلتا الروايتين حقيقية، وبعض الحوادث أيضاً. ومعروف أن الرواية خدعة، وقدرة الكاتب المتمكن تكمن في جعل القارىء يصدق الخدعة.

ــــــــــــــ يرى البعض أن المواضيع المتعلقة بالحرب الأهلية قد استهلكت، كيف تنأى بمادتك الأدبية عن المكرر؟

  • لا لم تُستهلك. هنالك جوانب كثيرة يمكن الافادة منها أدبياً. فالحرب غنية بقصص وحكايات تملأ مجلدات. لكل عائلة مع الحرب قصة صالحة للكتابة. الروائي ليس مؤرخاً كي يبحث في المادة التاريخية. اذا عاد الى التاريخ فمن أجل إغناء عمله الروائي.

ـــــــــــــ حققت روايتك “حارس الموتى” مركزاً متقدماً في إطار المنافسة على جائزة البوكر بوصولها إلى اللائحة القصيرة، أي دور تلعبه هذه الجائزة وغيرها في تكريس الروائيين، وهل شكل هذا الترشيح محطة فارقة في مسيرتك الروائية؟

  • الجائزة سلطت الضوء علي وعلى زملائي في القائمة القصيرة. وعليه، أجري معي نحو اربعين حواراً وسبع مقابلات تلفزيونية وكُتب عدد وافر من المقالات النقدية. مع العلم أني كاتب عزلة لا الهث وراء الإعلام. لا اخفي اني لم اخذل صحافياً واحداً طلب حواراً واعتذرت، أياً كانت المطبوعة التي يعمل فيها. سبق أن عملت صحافياً واعرف وقع الخذلان. الجوائز لا تكرس بل تعرّف القراء بكتّاب جدد غير مشهورين الا في دائرة ضيقة. تكريس الكاتب يأتي من مجمل اعماله.
    حتماً، بلوغ روايتي القائمة القصيرة محطة فارقة لانها اهم حدث شهده مشواري في الكتابة. للمناسبة، اكرر اعتذاري الى الذين اغضبهم إدراج “حارس الموتى” في لائحة “بوكر ” القصيرة.
  • قرّاء كثر يقرأون حصراً الأعمال المرشحة أو تلك التي حصدت الجوائز الأدبية. ألا يظلم هذا الاتجاه الأعمال الأخرى، بمعنى أن مسألة الترشيح ليست دوماً معياراً حصرياً للجودة الأدبية؟
    *طبيعي ان تجذب روايات الجوائز القراء. وهذه احدى فوائد الجائزة المحترمة إذ تدل القارىء على الرواية الجيدة. لكن القارىء المجتهد يبحث هو عن الرواية الممتازة من غير ان يتكل على جهة مرشدة. خصوصاً أن الروايات الفائزة هي روايات لجان. وقد تختلف معايير هذه اللجنة عن معايير تلك تبعاً لأهواء الأعضاء الأدبية والجمالية والنقدية. حتى غالبية هذه اللجان تعترف أن هنالك روايات قوية لم تصل الى القوائم الطويلة والقصيرة، وعدم وصولها لا يلغي مكانتها.
    أختم أن الجوائز تخدم القارىء الكسول الذي ينقصه فضول الاكتشاف والذهاب الى المكتبة وتقليب الكتب وتصفحها وشراء المناسب.

ـــــــــــ لمن تقرأ في الرواية والشعر؟

  • أقرأ للكثيرين، ولا سيما للروائيين والشعراء الذين لم أقرأ لهم بعد. يفرحني اكتشاف رواية أو مجموعة شعرية ليس كاتبها من المكرسين او المشاهير.

ـــــــــــ أي مكانة تشغلها الرواية العربية اليوم؟

  • مكانة متقدمة. الجوائز ساهمت في تعزيزها، ورفعت اسماء مغمورة الى الواجهة. الزمن غربال ما دام النقد المسؤول عاجزاً عن متابعة هذه الفورة الدفاقة من الاعمال، كما أن النقد المتخصص شبه مفقود. علماً أن بعض النقد الممارس اليوم منحاز وشخصي وممالىء. في الأخير، لن يبقى الا المستحق. ومعظم الاصوات التي تهاجم الجوائز، وخصوصاً البوكر، متجنية وغير منصفة. بعضها يخفق في الوصول الى القوائم فينبري للحط من قيمة الجائزة ومن ثم قيمة الروايات الفائزة بها. المكرّسون هم اعداء الجوائز لأنها تعترف بمنافسين لهم. لكنهم يرحبون بها مع جوقاتهم المزمّرة في الصحف والاعلام اذا ذهبت اليهم.

ـــــــــــ هل سنقرأ لك الجديد في رواية قادمة، وما هو مضمونها؟

  • انجزت الرواية الثالثة لكني لم ارسلها بعد الى الناشر. مضمونها علاقة حب تبلغ نهاية مختلفة عن النهايات المألوفة في القصص العاطفية، ومن خلال هذه العلاقة، يحكي الراوي قصة ذات طابع سياسي، تتصل بواقع المسيحيين في لبنان عام 2035. رواية ضمن الرواية.
    ـــــــــــــ هل اخترت عنواناً لها؟
  • هنالك بضعة عناوين، لكني لم أرسُ بعدُ على واحد.
    ـــــــــــــ هل تتوقع لها نجاجاً مماثلاً لنجاح “حارس الموتى”؟
  • أترك الاجابة للايام. فعلت ما علي فعله، والقارىء يحكم لها او عليها. مع العلم ان “ليل” أيضاً قطفت نجاحاً كبيراً، والدليل أنها لم تزل في عداد اكثر الكتب مبيعاً في اهم مكتبات لبنان. فقد بيع منها نحو 500 نسخة في لبنان، وهذا الرقم قلما يبلغه كتاب أدبي في بيروت باعتراف الجميع. وقد صدرت طبعتها الثانية مع غلاف جديد لدى “منشورات ضفاف”.

ــــــــــــــــــ الكتابة عن التعب والحرب والموتى، هل أبعدتك عن الحب وزمن الحب، وعن المرأة، أو أنت كاتب عاطفي مستتر؟

  • لم تبعدني عن الحب والمرأة. بلا مواربة وبكل صراحة، كل ما فعلته وأفعله وسأفعله هو من أجل المرأة. في “ليل” قصة حب بين المقاتل السابق والسيدة العمياء. كذلك في “حارس الموتى” علاقتا حب من طرف واحد، في الاولى الراوي يُغرم بالراهبة التي لم تبادله بالمثل، وفي الثانية، تعلق بحبه ممرضة ولم يبادلها هو بالمثل.
    ــــــــــــــــ أين أنت من الحب اليوم، بالأمس، وغداً؟
  • الحب لي يعادل الحياة. على حق هم الذين قالوا ان غيابه يأخذ المرء إلى الشيخوخة وإن كان شاباً، والعكس صحيح. الحياة تفقد احدى اهم مُتعها اذا توارى الحب عنها.
    ــــــــــــــ ماذا تعني لك المرأة، هل هي ملهمة الكتاب والشعراء دائماً؟
  • ما قلته عن الحب هو نفسه اقوله عن المرأة. فهما متلازمان. انها مُلهمة ومحرضة وحاضنة. وهي أيضاً ملهمة حتى حين تقلب الطاولة وتغدر وتكيد.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات