المونودراما في ديوان (ابن الصبح) للشاعر ميسرة صلاح الدين

10:05 صباحًا الأربعاء 23 مارس 2022
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

حين يكون بين يديك ديوان (ابن الصبح)، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (2021) للشاعر ميسرة صلاح الدين، فاختر مكانا فسيحا لقراءته، تستطيع فيه أن ترى السماء والشارع  معًا، وكأنك هو يخاطب جمهورا لا ينتظر منه سوى التفاعل مع نصوص المَشاهد التي يرسمها المؤلف، واحدا بعد الآخر، وكأنه يقلب صفحات حياته، وكتاب حياة الجمهور بالمثل.

صفحة بعد أخرى، سنكتشف أننا – كقراء – قد تركنا مقاعدنا لنصعد إلى خشبة المسرح، ليس لنكون الكورس، ولكن لأن أصواتنا هي صوته، وكلامه هو كلامنا، وكأنه لامس فينا المسكوت عنه، فأعلنه، وعرف المخبوء داخلنا فباح به.

يؤمن ميسرة صلاح الدين بأنه العامية لغة مستقلة، تطورت كما تتطور لغات العالم، واستوعبت هذا التطور، عبر مخزون مفرداتها بقاموسها الرحب، وحمولاته ذات الراقات المتعددة. لغة لها خطابها  وشفراتها بجانب إيقاعها الذي لا يحتاج التشكيل على حروفها لتعبر موسيقاه.

لا تنس أن تلقي نظرة على الغلاف الأخير، لأنه يقول ببساطة إنه من نسل سلالة هؤلاء،  الذين وهبوا العامية أعمارهم الإبداعية، وأنه مخلص بقدر ما أخلصوا، وإنه يعاهدنا على أن يكون ابن الصبح امتدادا لهذه الألسنة الفصيحة بالعامية، سواء كان موالا لبيرم التونسي، أو ملحمة لفؤاد حداد، أو أغنية لمرسي جميل عزيز، أو رباعية لصلاح جاهين.

هاهو يفعل مثلهم، منذ استهلالته: “من كان منكم بلَا قصيدة؛ فليرمني بحجر..”، وهذا الاستهلال الاستلهام من عبارة “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر)” التي رواها أحد الأناجيل عن المسيح (عليه السلام)، في قصة امرأة متهمة بالفاحشة، أراد الناس رجمها. وكأن القصيدة هي الجريمة، وكأنه مقترف الذنب الذي يمثلنا جميعا؛ نحن مرتكبي القصائد، الشعراء، الجمهور، أو متلقي هذه المونودراما الشعرية…

هكذا، من البداية، يجعلنا ميسرة صلاح الدين نتماهى مع أشعاره، أليس يمثلنا؟ أليس هو صوتنا الجمعي؟ ألسنا كلنا مثله شعراء مجرمون بارتكاب القصيدة؟

تعجبني في صياغات (ابن الصبح)أنها قصائد مكاشفة، أو أنها تجيب من الآخر، لأن لديه شجرة المعرفة، التي حذرنا من قطف تفاحاتها “متنكروش/ إنى حذرتكم،/ إن النسخة/ الجديدة مني،

اللي انتوا/ اخترتوا/ تحبوها، هى النسخة/ الوحيدة مني/  اللي ماتستحقش/ أى محبة” هذا التحذير واجب، إنه يربط نفسه بحزام من القصائد المفخخة، ويعرف أنها ستنفجر في وجه جمهوره، الذي سقط في هواه، باعتباره انتحاريا يلقي بنفسه إلى التهلكة من أجل الرسالة التي يؤمن بها الجميع.

يكتب الشاعر ، المسرحي، تلك القطع المونودرامية كمشاهد شعرية، على هامش سير الجمهور، يسأل عمال اليومية، والموظفين، وكل صاحب مهنة لها مواقيت مغايرة عن سواها: “بتعمل إيه والدنيا بتكشر في وشك كل يوم الصبح من ستة لتمانية؟” فيرد الصوت: “بكون تايه ..زي ورقة بوستة مبعوتة من فلاحة مسكينة لابنها اللى بقاله سبع سنين فى العاصمة مبيسألش على حد .”

ويسأل الآخر “بتعمل إيه والدنيا بتكشر في وشك كل يوم تاني من تمانية لأربعة؟” لنستمع إلى الصوت الآخر، وكأنه يسأل نفسه ويجيب عليها : “بكون خايف ..زي محفظة موظف يوم 20 فى شهر أوله المدارس والعيد بيسن سنانه وبيرفس وجع الباب”

ثم يسأل مجددا، في عمق الدماغ منتظرا الإجابة من الرأس نفسها: “بتعمل إيه والدنيا بتكشر فى وشك كل يوم كالعادة من أربعة لاتناشر؟” ، فيكون الرد: “بكون بعافر ..زي عصفور رمادي

واقع فى إيد صياد قِراري، مع إنه اصطاد عصافير كتير قوي بس قلبه مش مطمّن .”

وأخيرا لا يكمل السؤال : “بتعمل إيه والدنيا بت …….”، لأن الإجابات لن تختلف كثيرا لدى كل فئات الشعب: “بكون إنسان تايه ..خايف ..بيعافر ..ووجوده أصلا في الحياة مافرقش في وجود أي حد”

في القصيدة التي تحمل عنوان الديوان “ابن الصبح”، ندرك أن العدمية التي تطرحها أفكار القصائد هنا وهناك، لا بد لها من مغزى، وهنا المغزى الذي خلق الشاعر من أجله:

“شاعر لو اقسم ع الشعر لأبره

بطريق مفتوح بين الأرض والسما

بقصيدة جديدة

تزقزق للفقرا

وتعلق زينة العيد على صدر المساجين

وترقع توب الوطن فيسترنا كلنا

شاعر لو اقسم ع الشعر لأبره

بعلبيتن ألوان يقدر

يدوب فيهم تنهيدة البحر

وأسئلة البنات

وليلة اكتمال القمر

ويلون بيادات العساكر

بمشاعر أفتح

فلما تدب

تطلع مزيكه سيرك

مافيهوش فقرات مرعبة

ويلون أسراب الهليكوبتر

فتفك الكبت الميري

بنوارس وفيونكات

ومشاعل خضرا

ويخلي الصواريخ لما تفرقع

يطلع من قلبها

رمان وفراولة وبطيخ ساقع

ويحول كل الجرانين الصفرا

لكراريس رسم

ويرسم جواها شوارع

باتجاهات معكوسة

علشان الموت والغربة

ييأسوا من مكر العناوين

شاعر يدفع فواتير

النور والميه

قصايد طازه

ويفرض سطوته ع الأطفال

فيقدروا

معجون الأسنان

والأكل الصحي

وقلق الأم

ويفرض سطوته

ع البنى آدمين

فيحنوا ويرجعوا

بني آدمين من تاني

شاعر

بيقطع من حلمه الحي

ويطعمنا

واحنا بننغزه بعنينا

شك وتلميح وإهانة

شاعر

قبل ما يظهر

كنا بنتمنى

يكون موجود وسطينا

ولما صبح وسطينا

أصبحنا بنتمنى

يكون مش موجود”

هذه هي القصيدة المفتاح، نحن نكتب الشعر ليكون عزاء، فهو أجمل ما في الحياة، بجرأته، وبراءته في آن واحد، حتى لو تحول إلى عبارة حفرت على شاهدة قبر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات