مصر: الدستور يظلم المرأة فتقص شعرها احتجاجا

09:17 صباحًا الأربعاء 26 ديسمبر 2012
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print


النساء اللائي قصص شعورهن في ميدان التحرير، بقلب القاهرة، احتجاجا على صياغة الدستور الجديد بما تضمنته من مواد مجحفة لحقها وحق أسرتها، ذكرنني بقصص النساء اللائي شاركن في صياغة تاريخ مصر، وما أكثرهن.

لقد اخترت هذا التمثال لأميرة حليقة الرأس وأنا أكتب عنهن. وتعود رأس هذا التمثال المنحوت والمحفوظ في متحف المصريات بمدينة ميونخ، ألمانيا، إلى إحدى الأميرات الفرعونيات، وهي إحدى بنات إخناتون؛ الفرعون الذي نادى بالتوحيد، وأمها هي زوجة إخناتون الجميلة الملكة نفرتيتي، من عصر الأسرات الجديدة للمصريين القدماء، سنة 1350 قبل الميلاد، أي منذ ما يقرب من 34 قرنا. كان للمرأة المصرية طوال التاريخ دور مشهود في بناء الدولة، وكانت شريكة المصري القديم والمعاصر في بناء الدولة.

فمنذ ما يقرب من 4800 عام فى مصر القديمة مارست (مرت بتاح) الطب لتصبح اول طبيبة يذكرها التاريخ بل وربما اول عالمة ايضاً. وحكمت مصر ملكات مثل فنيتوكريس من الأسرة السادسة، وسوبكنفرو من الأسرة الثانية عشر، وحتشبسوت (1508-1458 ق.م) الأسرة الثامنة عشر، التي حكمت البلاد 21 عامًا، وكان عصرها الأكثر سلاماً ورخاءً، كما حكمت الملكة تي (1398-1338 ق.م) زوجة الملك أمنحتب وجدة الأميرة التي يظهر تمثالها أعلى المقال. ولعل كليوباترا السابعة (69-30 ق.م) أشهر ملكات مصر، وهي المنحدرة من اسرة البطالمة ذوو الأصل الاغريقى الذين حكموا مصر بعد موت الإسكندر الأكبر، مثلما كانت آخر فراعنة مصر. وبعدها ستحكم شجر الدر مصر، بعد أن كانت وزيرة الخزانة، حين توفي زوجها أثناء غزو الصليبيين لمصر بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، وقد قررت إخفاء الخبر حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصري.

مصر هي سَهير القلماوى (1911-1997) رائدة الدراسات الأدبية، والبرلمانية، والصحفية، وهي لطفية النادى (1907-2002) اول كابتن طيار مصرية، وامينة السعيد (1914-1995) الكاتبه ورئيس تحرير مجلة حواء المطبوعة النسائية الشهيرة التى صدر اول اعدادها عام 1954 وكان معدل توزيعها يصل الى 175،000 نسخة، وسميرة موسى (1917-1952) اول عالمة ذرّة، ومفيدة عبد الرحمن (1914-2002) اول محامية، وهي الأميرة فاطمة اسماعيل (1853-1920)، راعية العلم، والتي قررت التبرع بقطعة ارض شاسعة تملكها فى الجيزة لبناء مقر دائم للجامعة عليها، وتبرعت ايضاً بمعظم ما تملكه من مجوهرات للإنفاق على انشاءات الجامعة، ولكى تضمن الأميرة فاطمة استدامة المشروع اوقفت علية ستمائة فدان من اطيانها لتغطية نفقاته السنوية.
اليوم، وبعد مرور اكثر من مائة عام على انشائها، تعتبر جامعة القاهرة (الجامعة المصرية ثم جامعة فؤاد الأول سابقاً) هى اكبر جامعات مصر واعرقها، وصفية زغلول (1878-1946) أم المصريين التي خلعت اليشمك سنة 1921 لتتقدم صفوف الثوار المصريين وكانت مشاركة النساء فى ثورة 1919 مع الرجال لأول مرة مطالبات بإستقلال البلاد ملمح تلك الثورة التى تحركت بعد نفي زعيم الأمة سعد زغلول وأعلنت هي، زوجته، صفية زغلول، عن طريق سكرتيرتها إانه:” إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعداً ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أماً لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية”. ومنذ ذلك اليوم لقبت صفية زغلول بـ”ام المصريين” واصبح بيتها وبيت سعد زغلول (بيت الأمة).

النساء المحجبات شاركن في الاحتجاج وقصصن خصلات من شعر الرأس

مصر هي صوت كوكب الشرق أم كلثوم (1898-1975) وحرف الناشرة الثائرة روز اليوسف (1898-1958) ونضال هدى شعراوى (1879-1947) وسيزا نبراوى (1897-1985)، ودعوة نبوية موسى (1887-1951) لتعليم البنات، وأدب ملك حفنى ناصف (1886-1918) ومصر هي ثورة درية شفيق (1908-1972) التي قادت
فى 19 فبراير 1950 مظاهرة قوامها 1500 سيدة واقتحمت ابواب البرلمان اثناء انعقاد احد جلساته واعلنت اضرابها عن الطعام حتى تنال المرأة المصرية حقوقها الدستورية المساوية للرجل وبعدها بأسبوع كان لها ما ارادت. ومصر هي فناناتها ومبدعاتها عزيزة أمير (1901-1952) وفاطمة رشدى (1908 – 1996) وعائشة التيمورية (1840-1902) وانجى افلاطون (1924-1989) وفي العصر الحديث نماذج يكملن المسيرة، وما أكثرهن.

بعد مسيرة في التاريخ عميقة، لا يمكن لدستور أن يحرم المرأة من حقوقها، ولا يمكن أن يعيد العجلة إلى الوراء في زمن تنهض الأمم بمشاركة كل أبنائها، ولا يكون مقبولا أن يعتدي الدستور على حقوق الأسرة ـ أبا وأنا وأطفالا، بحجة أن صائغيه يمثلون رأيهم الذي لم يحظ بأغلبية، لا في كتابة مواده، ولا في التصويت عليه. ويعد تقليد قص الشعر تعبيرا عن المعارضة ممارسة مصرية قديمة، فتذكر لنا المؤرخون كيف قصت إيزيس شعرها عند مقتل أوزريس على يد ست لتعبر عن حزنها وتحديها، وتبدأ رحلة البحث عن الشتات الجسدي له لإعادة إحيائه.

الصورة بعدسة أحمد عبد اللطيف، أ.ب)

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات