في ماهية الصُّورة

12:14 مساءً الثلاثاء 3 يناير 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية وكاتبة وأكاديمية، لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الصُّوْرَةُ) (ص و ر): الشَّكْلُ، (أو) التِّمثالُ المُجَسَّمُ، (أو) الوَجْهُ، (أو) النَّوْع؛ يقال: هذا الأمرُ على ثلاثِ صُوَرٍ، (أو) كلُّ ما يُصَوَّرُ.

و(صُورةُ المَسألةِ أو الأَمرِ): صِفَتُها.

و(صُورةُ الشَّيءِ): ماهِيَّتُه المُجَرَّدَةُ، خَيالُه في الذِّهنِ أو العَقلِ.

و(الصُّورةُ الذِّهنيّةُ): ما يَتَصَوَّرُه الذِّهْنُ من الأشياءِ والمعاني.

و(الصُّورةُ الأَدبيّة): ما تَرْسُمُه لِذِهْنِ المُتَلَقِّي كلماتُ اللُّغَة، شِعرًا أو نَثْرًا، من ملامحِ الأفكارِ والأشياءِ والمَشَاهِدِ والأَحاسيسِ.

و(الصُّورة البديعيّةُ أو الصِّيغَة البديعيَّة): تعبير يَسْتَخدِمُ أَحَدَ أَساليبِ عِلْمِ البديع، كالجِنَاسِ والطِّبَاقِ والسَّجْعِ والتَّوْرِيَةِ…

و(الصُّورُ البيانيَّةُ أو الصِّيغة البيانيَّة): تعبيرٌ يَسْتَخْدمُ أحد أساليبِ عِلْمِ البيان، كالتَّشبيه والاستعارةِ والكنايةِ والمجاز.. إلخ.

و(الصّوَرُ المَجَازيَّةُ): هي مجموعةُ الصِّيَغِ اللُّغَوِيّةِ الَّتي تستعملُ من أجل تمثيل الأشياء والأفكار المجردة تمثيلًا وصفيًّا. وقد اتفق النقاد عمومًا على أن هذه الصُّوَر المجازية تعبير عن صورة مرئية يتمثلها الخَيَال. مثال ذلك قول أبي العلاء المعري (449هـ):

أنتَ كالشَّمسِ في الضِّياءِ

وإن جاوَزَتْ كَيْوانَ في عُلُوِّ المكانِ

 ولكنّ هذا المفهوم قد اتسع ليَشْمُل كذلك الصُّور الصَّوتية.

ومثال ذلك قول ابن الرُّومي (283هـ) في تأثير غناءِ مُغَنٍّ:

فكأنَّ لذَّةَ صوتِهِ ودبيبَها

سِنَةٌ تَمشّى في مفاصلِ نُعَّسِ

فالشِّعْر كثيرًا ما يشتمل على صُوَر خياليَّة تخاطب العين تارةً والأذن تارة أُخْرى.

أما بالنّسبة إلى الأفكار المجردة، فكثيرًا ما نجد الشّاعر يجسّدها على شكل استعارة أو تشبيه، وذلك لصبغ الفكرة بحيوية مثيرة للقارئ، ومثال ذلك قول ابن المعتز (296هـ):

قد ذهبَ النَّاس ومات الكمالْ

وصاحَ صَرْفُ الدهرِ أين الرِّجَال؟

هذا أبو العباسِ في نعشِهِ

قوموا انظروا كيف تسيرُ الجبالْ.

و(الصُّورة الرَّمزية): التي تَعْتَمدُ الرَّمزَ للدَّلالةِ على معنى أخلاقيٍّ أو غيره.

و(الصُّورةُ الكاريكاتوريَّة): هي صورةٌ مُشَوَّهَةٌ لشَخصٍ أو شيءٍ تُبْرِزُ ناحيةً مُعَيَّنَةً منه فَتُضَخِّمُها بُغْيَةَ السُّخْرِيَةِ أو الإضحاكِ غالبًا.

و(الصُّورة المَعْنَويَّة أو الصِّيغة المَعنويّة): هي لفظٌ أو تركيبٌ يُعَبِّرُ عن معناه الحقيقيِّ أو عن معنى قريب منه (معنى مجازيّ)، والجمعُ: صُوَرٌ وصِوَرٌ وصُورٌ.

أما (صُوَرُ كتبِ الأَطْفَال والنَّاشِئَة)، فتتساءَلُ (آليس) في (آليس في بلاد العجائب):

“ما فائدة كتاب بدون صُوَر وبدون حوار”؟

والرَّدَّ على هذا التَّسَاؤُل يكون بتساؤل آخر هو:

“ماذا يمكن أن تفيد الصّور مِن غير نص”؟  

ويطرح كتَّاب الأَطْفَال هذه الموازنة:

“أيهما أهم: الصُّوُرَة أم النّص؟ الصُّوُرَة بدون حوار أم الحِوَار بدون صورة؟”.

إن (آليس) بطرحِها هذا السُّؤَال كانت تمثل دورًا جيدًا. فــ (لويس كارول) يرى أن “الصُّوُرَة والنّص يشكلان كلًّا واحدًا مُتلاحمًا”.

ومن النَّادر جدًّا أن نرى مؤلفين فهموا هذه المسألة في كتبهم الخاصة: ذلك أن الصُّوُرَة تُنَفَّذُ عادة حسب النّص أو بعده، وهي تشيخ قبلَه بسرعة أكبر؛ لذا كان من الضَّروريّ  بعث روح النَّاشِئَة فيها مع كل جيل جديد.

أما الالتقاء التَّام بينهما، فذلك أمر بالغ النّدرة.

لم تكن كتب الأَطْفَال الأَوَّلى إلا على غرار كتب الرَّاشِدين؛ أي: بدون رسومٍ، ولا شيء فيها من الرَّسْم اللَّهم إلا عنوانها المزخرف. ويعود الفضل لـ (ب . ج . هيتزل) منذ عام 1845 في إصدار أول مجموعة للكتب طبعت الصُّوَر بين نصوصها. 

أما (القصص المُصَوَّرة المسلسلة)، فقد كان ظهورُها في صَحَافَة الأَطْفَال أمرًا متوقعًا في نهاية القرن الماضي.

وهي تعود أصلًا إلى التَّمثل الطُّفولي للحياة، ونراها خاصة في “أوراق إيبينال” المُصَوَّرة الَّتي قسمت على ستة عشر جزءًا.

وتُعتبر الصُّور نوعًا من أَنْوَاع التَّجسيد الفني يستعين به الإِنْسَان للإفصاح عن نفسه والتَّعْبير عمَّا يحمل من معانٍ وأفكار.

والصُّوُرَة لغة أُخْرى  تساعد على التَّعْبير بدقة ووُضُوح أكبر. وهي لا تخضع للقيود؛ لذا، تتيح مجالًا واسعًا للتَّفكير.

والأَطْفَال، منذ أعمار مبكرة، يعبِّرون عن أنفسهم بالصُّوُرَة ويستقبلون التَّعْبير من خلالها ويهتمون بالتَّفاصيل، وتنطبع في أذهانهم الصّور الموحية حتى لَيصبح الرَّسْم أكثر إقناعًا من الكَلِمَة.

أما (الصُّور في قصص النَّاشِئَة الأَدَبِيّة)، فيمكن اسْتِخْدَام الصُّور في قِصَّة النَّاشِئَة الأَدَبِيّة، بدل الاكتفاء فيها بالعنوان المُزخرف أو الغِلاف الملون فقط.

ورسالتهاتكون بالتّكامل مع النّص بدل أن تكون على غرار أَدَب الرَّاشِدين مِن غير صور.ورأي مخالفٌ لأهمية الصّورة يدليه (برونو بتلهايم) في كتابه (التّحليل النّفسي للحِكَايَات الشّعْبِيّة)، يقول فيه “إن الصّورةَ تعيق اختبارَ الطِّفْل جمال القِصَّة كونها تفرض عليه تداعيات الرّسّامِ”. ولكِنَّه كان يتحدث عن الحِكَايَات الشّعْبِيّة بالذاتِ، أي عن أحد أَنْوَاع فن القِصَّة، وهذا ما يجعل رأيَهُ أقل أهمية من رأيِ المشجعين.

دور الصّورةِ التَرْبَوِيّ

(أ) وسيلة إيضاح وإبراز معانٍ.

(ب) حافز لإثارة انتباه الطِّفْل.

(ت) تركز طاقة الطِّفْل العَقْلِيّة إذ يتفاعل مع الصُّوُرَة بدل أن يتلقَّاها.

(ث) يدرك الموضوعات المعنوية (الشَّجاعة، التَّعَاوُن، الحب…).

(ج) تعطي المواقف حيوية وواقعيَّة.

(ح) تدرب العين على التقاط الرُّمُوز البصرية وفهم دلالاتها.

كيف يقرأ الطِّفْل الصُّوُرَة؟

(أولًا) التَّدرب على قراءة الصُّوُرَة في (الصُّحُف، المَجَلَّات، الكُتُب، التِّلْفاز، الكومبيوتر، الإنترنت، الإعلانات في الشَّوَارِع…).

(ثانيًا) عبر زيادة (الثَّقَافَة البصرية) وذلك من خلال:

(أ) التَّعَرُّف على مكونات الصُّوُرَة الأساسية (دلالاتها).

(ب) الاطِّلاع على ما تعنيه هذه الدَّلالات من مضامين.

(ت) معرفة المكونات التَّكنيكية (الإطار + المستويات+ الأبعاد+ الألوان +الخطوط + الإشارات+ الرُّمُوز…).

(ث) عناصر سلوكية (حركات + تعابير…).

(ج) عناصر اجْتِماعِيّة (ثقافة + تراث+ لباس..).

(ح) عناصر مكانيّة (البيئة المكانية ودلالاتها…).

(خ) عناصر زمنية (استكشاف رموز الوقت+ شمس+ قمر+ لباس فوسفوري + مدينة مضاءة…).

(د) عناصر الخَيَال والخرافة والأُسْطُورَة.

(ذ) عناصر الواقع (التَّطابق مع الواقع+ الدِّقَّة+ الفَوارِق…).

بقلم: د. إيمان بقاعي

3\1\2023

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات