ريم الحمروني وفتحية العسال تلتقيان في المروج الخضراء

01:04 مساءً الثلاثاء 21 فبراير 2023
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

شهادة

في دورة أيام قرطاج المسرحية عام 1999 التي كان مديرها الصديق العزيز و المسرحي التونسي الكبير الأستاذ الدكتور / محمد المديوني .. حللت ضيفا على تونس الخضراء مع وفد مصري استثنائي ضم عددا محترما من الفاعلين في المسرح المصري فنانين و كتاب و نقاد الخ ، و كانت الوفود العربية أيضا كذلك خاصة وفود سورية ، ولبنان ، و فلسطين ، و الجزائر ، و العراق ، و العديد من وفود الدول الأفريقية و على رأسها وفود غانا و الكونغو .. ، و كأن تلك الوفود الاستثنائية كانت على موعد مع القدر لحضور دورة استثنائية بكل المعايير .. لكنني لم أتأكد سوى أمس الأول أن تلك الدورة كانت استثنائية حتى في البشر و تصاريف القدر ..

كان في مقدمة الوفد المصري نجمين من العيار الثقيل في التمثيل و التأليف المسرحي .. فقد كان معنا النجم الكبير/ أشرف عبد الغفور ، و الكاتبة الكبيرة العزيزة الغالية المرحومة / فتحية العسال ، و نظرا لكرم و حفاوة الإستقبال التونسي فقد أهتم د/ محمد المديوني بأن يكون للضيوف مرافقين من شباب المسرحيين التونسيين آنذاك للتعريف بالبلاد و حضارتها و في الوقت ذاته يقومون بدور الدليل للوصول إلى قاعات المسارح لتسهيل وصول من لا يعرف أماكنها ممن يزورون تونس لأول مرة .. ، لكن المفارقة كانت في إختيار مرافقي الضيوف إذ كان كل مرافق على شاكلة الضيف المسئول عنه في الطباع الأمر الذي خلق جو من التفاهم السلس خلال فعاليات أيام قرطاج المسرحية طوال تلك الدورة .. و كان الثنائي الأشهر على الأطلاق هو شابة سمراء مرحة تدعى “ريم” مازلت طالبة أو متخرجة حديثا من المعهد العالي للفن المسرحي بتونس ( لا أتذكر على وجه التحديد ) كانت مسئولة عن مرافقة الكاتبة الكبيرة / فتحية العسال .. ، و لم تكن تلك الفتاة السمراء المرحة سوى العزيزة ” ريم الحمروني ” ، و سرعان ما تحول الثنائي إلى ثلاثي ضم كاتب السطور نظرا لعلاقات إجتماعية و حزبية كانت تربطني بالسيدة “فتحية العسال” .. ، و سرعان ما أذاب الولع المسرحي المشترك كافة الحواجز غير المرئية بين الجميع لنصبح الكل في واحد ، و كانت ” ريم الحمروني ” لا تتوقف عن طرح الأسئلة دون إنقطاع حول المسرح و خبراته على الأستاذة ” فتحية العسال ” ( ربما كانت تشعر أن رحلة العمر قصيرة فأرادت إستكمال زادها المعرفي ) ، و رغم وجودي أغلب الوقت تقريبا مع الأستاذة ” فتحية العسال ” لكنها كانت تنزعج بشدة إن لم تكن “ريم” برفقتنا طوال الوقت .. ، و ذات ليلة إستدعانا الصديق العزيز الفنان الكبير ” نور الدين الورغي ” و حرمه الفنانة الكبيرة ” ناجية الورغي ” على العشاء في دارهم بالمرسى آنذاك ، و لا أتذكر إن كانت ” ريم الحمروني ” برفقتنا آنذاك أم لا .. لكن الفنان الكبير / أشرف عبد الغفور .. كان يداعب الأستاذة/ فتحية العسال .. بين الفينة و الأخرى بقوله ( محتاسة ليه يا فتحية .. بتدوري على حاجة .. الحقيها يا ريم ) فترد الأستاذة ” فتحية ” ( أنا مقدرش أستغني عنها .. هرجع مصر إزاي من غيرها ) ..

– جدير بالذكر أنه كان يكتمل الثلاثي المرح فتحية و ريم و كاتب السطور بصديق عزيز دمث الخلق عذب الفكاهة هو ” منذر القلعي ” الذي عرفته منذ ذلك العام .. ، و منذ عرفت ” ريم الحمروني ” في عام 1999 لم تنقطع الصلة بيننا أبدا رغم فترات الغياب الطويل أحيانا و كنا جميعا نشعر بالإمتنان للدكتور / محمد المديوني .. الذي نجح في إختيار من يعمل معه في فعاليات أيام قرطاج المسرحية من بين تلاميذه ..

– و تواصلت علاقة الصداقة الحميمة مع ” ريم الحمروني ” عبر زياراتها المتكررة إلى مصر خاصة مع الراحل الغالي ” عز الدين قنون ” في عروض مسرح الحمراء و التي ربطت أكثر بيني و بين الأحباء “ليلى طوبال” ، “صابرة الهميسي” ، و “جعفر القاسمي” ، و “توفيق العايب” ، و كذلك عبر زياراتي الدورية لتونس قبل أن تصبح دار و مستقرا لكاتب السطور ، لكن الأمر المحير في تصاريف القدر أن لقائنا كان أكثر وقتما كنا لا نعيش في بلد واحد .. لكننا كلما إلتقينا نعود إلى أحاديثنا و حكايانا و نوادرنا الطريفة كأنما كنا سويا بالأمس ، و نضحك دائما على قصة طريفة وقعت للدكتور / محمد المديوني مع المرحومة / فتحية العسال .. و كأننا نسمعها لأول مرة .. عندما أعطته المرحومة / فتحية .. موعد الساعة 12 فذهب إليها مع منتصف النهار .. ففتحت الباب مندهشة نصف مستيقظة .. إذ كانت تقصد بهذا الموعد دعوة عشاء في الثانية عشر ليلا ، و كانت ” ريم ” تقهقه عندما نلتقي بمصر قائلة بلهجة مصرية ( جاية أسهر عندكو شوية .. ما إنتوا ما بتناموش ) ..

– و في غفلة من الزمن و العمر غادرتنا ” ريم الحمروني ” لتلحق بحبيبتها ” فتحية العسال ” .. ، و لا أقول غدرتنا لنفاجئ بأننا نحن من تُركنا وحدنا في وقت صعب مع أشباه كائنات مجردة من الإنسانية سيرحم الله ” ريم الحمروني ” رغم أنوفهم لحسن ظننا بالمولى عز و جل الذي لا نزكي عليه أحد ..
و لعلي أرى بعيني قلبي و روحي “ريم الحمروني” تركض في مرج أخضر يحفه عذب المياه نحو أحضان ” فتحية العسال ” التى تضحك لها فاتحة ذراعيها في انتظار أن ترتمي “ريم” بين أحضانها هناك حيث يسكن الشوق في دار لقاء الخلود .. ليتغمدهما الخالق بواسع فضله و نعمته ..
أما نحن فليرحمنا الله

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات