ما أَطْيَبَ البطاطا الحلوةَ والفاصولياءَ!

10:05 صباحًا الجمعة 3 مارس 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قصة قصيرة، بقلم: د.إيمان بقاعي

2\3\2023

أصرَّت جدتي على أن تُعِدَّ طعامًا شتويًا.

-مثلًا؟ 

سألتُها أنا حفيدتُها العشرينيَّة التي تهوى تناول الشَّطائِرَ الجاهزة التي تنظر إليها جدتي شَزْرًا كلَّما تسلمتُها مِن عامل المطعَمِ ودخلْتُ قافزةً فرَحًا أتنشقُ رائحتَها التي تضاهي عطور كوكو شانيل التي أعشقُها. 

قالَت: 

-بطاطا حلوة.

-حلوة؟ مع سُكَّر يعني؟

-لا، بل طعمُهَا سُكَّريُّ، ولونُها  خمريٌّ من الخارجِ، برتقاليٌّ من الدّاخلِ، وغنيَّة بالأليافِ، وتُؤكَل ساخنةً.

وأغمَضَتْ عينيها الصّغيرتين السَّوداوين:

-يامْ يامْ!

وسألْتُها قبل أن أتجرَّأ فأطلبَ شطائري الجاهزة، وأنا غير قادرةٍ حتى أن أتخيلَ شكلَها وطعمَها:

-وماذا أيضًا؟

-الفاصولياء البيضاء المسلوقة والمتبَّلَة بالحامض والملح والثُّوم وزيت الزَّيتونِ.

وثانيةً، أغمَضَتْ عينيها الصّغيرتين السَّوداوين حالمةً:

-يامْ يامْ!

-وسأكفُّ عن تناول شطائري وقتَ أتذَوَّقُهُما؟

-طبعًا.

أخذَ إعداد الوجبتين وقتًا طويلًا، انتهى إلى فاصولياءَ مُكثَّفةِ طعم الثُّومِ بحيث سعلْنا جميعًا- أنا وأمي وأبي وجدتي- ومُقَرقِشَةً مثل حصًى نصفِ مسلوقٍ، ردَّتْ جدّتي صلابَتَها إلى أن موسمها خضراءَ قد انتهى منذ شهْرٍ، وأنها دُهشَت أصلًا إذْ رأتها معروضةً فوق بسطةِ الخيار والبندورة، وشكَّتْ أن البائع قد نقَعَ حبوبَها الجافة في الماء قبل يومٍ، وعرضَها على أنها طازجة؛ لذا لم تنضجْ وقتَ الطَّبْخِ كما تنضج الطَّازجة، ملقِيَةً اللَّومَ على البائع الغَشَّاش المُخادِعِ السَّافلِ، الوقِحِ، الدَّنيء، الحقيرِ، الخَسيسِ، النَّذْلِ.

أما البطاطا الحلوة، فبينَ لحظةٍ وأخرى، ذابَتْ في قعر الطَّنْجَرة، وانفصَلَت قشرتُها عن لبِّها الذي ما لبث أَنِ التصق بالكعب مثل “السِّيريلاك”.

وشتَمَتْ جدَّتي البائعَ أيضًا؛ لأنه اختار حبَّاتٍ كبيرةً-في غفلةٍ عنها- بدل تلك الصَّغيرة التي  يجب ألا يتجاوز حجمُها حجمَ الإصبع، والتي أقسَمتْ أنه يمكن أَكْلُها نيِّئَةً، بينما أَخذَ سَلْقُ هذه أَكثر من ساعةٍ.

المهم، أننا حظينا بعشاء بعضُهُ يقرقِشُ، وبعضُهُ سائل، استبدلناه بالجبنِ والخبز والشَّاي السَّاخن الذي تلذَّذَتْ جدتي بارتِشَافِهِ مبتسمةً وهي تقول:

-في البرد القارسِ، لا غنى عن المشروبات السَّاخنة، وأهمها طبعًا الشَّاي.

وأَردفَتْ من دون أن تعتذر عن مشروعَيْها الفاشِلَيْن:

-سبحانَ الله، لكلِّ موسِمٌ مأكولاتُهُ وشرابُهُ!

One Response to ما أَطْيَبَ البطاطا الحلوةَ والفاصولياءَ!

  1. د / عبد الرحمن البنا رد

    4 مارس, 2023 at 4:28 ص

    ما أطيب البطاطا الحلوة، والفاصوليا..
    (قصة قصيرة) ، بقلم المبدعة / د ايمان بقاعي ،
    تلك (خواطري) بعد انتهائي من قراءة، ما بين السطور :

    🌹 لكل موسم، مأكولاته وشرابه..
    *ولكل وقت، اذان،
    *ولكل عصر رجاله،
    وستظل هناك (فجوة) بين الاجيال، مدي الحياة،
    ولذلك قيل : (ربوا أبنائكم لزمان غير زمانكم،)
    *اختلاف الاجيال، سنة الحياة، ولا يمكن استنساخ الاجيال، أو تكرارها، اواعادة إنتاجها وتدويرها،
    لا يمكن أن أعيش في جلباب ابي، 🌹 مهما كان جميلا،
    حتى لو كانت (الفاصوليا) طازجه،
    وحتى لو كانت (البطاطا الحلوة) في حجم الإصبع،
    سترفصهما (بطلة القصة) العشرينية، لأنها في زمن ا(لبيتزا،) و(والكنتاكي) ، وسر الخلطة، والشيبسي، 😅
    وليس في زمن وجيل :
    *(البطاطا الحلوة) ، مهما كانت (حلاوتها،)
    ‘ولا (الفاصوليا) البيضاء مهما كان (نضجها)،
    ودائما نحن ( قوم) نبحث عن ( مشجب) نعلق عليه اخطاءنا،
    (الغرب) يتآمر علينا ، (الغرب) يكيد لنا، (الغرب) يكرهننا ،
    *الاعتراف باخطائنا اول خطوة للنهوض من كبوتنا، وعثرتتا..
    علينا أن (نقتدي) بالغرب في اتقان العمل وفي البحث العلمي والابتكار ، وليس في (البيتزا) أو (والكنتاكي) ، 😅

    شكرا.. 🌺 مبدعتنا…. د / ايمان بقاعي 🌹

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات