حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ 13 | صحنُ الفولِ والخاتمُ

02:03 صباحًا الثلاثاء 4 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي | ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)


سامي (مخاطبًا جده): لكنْ قلْ لي يا جدو عزيز، أكنتَ  تحبُّ الذَّهابَ إلى بيتِ جدِّك- مفتشِ اللُّغةِ العربيةِ- حقًّا، أم كانتْ زيارتُكَ مجردَ واجبٍ عائليٍّ؟ 

الجدّ (يخاطب حفيده): أتزورُ جدو عزيز وتيتا مُهيبة بدافعِ الحبِّ أم بدافعِ الواجبِ؟

سامي (مستنكرًا): الأمرُ مختلفٌ؛ فجدو عزيز لا يجلسُ منتظرًا كلمةً أتلفظُ بها كي يصححَها، وكأنني في مدرسةٍ… (يستدرك): رغمَ أنني أحبُّ أن أستفيدَ من كلِّ معلومةٍ يا جدي، وسبقَ وأن قلتُ لكَ ما علَّمَنا إياهُ قبلَ أيامٍ أستاذَنا في الصَّف: (العلمُ في الصّغرِ، كالنَّقشِ في الحجَرِ).

الجدّ (يضحك): أتعتقد أنَّ جدي كانَ مفتشًا طوالَ الوقتِ؟

الجدّة: لا، وألفُ لا! أخبره يا جدو عزيز، أخبرْهُ!

 (ب)

الجدّ: صحيحٌ أن جدي كان يمتلكُ مكتبةً كبيرةً لها أبوابٌ زجاجيةٌ تحمي الكتبَ من الغبارِ، وصحيحٌ أنه كان يستغرقُ- بسعادةٍ- في القراءةِ والبحثِ وبجانبه دفترٌ وقلمُ رصاصٍ يخطُّ عليه ما يكتشفُهُ، وصحيحٌ أن تلك المكتبةَ كانتْ خاليةً تمامًا من كتبِ الأطفالِ (يستدرك): إلا ما كانَ يصوغُهُ لي منها بأسلوبٍ مبسَّطٍ مناسبٍ لي…

 الجدّة: إلا أنَّهُ كانَ شخصًا ظريفًا، لطيفًا، طفوليَّ الطّباعِ.

الجدّ: صحيحٌ! وكنا نشتركُ معًا في هواياتٍ كثيرةٍ.

سامي: تشتركانِ معًا في هواياتٍ؟

الجدّة: كسقيِ أشجارِ الحديقةِ.

الجدّ: وكالذَّهابِ إلى الدّكانِ، وإلى المسجدِ لصلاةِ الجمعةِ.

سامي: وماذا بعدُ؟

الجدّة (تحرضه على التّذكر): وماذا بعدُ؟

سامي (لجده): تذكَّرْ يا جدو!

الجدّ: وننتظرُ معًا المسحّرَ في رمضانَ على الشّرفةِ.

سامي: كما ننتظرُهُ معًا أنا وأنتَ وتيتا مُهيبة؟

الجدّة: نعم!

الجدّ: وفي العيدِ، كنا- يا سامي- نزورُ أقاربَنا معًا ونستقبلُهم لابسَيْنَ أجملَ حللِنا…

سامي: فقط؟

الجدّة: فقط؟ هناك نزهاتُ العيدِ…

سامي: نزهاتُ العيدِ؟

الجدّ: طبعًا، فالزّياراتُ والاستقبالاتُ لا تقفُ عائقًا أبدًا في طريقِ نزهاتِ العيدِ الرّائعةِ في بيروتَ، والتي يتحولُ فيها جديَ المفتشُ إلى طفلٍ صغيرٍ، يسرحُ ويمرحُ ويركضُ ويتسابقُ معي ومع أطفالِ العائلةِ، ويصرُّ أن يرُكِبَنا على ظهورِ الخيولِ والجِمالِ والحميرِ، وفي المراجيحِ الموجودةِ في ساحةِ العيدِ، وأن يريَنا صندوقَ الفرجةِ، ويأخذَنا لعندِ القرداتي…

سامي:  القرداتي؟ ما القرداتي؟

الجدّة (تضحك): مُلَعِّبُ القرودِ.

الجدّ (ضاحكًا): قبلَ العيدِ، كنا نحلمُ برؤيةِ القرداتيِّ وقردِهِ. وكنا نضحكُ كثيرًا عندما يخاطبُ القرداتيُّ قردَهُ طالبًا منه أن يسلّمَ على الموجودينَ، وأن يقلدَ الصَّبِيَّةَ والعجوزَ حين تعجنانِ.

سامي (بدهشة): سلَّمَ عليكَ؟

الجدّ (ضاحكًا): نعم، عشراتِ المراتِ!

سامي (بدهشة): ورقصَ لكَ؟

الجدّة (ضاحكة): عشراتِ المراتِ.

سامي (ضاحكًا): وقلدَ لكَ الصّبيةَ والعجوزَ؟

الجدّ (ضاحكًا): عشراتِ المراتِ!

سامي (مستفسرًا):  وكان في السَّاحةِ طعامٌ؟

الجدّة: طبعًا: بزوراتٌ، ومعمولُ العيدِ، والفولُ المسلوقُ، والحمّصُ البليلةُ، حيثُ ينفقُ الأطفالُ عيدياتِهمْ في ساحةِ العيدِ.

سامي: وإذا أنفقوها كلَّها؟

الجدّة (تتذكر): سأخبرُكما عن بنتٍ صغيرةٍ في السَّادسةِ من عمرِها ذهبَتْ إلى ساحةِ العيدِ…

سامي (مستنكرًا): لوحدِها؟

الجدّة: لوحدِها؟ لا طبعًا، بل مع عمتِها وأولادِ عمتِها.

سامي (ضاحكًا):  أنفقَتْ عيدياتِها على القرداتي؟

الجدّة: بل على ما لذَّ وطابَ، إذ كانتْ تحبُّ الطّعامَ أكثرَ من القرداتيّ!

الجدّ: رغمَ أنَّ البيوتَ في العيدِ خاصةً تكونُ مليئةً بألوانِ الطَّعامِ والشَّرابِ والحلوى.

الجدّة: ولكنْ، سبحانَ اللهِ، الأطفالُ يجدونَ لذَّةً في شراءِ طعامِ ساحةِ العيدِ.

الجدّ: ربما- مثلي- يحبونَ أن ينفقوا من عيدياتِهم.

الجدّة: أنا أيضًا كنتُ أحبُّ أنْ أنفقَ من عيديَّتي.

سامي: هلْ أنفقَتِ البنتُ الصَّغيرةُ كلَّ ما لديها من مالٍ؟

الجدّة: أنفقَتْ كلَّ ما لديها، ولم يبقَ معها قرشٌ واحدٌ. ولكن، فجأةً…

الجدّ وسامي (يسألان باهتمام): فجأةً؟

(ب)

الجدّ: فجأةً، انتبهَتْ إلى بائعِ الفولِ المسلوقِ يقفُ عند سورِ ساحةِ العيدِ.

سامي: فهرولَتْ إليه…

الجدّ (ضاحكًا): ورَجَتْهُ أن يطعِمَها الفولَ مجانًا؟

الجدّة: لو أرادَ الباعةُ في العيدِ إطعامَ الأطفالِ مجانًا لمجردِ أنهم أنفقوا عيدياتِهم، لعادوا إلى بيوتِهم خاسرينَ.

سامي: إذن؟

الجدّ: كيفَ أقنعَتْهُ؟

الجدّة: أعطتْهُ خاتمَها الذّهبيَّ لقاءَ صحنِ فولٍ!

سامي والجدّ (بدهشة): لا!

الجدّة: بلى!

الجدّ: ولكنْ….

الجدّة: على أن يعيدَهُ لها عندما تعيدُ له نقودَهُ.

الجدّ (بدهشة): وأخذَهُ؟

سامي: وأعادَهُ؟

الجدّة: أخذَهُ وأعادَهُ!

الجدّ(متنهدًا): غريبٌ جدًّا.

الجدّة (تشرح):   واللهِ، يا جدو عزيز، يبدو- واللهُ أعلمُ- أنَّ جارَنا أبا شفيقٍ الفوال كانَ قد أخبرَ قصةَ الخاتمِ لأمي، فاستبدلَتْ خاتمي الذّهبيَّ بآخرَ نحاسيٍّ له تزينُهُ خرزةٌ حمراءُ جميلةٌ أنستني الخاتمَ الذّهبيَّ، وأصلًا أنا لم أكنْ أميزُ بينَ النّحاسِ والذّهبِ.

الجدّ ( يهتف غير مصدّق): كنتِ أنتِ إذن؟

سامي (بدهشة): أنتِ؟

الجدّ (ضاحكًا): خاتمٌ ذهبيٌّ لقاءَ صحنِ فولٍ؟

سامي (ضاحكًا): جدتي المغامِرة!

الجدّة (بفرح): أتعرفان؟ كانَ أطيبَ صحنِ فولٍ أكلتُه في حياتي!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات