هاني نديم ينسج خيمة الربّ … في رثاء الآباء

01:30 مساءً الإثنين 31 يوليو 2023
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كتب الشاعر هاني نديم هذا الصباح “أخيراً، صدور كتابي “خيمة الربّ” وهو كتاب شعري يجمع عيون النصوص التي قيلت في رثاء الآباء من الوطن العربي والعالم، القديم منه والحديث، الكتاب خلاصة عمل سنوات طوال. آمل أنني وفقت في جمع الأجمل والأغرب.. إنه كتابٌ في حبّ الآباء المساكين الطيبين”.

إهدا الأنطولوجيا الشعرية الفريدة جاء “إلى الشامات الكثيرة التي ظهرت على كفّ أبي قبل وفاته..”

تصدير الكتاب

في صيف 1990، حربٌ تصهل خيولها في المنطقة وفجائعٌ على الأبواب، عامٌ من الغبار والنظر في مرآةٍ وجودية عميقة لأمةٍ مشت وتحرّكت في الشعر لكنها شربت وأكلت مع الحروب.

في الرقّة شرقي سوريا، مررنا على رجلٍ بالصدفة، نطلب ماءً، كان يبكي وحيداً بعيداً عن البيوتات الطينية القريبة.

رجلٌ خمسينيٌ بطول سروةٍ وهيبة فارس، كان يبكي بحرقةٍ ودمعٍ بلّل ثوبه العربي المطرّز في هذه القائظة فزاده تطريزا.. نزلت من سيارتي بكل عنفوان شابٍ عشريني، قلت له هل تحتاج شيئاً، هل نقدم لك مساعدةً ما؟

فقال لي وكأنه يهمس لي وحدي: مات أبي وانهدّ سقف الدار، ثم قال بصوت لا أنساه:

أنا لابجي.. وأبجّي الهور وفراه

على شحّ النهر من بعد وفراه

مضى من عطى العتّاب وفراه

وصار بحر العتابا تراب بتراب

وقع بيت العتابا هذا على رأسي تماماً كهراوةٍ ثقيلةٍ فأقعدني قرب الرجل لا حول لي ولا قوة، حفظته جرعةً واحدةً بزحافاته وعلله وغموضه وكشفه، عانقت الرجل المكلوم الذي بكى بين يدي غريبٍ حشمةً من القريب. نحن الرجال نفهم هذا. حفظت هذا البيت كضربة سيف وظللت أردده حتى مشيب رأسي وفقد والدي الذي فسرّ البيت من جديد بضربة سيفٍ واحدة أيضاً. فسّر لي كل هذا البكاء الذي يفطر الحجر رغم أنني أتحضرّ للموقف مذ تلك المشهدية التي نغّصت ألوان الحياة لشابٍ في مقتبل الحياة، انتبه؛ صدفةً أيضاً، أن الموت لا بدّ أن يأتي للأقارب والأباعد، وأن موت الأب -كما رأينا- ريحٌ صرصرٌ تشلع الخيام وتكشف عورات الرجال فتعيدهم أطفالا..

لاحقاً، صرت أتسقّط مرثيات الشعراء لآبائهم، أحفظ منها وأدوّنها وأردّدها. وإنني أذ أجمع منها هنا، فإنني أقدم نصوصاً سردية في منتهى الصدق، وشعراً أراه عظيماً، شعراً جليلاً بوصفه ابتهال إنساني هو الأصدق والأكثر رقةً ونبلا.

هذا الكتاب هو حصاد سنواتٍ طوالٍ من التدوين، سألت في كل بلدٍ زرتها عن عيون نصوصها في هذا الاتجاه، وترجمت عن عدة لغات بواسطة مختصين وزملاء لي، كما ترجمت بنفسي عن الإنجليزية معظم القصائد، آملاً أن تكون صياغتي لتلك النصوص شعريةً وجديرةً بما يكفي، كما استفدت بالسؤال والاستقصاء حتى وصلت إلى كمٍ هائل من النصوص، لانتخب ما رأيته أجدرها من كل أنحاء العالم.

أيضاً، لم ألتزم بالتسلسل التاريخي أو المناطقي أو غير ذلك، وضعت النصوص وفق رابطٍ خفي في قلبي، وقدّمته بكل حبّ. وإنني إذ أهدي هذا الكتاب لمحبي آبائهم، فإنني أتقرّب به إلى الآباء الصالحين جميعاً وإلى تلك العاطفة الأسمى والأجمل بين كائنين على سطح الأرض، وإلى أبي.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات