إحياء الذكرى السنوية الأولى لرحيل الدكتور وجيه فانوس

06:14 مساءً الثلاثاء 8 أغسطس 2023
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كلمة الأستاذ صبحي وجيه فانوس في الذكرى السنوية الأولى على رحيل العلامة الدكتور وجيه فانوس

الدكتور وجيه فانوس

راعي التكريم معالي وزير الثقافة القاضي مٌحمد وسام المرتضى،

سماحةُ العلامةِ السيدِ علي فضلٌ الله،

الحضورٌ الكريم،

لكم منا نحن عائلةٌ وجيه فانوس كلٌ الشكر على مشاركتكم وحضوركم هذه الندوةِ الثقافيةِ التكريميةِ في الذكرى الأولى لرحيلِ أبى.

رسالة من أبي إلى كل من أحبوهٌ وعلى رأسِهم أمي “إيمان”.

التصالح مع الغياب

الغالية إيمان، والغاليين علي،

أعلمُ أنه آلمكم جدَّاً خبرٌ وفاتي؛ وأوجع من منكم لم يتمكن من وداعي. صعبةٌ هي الحياةُ يا إيمان، وليست هذه هي المرَّةٌ الأولى التي تواجهينَ فيها صعاب الحياة؛ لكنَّها، هذه المرَّة، صعوبةٌ من نوعيَّةٍ مختلفة. إنها صعوبةٌ لا ينفع معها التَّحدي ولا تٌجدي فيها القوةٌ ولا يساعدٌ فيها الذكاء. صعوبةٌ الغيابِ الأبدي لمن نحب حقَّاً، هي صعوبةٌ الاستسلامِ للغيابِ والاكتفاءِ بالتذكُرِ والحٌلمِ وعَيش شيءٍ من الفجيعة. لذلك، ومعَ مثلِ هذه الصعوبات، لا عزاءَ عندي أقولهُ سوى الاعترافِ بالغيابِ الأبدي والاستعاضةِ عنهُ بحضور نخترعهُ نحنُ لمن غاب؛ وغالباً ما يكونُ هذا الحضورُ، الذي نصطنعُهُ، أقوى بكثيرٍ من الحضورِ الذي كان!

–مع انو صعب بحالة وجود بابا بحياتك وحياتنا–

نعم يا غالية، فكم من صورةٍ لفقيدٍ ظلَّت في كيانِ من فقدوهُ فاعلةً أكثرَ مما كانت فاعليَّتُها يومَ كانَ من فقدوهُ حاضراً! وهذا ما كانت عليهِ حالي من يوم غابَ والدي إلى الأبد، ولمَّا كنتُ قد بلغتُ السنتين والنصفِ من عٌمري. لقد ظلَّت صورةٍ، اصطنعتُها لهُ، فاعلةً في كياني ووجَّهت شخصيتي وحضوري طوالَ سنين وسنين وسنين. ولذا، لا بدَّ من الاستسلامِ لواقعِ الغيابِ الأبدي هذا، والاستعاضةِ عنهُ بحضورٍ من عندنا. وتأكَّدي، يا إيمان، أنَّ هذا الحضورَ، المصطنع من قبلنا، يمكن أن لا تكون له أيَّةُ علاقةٍ واقعيَّةٍ بالغائبِ الأبدي؛ بيدَ أنَّهُ اصطناعٌ واقعي؛ لأننا نوجدُهُ بأنفسنا وقد نتصالحُ من خلالِهِ مع الغائبَ الأبدي!

قد يكونُ جميلاً اصطناعُ حضورٍ لبعض من غابوا عنَّا إلى الأبد؛ طالما أننا نعلمُ يقيناً بأنَّهم لن يعودُوا. أمَّا إلى أين ذهبوا؟ فهذا، بحدِ ذاتِهِ أمرٌ، قد لا يعلمُهُ أحد، حتَّى هم؛ أو أنهم يعلمون، ولكن لا سبيلَ لأيِ تواصلٍ حقيقيٍ بيننا وبينهم. ولذا، فإنِّي أدعوكِ إلى اصطناعِ حضورٍ لي، ليس بالاصطناعِ الرّومنطيقيِ المريض على الإطلاق؛ بل هو اصطناعٌ واقعيٌ يمكِّنُكِ من التصالحِ مع الغائبِ ووضعُ صورةٍ أنتِ تحبينَها وعيش دنيا أنتِ تُريدِينَها لكِ معهُ.

    ما بالي أمعنُ في النصائحِ وأنا أكرهُها. لكنها تجربةٌ لي أحببتُ أن أنقِلها إليك، ليسَ أكثر.
   

يا غالية، منذ البدايةِ وأنت تكدِّينَ على صناعة نفسِك، وبناءِ زواجك، وعائلتك؛ ومنذُ البدايةِ وأنتِ مثابرة. الذي فقدتِهِ هو رابطٌ عاطفيٌ نفسيٌ رائع؛ فحاولي إيجادِ رابطٍ عاطفيٍ آخرَ رائع.

    يا غالية، مؤلمٌ ما يجري، وأكثرُ إيلاماً أنَّهُ قد يستمرُ طويلاً، ومكلفاً، وموجعاً، وقاتلاً. تابعي وجودَكِ، وأكمِلي رسمَ خطوطِ مسيرتِكِ ومسيرةِ عائلتِنا بحبٍ وفرح.

الرحمةُ لروحي وأطالَ اللهُ في عُمرِك.

محبتي وعزائي الخالِص

وجيه

صبحي وجيه فانوس

ألقيت في المكتبة الوطنية – بيروت في 7 آب 2023 بمناسبة الندوة الثقافية التكريمية في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الدكتور وجيه فانوس برعاية معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات