“دڨة” ذلك المكان العريق الضارب في القدم بتاريخه البربري النوميدي ، ثم الروماني و بعده كل من مروا من حضارات و أعراق .. هناك تشعر أعمدة “الكابيتول” التي تشرف على المكان ترقب و تراقب كل من مر و سيمر من هنا .. لعله يحكي الحكاية لا بلسانه أو صوره حيث لا تكشف الصور إلا المظهر لا المَخبر فيما ينتظر المكان من يتماهى معه ليحكي القصة لكن ليس بالسرد المتعارف عليه أنما بالسرد الحي المعيش و هو ما فعلته و عبرت عنه ذات الحضور الأخاذ “سعاد ماسي” .. التي تختزل كل مفردات الزمان و المكان شكلا و موضوعا في شخصها و فيما تقدمه من بحث في الموسيقى بمختلف أصولها و أنواعها ، و النصوص بلغات متعددة تعكس روافد تكوينها الشخصي و الفني على كافة الصعد ..

فها هي “سعاد ماسي” تخاطبنا بلغات و لهجات مختلفة تبدأ من أصولها البربرية مرورا بالفرنسية لتنتهي بالعربية .. و عربية من ” عربية المتنبي ” الذي ” نظر الأعمى إلى كتبه و أسمعت كلماته من به صمم ” و حيث ” الخيل و الليل و البيداء تعرفه ” و معهم ” السيف و الرمح و القرطاس و القلم ” ، مرورا بكل القوالب الموسيقية مثل القوالب الغربية المطعمة بالموسيقى البربرية و العربية بمختلف روافدها .. إذا تشعر مع ما تقدمه للجمهور أن البعيد أصبح قريبا .. فيما أصبح القريب أكثر قربا ..

• بكل اللهجات العربية غنت ” سعاد ماسي ” من أقصى الغرب و ليس إنتهاء باللهجة المصرية مع شعر ” نديم عبد الله ” إن لم تخني الذاكرة .. ، و فصحى “المتنبي” و ما أدراك ما “المتنبي” ..
• تغني “سعاد ماسي” نصوص نوعية تتحدث عن مطلقات و معان مجردة ، تغني للحب ، و الحرية ، و الإخاء ، و المساواة .. عبر قوالب موسيقية مميزة .. و رغم ذلك فهي تقدم محتواها في قالب بسيط لا يتعالى على المتلقي .. ينتمي إلى مدرسة السهل الممتنع في الإبداع .. يستحقه “مهرجان دڨة” الدولي الذي أصبح يقدم خدمة ثقافية نوعية على كافة الصعد .. لجمهوره المميز الراقي ..

• قدمت “سعاد ماسي” عرضا بديعا في سادس ليالي “مهرجان دڨة الدولي” تضمن الكثير من محتوى أحدث البوماتها .. بالإضافة لمختارات من أغانيها القديمة على غرار أغنية “غير أنت” التي قدمتها بناء على طلب الجمهور الذي تفاعل معها هي و فريقها بشكل رائع .. مما إضطرها للعودة مع فريقها مرتين إلي المسرح بعد أن أختتمت الحفل مستجيبة للجمهور المتحمس الذي رفض المغادرة مرتين .. و في نهاية الحفل للمرة الثانية غادر بصعوبة إذ بدا المشهد و كأن الجمهور و ” سعاد ماسي ” و فريقها و المكان نفسه قد إندمجوا في كيان واحد غير منفصل .. لتطوى صفحة جديدة ناجحة لليلة مشهودة من ليالي ” مهرجان دڨة الدولي ”

Tweet